الفرق بين المعارك والغزوات والسَّرايا
توجد في اللغة العربية الفصحى عدة مصطلحات تشير إلى معنى الحرب لا سيَّما تلك الحروب التي وقعت في عصر الفتح الإسلامي؛ حيث تتردد دومًا مصطلحات حول المعارك الإسلامية، ومصطلحات أخرى تحت مسمى
الغزوات الإسلامية
، وكذا بعض الروايات التي تستدل على الحروب باسم سرية، وتلك كلها مصطلحات وإن كانت تحمل معنى يدل على الحروب إلا أن لكل منها معنىً مختلفًا نوضحه فيما يلي :
فرق المعنى بين الغزوة والمعركة والسَّرِيَّة
في بداية الفتوحات الإسلامية التي لجأ إليها المسلمون للدفاع عن أنفسهم ضد الكفار الذين حاولوا منعهم من نشر العقيدة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، تعددت الغزوات والمعارك التي حدث منها في عهد الرسول بمشاركته أو بغير مشاركته، وكذلك التي حدثت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من أنها جميعها حدثت للسبب ذاته وهو إعلاء راية الإسلام والدفاع عن العقيدة الإسلامية والمسلمين ونشر الدين، والسعي لكسر شوكة المشركين المناهضين لرسول الله ، إلا أن هناك اختلافاً واضحاً ما بين لفظ غزوة ولفظ معركة ولفظ سرِيَّة، وذلك في المعنى والمضمون والاستخدام، وهذا ما نفسره كما يلي :
1- الغزوة
مصطلح يشير إلى تلك الحروب والفتوحات التي خرج وشارك فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من قتال بين جيش المسلمين وجيوش الكفار والمشركين، ويقول الرواة والمؤرخون بأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- شارك مع جيش المسلمين في حوالي من 25 إلى 29 غزوة وكان معظمهم حاضرا فقط للتوجيه والتخطيط، لكن مشاركته الفعلية في القتال كانت قد اقتصرت على عدد 9 غزوات فقط، ويقال أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يقتل خلال كل تلك الغزوات إلى أُبَيَّ بن خلف في
غزوة أُحُدْ
.
وتعتبر غزوة أُحُدْ هي الغزوة الوحيدة التي جُرِحَ فيها الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- وتعرض لإصابات مبرحة، وغير غزوة أُحُدْ نجد الرسول وقد شارك في
غزوة بدر
، وغزوة الأحزاب، وغزوة يهود قريظة، وغزوة يهود خيبر، وغزوة الطائف.
2- المعركة
لفظة “المعركة” هي ما يطلق على كل أنواع الحروب والفتوحات والتناوشات والاشتباكات والاحتكاكات القتالية المسلحة التي جرت ما بين جيش المسلمين وجيوش المشركين والكفار ولكن دون أن يشارك فيها الرسول الكريم، وكان امتناع الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الخروج والمشاركة في مثل تلك الحروب ناتج عن سبب ما سواءً كان مرضه أو أوامر الله سبحانه وتعالى له، ورغم أن الرسول لم يكن يشارك في المعارك إلا أنه كان يعين قادة المعركة ويرشدهم ويضع لهم الاستراتيجية الحربية.
وفي سياق المعنى كذلك نجد أن كلمة معركة أطلقت على الحروب التي وقعت بين المسلمين وبين المسلمين المخالفين للشريعة، وكانت المعارك قد انتشرت بعد وفاة الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيما يعرف ب
حروب الردة
وغيرها من الحروب التي كانت ضد مسلمين عاصين نقضوا عهدهم القديم مع المسلمين وراحوا يتعاونون مع اليهود والمشركين أو يتسببون في تحقيق أذى مادي أو معنوي للمسلمين.
3-
السَّرِيَّة
تعتبر السَّرِيَّة مثل المعركة في ان الرسول -عليه الصلاة السلام- لم يكن يشارك فيها، وفي الوقت نفسه لا تعد حربًا كالمعركة أو الغزوة، لان الهدف منها لم يكن الحرب بقدر ما كان الحصول على معلومات معينة تفيد المسلمين؛ حيث أرسل الرسول -عليه الصلاة والسلام- حوالي من 56 إلى 60 سرية، وتتكون كل واحدة من مجموعة من رجال المسلمين الأقوياء ذوي الفطنة والحنكة العالية في الحروب والقتال والتخفي والرصد، وكانت مهمتهم حراسة معسكرات المسلمين أو تقصي أخبار الأعداء وجيوشهم.
والسَّرِيَّة وإن لم تكن بالاهمية التي تجعلها تحرر أرضًا أو تفتتح مدينة ما، إلا أن ممهمتها الأكبر في التأمين والرصد والحماية كان لها شأن عظيم وعاد بالإيجاب على جيوش المسلمين، وكانت السَّرِيَّة تخرج بقيادة أحد الصحابة الذين يعينهم رسول الله.