تفسير ” قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف “
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)} [سورة الأنفال: 38-40]
تفسير الآيات:
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا}:
يقول الله تعالى لنبيه محمد صل الله عليه وسلم قل لهم أن ينتهوا عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في الإسلام في الطاعة والإنابة يُغفر لهم ما قد سلف أي من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم، كما جاء في الصحيح من حديث أبي وائل عن
ابن مسعود
أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر» وفي الصحيح أيضًا: أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما كان قبلها»
{وَإِنْ يَعُودُوا}:
أي يستمروا على ما هم فيه،
{فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}:
أي فقد مضت سنتنا في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة، وقوله {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}: أي في قريش
يوم بدر
وغيرها من الأمم وقال محمد بن إسحاق أي يوم بدر.
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}:
وقال الضحاك عن ابن عباس: يعني لا يكون شرك وهو قول مجاهد والحسن وقتادة والسدي ومقاتل وزيد بن أسلم، وقال عروة بن الزبير: {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} حتى لا يفتن مسلم عن دينه، وقوله:
{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}:
قال الضحاك عن
ابن عباس
: يخلص التوحيد للّه، وقال الحسن وقتادة: أن يقال لا إله إلا اللّه، أن يكون التوحيد خالصاً للّه فليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد، وقال عبد الرحمن بن أسلم: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} لا يكون مع دينكم كفر، ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين عن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم أنه قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللّه عزَّ وجلَّ».
{فَإِنِ انْتَهَوْا}:
عما هم فيه من الكفر فكفوا عنه، وإن لم تعلموا بواطنهم
{فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}:
كقوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5]، وفي الآية الأخرى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11] ، وقال: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة:193] . وفي الصحيح أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم قال لأسامة لما علا ذلك الرجل بالسيف، فقال لا إله إلا اللّه فضربه فقتله، فذكر ذلك لرسول اللّه صل اللّه عليه وسلم، فقال لأسامة: «أقتلته بعدما قال لا إله إلا اللّه؟ وكيف تصنع بلا إله إلا اللّه يوم القيامة؟» فقال: يا رسول اللّه إنما قالها تعوذاً، قال: «هلاّ شققت عن قلبه»، وجعل يقول ويكرر عليه: «من لك بلا إله إلا اللّه
يوم القيامة
؟» قال أسامة: حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ، وقوله:
{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}:
أي وإن استمروا على خلافكم ومحاربتكم {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ} سيدكم وناصركم على أعدائكم فنعم المولى ونعم النصير.