قصة حيلة عضد الدولة والخرساني
عضد الدولة هو أبو شجاع فنا خسرو بن ركن الدولة، ثاني ملوك بويه، عرف عنه الدهاء والحكمة والإحسان إلى الفقراء، وقصتنا هذا دليل قوي على دهاء ذلك الرجل في تعامله مع أحد التجار الذي استحل الأمانة ورفض أن يردها إلى أهلها فما كان من عضد الدولة إلا أن وضع خطة محكمة جعلت التاجر يهرول لرد أمانته، وقد وردت هذه القصة في كتاب الأذكياء
لابن الجوزي
، أما بقية أحداثها هو ما سوف نعرفه من خلال السطور القادمة.
العطار والعقد الفريد:
قيل أن رجلا من خراسان قدم إلى بغداد للحج، وكان معه عقد من الجواهر يساوي ألف دينار، فاجتهد في بيعه فلم يوفق فجاء إلى عطار موصوف بالخير فأودعه إياه، ثم حج وعاد فأتاه بهدية، فقال له العطار: من أنت وما هذا؟ فقال: أنا صاحب العقد الذي أودعتك، فما كلمه حتى رفسه رفسة رماه بها عن دكانه، وقال: تدعي علي مثل هذه الدعوى؟ فاجتمع الناس وقالوا للحاج: ويلك، هذا رجل خير، ما لقيت من تدعي عليه إلا هذا؟ فتحير الحاج وتردد إليه فما زاده إلا شتما وضربًا، فقيل له: لو ذهبت إلى عضد الدولة، فله في هذه الأشياء فراسة.
خطة محكمة:
كتب الخرساني قصته وجعلها على قصبة ورفعها لعضد الدولة، فنودي عليه فجاء فسأله عن حاله، فأخبره بالقصة فقال: اذهب إلى العطار غدًا واقعد على دكانه، فإن منعك فاقعد على دكان تقابله من الصبح إلى المغرب، ولا تكلمه وافعل هذا ثلاثة أيام، فإني أمر عليك في اليوم الرابع وأقف وأسلم عليك، فلا تقم لي ولا تزدني على رد السلام وجواب ما أسألك عنه، فاذا انصرفت فأعد عليه ذكر العقد.
فجاء إلى دكان العطار ليجلس فمنعه، فجلس بمقابلته ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الرابع اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم، فلما رأى الخراساني وقف وقال: السلام عليك، فقال الخراساني ولم يتحرك: وعليكم السلام. فقال: يا أخي تقدم فلا تأتي إلينا؟ ولا تعرض حوائجك علينا؟ فقال كما اتفق ولم يشبعه الكلام، وعضد الدولة يسأله ويستخفي وقد وقف ووقف العسكر كله، والعطار قد أغمي عليه من الخوف.
فلما انصرف التفت العطار إلى الحاج فقال: ويحك متى أودعتني هذا العقد؟ وفي أي شيء كان ملفوفًا؟ ذكرني لعلي أذكره، فقال: من صفته كذا وكذا. فقام وفتش، ثم نقض جرة عنده فوقع العقد، فقال: قد كنت نسيت، ولو لم تذكرني الحال ما ذكرت. فأخذ العقد وذهب.
عضد الدولة:
عضد الدولة أبو شجاع فنا خسرو بن ركن الدولة [937 – 983] ثاني ملوك بني بويه، عرف بتكريمه للعلماء ورعايته وإحسانه للفقراء كما عرف عنه الدهاء وحسن التصرف، بلغت الدولة البويهية في عصره شأنًا عظيمًا وذلك لكثرة إنجازاته التي قدمه للدولة ونجاحه في إحكام قبضته عليها وتوحيد جميع مناطقها تحت كلمة وراية واحدة، توفى ببغداد عام 983م.