تجليات جبريل الوحي و ظهوره لرسول الله

عرفنا كثيرا أن جبريل عليه السلام هو ذلك الملك المكلف بإنزال الوحي من الله على الرسل ، و كثيرا ما قرأنا عن مواقف دارت بين رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم و بين

جبريل عليه السلام

، و لم يتخيل أحد كيف كان اللقاء ، و كيف كان جبريل يتجلى لرسول الله .


غار حراء


كانت أولى تجليات جبريل عليه السلام لرسول الله في غار حراء ، ذلك اليوم الذي تحدث رسول الله عن تفاصيله لأم المؤمنين

عائشة رضي الله عنها

، فيقول أنه قد رآه في منامه ، تلك هي الزيارة الأولى ، حيث يقول صلى الله عليه وسلم ( فجاءني جبريل و أنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب ) ، بعدها ذكر صلى الله عليه وسلم أحداث الزيارة ، تلك الكلمات التي سمعها شخص من أكثر العرب فصاحة ، تلك الكلمات التي تروى عن ما كان يفكر فيه ، و عن ذلك الرب الذي يبحث عنه ، كلمات ليس من الممكن أن تكون قيلت عن لسان بشر ، و قد علقت في قلبه و أصبحت جزء من كيانه .


تجليات إنسانية لجبريل عليه السلام



الرؤية الأولى


– ذكرت السنة النبوية المشرفة العديد من المواقف ، تلك التي شهدت نقل الوحي من الله لرسول الله عن طريق جبريل عليه السلام ، و في وسط كافة المواقف التي جمعتهم معا ، موقفين وحيدين تجلى فيهم جبريل بصورة بشرية ، فكانت الأولى بعد بداية الوحي ، تحديدا عند نزول سورة المدثر .

– كانت هذه الواقعة حسب رواية

رسول الله صلى الله عليه وسلم

، حين قال ( بينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا فرجعت فقلت زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله عز وجل يا أيها المدثر قم فأنذر إلى قوله والرجز فاهجر ) {رواه البخاري و مسلم} .

– و قد تحدث الحافظ بن كثير عن تلك الواقعة ، و وجد لها إسنادات في القرآن الكريم في عدة آيات ، و يذكر ابن كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما رأى جبريل في هذه الواقعة كان بصورته التي خلق عليها ، خلق عظيم ذو ستمائة جناح ، أما عن الإسناد الذي اعتمد عليه فكان قوله تعالى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) ( سورة النجم ) .


الرؤية الثانية


– أما عن الرؤية الثانية فقد كانت في جنات رب العالمين ، تحديدا في ليلة

الإسراء و المعراج

، حيث رآه صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى ، و قد أشارت سورة النجم أيضا إلى هذه الواقعة في كلمات أخرى ، حين قال تعالى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) ( سورة النجم ) .

– و قد تحدث العديد من المفسرين و الباحثي في السنة النبوية المشرفة ، و كان على رأسهم الحافظ بن كثير و النووي رحمهم الله ، حين قالوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى جبريل في هذه المواقف بتلك الصورة التي خلقه الله بها ، و لم يثبت وقوع أي تجليات أخرى لسيدنا جبريل بصورته الحية .


تلقي الوحي


ذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرى جبريل بالصورة التي خلق عليها سوى مرتين فقط ، و هم ما اسلفنا في ذكرهم في السابق ، أما بالنسبة لباقي المرات التي كان يستقي فيها العلم و الوحي من خلاله من رب العالمين ، فقد كان يتجلى له أثناء نومه كرؤيا أو أنه يصبح كالمغشي فيراه و يتحدث إليه ، و لكنه لم يتجلى له فعليا حتى انقطاع الوحي .