تفسير ” وإن أحد من المشركين استجارك فأجره “

{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة التوبة: 6]


تفسير الآية:



{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}:

يقول تعالى لنبيه صلوات اللّه وسلامه عليه: وإن أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم

{اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ }:

أي استأمنك فأجبه إلى طلبته عن مجاهد، حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال : خرج رسوله الله صل الله عليه وسلم غازيًا، فلقي العدو وأخرج المسلمون رجلا من المشركين وأشرعوا فيه الأسنة، فقال الرجل ارفعوا عني سلاحكم، وأسمعوني كلام الله تعالى! فقالوا: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وتخلع الأنداد وتتبرأ من اللات والعزى؟ فقال: فإني أشهدكم أني قد فعلت .


{حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}:

أي القرآن تقرأه عليه، وتذكر له شيئاً من أمر الدين تقيم به عليه حجة اللّه

{ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}:

أي وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}:

أي إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين اللّه وتنتشر دعوة اللّه في عباده، يقول ابن أبي نحبيح، عن مجاهد في تفسير هذه الآية: إنسان يأتيك يسمع ما تقول، وما أنزل عليك فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام الله وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء.

ولهذا كان رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم يعطي الأمان لمن جاءه مسترشداً أو في رسالة، كما جاء

يوم الحديبية

جماعة من الرسل من قريش، منهم عروة بن مسعود، ومكرز بن حفص، وسهيل بن عمرو وغيرهم واحدًا بعد واحد، يترددون في القضية بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام المسلمين رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم ما بهرهم، وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم وأخبروهم بذلك، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم.

ولهذا أيضاً لما قدم رسول مسيلمة الكذاب على رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم قال له: «أتشهد أن مسيلمة رسول اللّه؟» قال: نعم، فقال رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم: «لولا أن الرسل لا تقتل لضربت عنقك»، وقد تم ضرب عنقه في إمارة بن مسعود على الكوفة وكان يقال له: ابن النواحة، لما ظهر عنه في زمان

ابن مسعود

أنه يشهد لمسيلمة بالرسالة، فأرسل إليه ابن مسعود فقال له: إنك الآن لست في رسالة، وأمر به فضربة عنقه لعنة الله عليه.


الغرض من الآية:


يقول ابن كثير رحمة الله عليه: والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة أو تجارة أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية أو نحو ذلك من الأسباب وطلب من الإمام أو نائبه أماناً، أُعطي أماناً ما دام متردداً في دار الإسلام وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه، لكن قال العلماء: لا يجوز أن يُمكن من الإقامة في دار الإسلام سنة، ويجوز أن يُمكن من إقامة أربعة أشهر، وفيما بين ذلك فيما زاد على أربعة أشهر ونقص عن سنة قولان عن

الإمام الشافعي

وغيره من العلماء رحمهم اللّه.