تفسير ” يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول “

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال:1] تفسير الآية مما جاء في تفسير بن كثير مع بيان سبب نزولها وبيان هل الآية محكمة أم منسوخة؟


سبب نزول الآية:



عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس رضي اللّه عنهما سورة الأنفال؟  قال: نزلت في بدر، وعن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: الأنفال هي الغنائم، كانت لرسول اللّه صل اللّه عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء

،

وقال مجاهد: إنهم سألوا رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة من الأخماس، فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}.




روي عن

سعد بن أبي وقاص

قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكتيفة، فأتيت به النبي صل اللّه عليه وسلم فقال: «اذهب فاطرحه في القبض»، قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا اللّه من قتل أخي وأخذ سلبي، قال: فما جاوزت إلا يسيرًا، حتى نزلت سورة الأنفال فقال لي رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم: «اذهب فخذ سلبك».




قال الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: سألت عبادة عن الأنفال، فقال: فينا نزلت أي في

أصحاب بدر

، حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه اللّه من أيدينا، وجعله إلى رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم فقسمه رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم بين المسلمين عن بواء، يقول: عن سواء.




وقال الإمام أحمد أيضاً عن

عبادة بن الصامت

قال: خرجنا مع رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم اللّه تعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول اللّه صل اللّه عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق به منا، نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول اللّه صل اللّه عليه وسلم: خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به، فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} ، فقسمها رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم بين المسلمين، وكان رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، فإذا أقبل راجعًا نفل الثلث، وكان يكره الأنفال [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه]




عن عكرمة عن

ابن عباس

قال: لما كان يوم بدر قال رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم: «من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا» فتسارع في ذلك شبان القوم وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت المغانم جاءوا يطلبون الذي جعل لهم، فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم لو انكشفتم لفئتم إلينا؛ فتنازعوا، فأنزل اللّه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين}


تفسير الآية:



{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}:

قال

البخاري

: الأنفال المغانم، وقال ابن جرير عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلا يسأل ابن عباس عن الأنفال؟ فقال ابن عباس رضي اللّه عنهما: الفرس من النفل والسلب من النفل، ثم عاد لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضا، ثم قال الرجل: الأنفال التي قال اللّه في كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه، فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟.. مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب. وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس أنه فسر النفل بما ينفله الإمام لبعض الأشخاص من سلب أو نحوه بعد قسم أصل المغنم، وهو المتبادر إلى فهم كثير من الفقهاء من لفظ النفل، واللّه أعلم.

وقال ابن مسعود: لا نفل يوم الزحف، إنما النفل قبل التقاء الصفوف، وقال ابن المبارك عن عطاء بن أبي رباح في الآية {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} قال يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال من دابة أو عبد أو أمة أو متاع، فهو نفل للنبي صل اللّه عليه وسلم يصنع به ما يشاء


{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}:

أي اتقوا اللّه في أموركم وأصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا، فما آتاكم اللّه من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه،

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}:

أي في قسمه بينكم على ما أراده اللّه، فإنه إنما يقسمه كما أمره اللّه من العدل والإنصاف، وقال ابن عباس: هذا تحريج من اللّه ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم، وقال السدي {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} أي لا تستبوا، ولنذكر ههنا حديثا أورده الحافظ أبو يعلى الموصلي رحمه اللّه في مسنده


الأنفال آية منسوخة أم محكمة؟


قال الإمام القاسم بن سلام رحمه اللّه في كتاب الأموال الشرعية: أما الأنفال فهي المغانم، وكل نيل ناله المسلمون من أموال أهل الحرب فكانت الأنفال الأولى لرسول اللّه صل اللّه عليه وسلم، يقول اللّه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} فقسمها يوم بدر على ما أراه اللّه من غير أن يخمسها، ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس فنسخت الأولى، قلت: هكذا روي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي.

وقال ابن زيد: ليست منسوخة بل هي محكمة، والأنفال أصلها جماع الغنائم إلا أن الخمس منها مخصوص لأهله على ما نزل به الكتاب وجرت به السنّة. ومعنى الأنفال في كلام العرب: كل إحسان فعله فاعل تفضلا من غير أن يجب ذلك عليه، فذلك النفل الذي أحله اللّه للمؤمنين من أموال عدوهم، وإنما هو شيء خصهم اللّه به تفضلا منه عليهم، بعد أن كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلهم، فنفلها اللّه تعالى هذه الأمة فهذا أصل النفل. وشاهد هذا ما في الصحيحين: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) وذكر تمام الحديث.