تفسير ” فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم “
{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:3] أي من احتاج أي دعته الضرورة إلى تناول شيء من هذه المحرمات فله تناول ذلك بشرط أن يكون غير متعاطٍ لمعصية الله فإن كان متعاطيًا لمعصية الله فلا تحل له.
الهدي القرآني في الآية:
وفيه يوجه الله تعالى كلامه إلى المؤمنين الذين نزل فيهم الحكم بتحريم الميتة والدم و
لحم الخنزير
وما أهل لغير الله والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة أنه من احتاج أي دعته الضرورة إلى تناول شيء من هذه المحرمات فله تناول ذلك، والله غفور رحيم له؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك فيتجاوز عنه ويغفر له، وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رخصته، كما يكره أن تؤتى معصيته» وفيه أيضًا: «من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة».
متى يصبح تناول الميتة واجبًا
قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبًا في بعض الأحيان، وهو إذا ما خاف على مهجته التلف ولم يجد غيرها –أي خاف على نفسه الموت- وقد يكون مندوبًا وقد يكون مباحًا بحسب الأحوال، وفيه قال
الشافعي
رحمه الله: من اضطر إلى أكل الميتة جاز له، وليس من شرط تناولها أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعامًا، وعن أبي واقد الليثي، أنهم قالوا: يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة، فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال: «إذ لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا؟ ولم تحتفنوا؟ بقلًا فشأنكم بها» وجاء في المعنى تصطبحوا: يعني به الغداء، وتغتبقوا: يعني به العشاء.
ومنه أيضًا أن رجلًا من الأعراب أتى النبي صل الله عليه وسلم، يستفتيه في الذي حرم الله عليه، والذي أحل له، فقال النبي صل الله عليه وسلم: «تحل لك الطيبات وتحرم عليك الخبائث، إلا أن تفتقر إلى طعام لا يحل لك، فتأكل منه حتى تستغني عنه» فقال الرجل: وما فقري الذي يحل لي؟ وما غناي الذي يغنيني عن ذلك؟ فقال النبي صل الله عليه وسلم: «إذا كنت ترجوا نتاجًا، فتبلغ بلحوم ماشيتك إلى نتاجك، أو كنت ترجو غنى، تطلبه فتبلغ من ذلك شيئًا، فأطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه» فقال الأعرابي: ما غناي الذي أدعه إذا وجدته؟ فقال النبي صل الله عليه وسلم: « إذا أرويت أهلك غبوقًا من الليل، فاجتنب ما حرم الله عليك من طعام، وأما مالك فإنه ميسور كله ليس فيه حرام».
العاصي ليس له رخصة
وقد جاء في تفسير
بن كثير
للآية، وفيه قال الله تعالى: { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} أي غير متعاطٍ لمعصية الله، فإن الله قد أباح ذلك له، ولم يبيحه للآخر، كما قال الله تعالى في سورة البقرة {ِفَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} [سورة البقرة: 173]، {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:145]، وقد استدل بهذه الآية من يقول بأن العاصي في سفره لا يترخص بشيء من رخص السفر؛ لأن الرخص لا تنال بالمعاصي والله أعلم.