تفسير ” والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة “

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [سورة المائدة: 3]


تفسير


{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}


:

وفيه يخبر الله تعالى عباده خبرًا متضمنًا النهي عن تعاطي هذه المحرمات من الميتة وهي: ما مات من الحيوان حتف أنفه، من غير ذكاة ولا اصطياد، وما ذاك إلا لما فيها من المضرة لما فيها من الدم المحتقن، فهي ضارة للبدن ولذلك حرمها الله عز وجل ويستثنى من الميتة السمك، لما جاء عن

أبي هريرة

رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم، سئل عن ماء البحر فقال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».


{وَالدَّمُ}:

يعني به الدم المسفوح لقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:145] وعن

ابن عباس

رضي الله عنهما أنه سئل عن الطحال فقال: كلوه، فقالوا: إنه دم فقال: إنما حرم عليكم الدم المسفوح، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «أُحِلَّ لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال».


{وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}:

يعني إنسيه ووحشيه، واللحم مقصود به جميع أجزائه حتى الشحم، وفي الصحيحين جاء أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: « إن الله حرم بيع الخمر والميتة و

الخنزير

والأصنام» فقيل: يا رسول الله: أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: «لا، هو حرام»


{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}:

أي ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام؛ لأن الله أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم، فمتى عدل عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن، أو غير ذلك من سائر المخلوقات، فإنها حرام بالإجماع، وقد اختلف العلماء في متروك التسمية عليه إما عمدًا أو نسيانًا.


{وَالْمُنْخَنِقَةُ}:

وهي التي ماتت بالخنق إما قصدًا أو اتفاقًا،

{وَالْمَوْقُوذَةُ}:

هي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: هي التي تضرب بالخشب حتى توقذ بها فتموت، وقال قتادة كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصى حتى إذا ماتت أكلوها،

{وَالْمُتَرَدِّيَةُ}:

هي التي تقع من شاهق أو موضع عالٍ فتموت بذلك لا تحل، وعن ابن عباس هي التي تسقط من جبل وقال قتادة: هي التي تسقط في البئر،

{وَالنَّطِيحَةُ}:

هي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها، فهي حرام وإن جرحها القرن وخرج منها الدم ولو من مذبحها.


{وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ}:

أي ما عدا عليه الأسد، أو فهد، أو نمر، أو ذئب، أو كلب، فأكل بعضها فماتت بذلك فهي حرام وإن كان قد سال الدم من مذبحها، فلا تحل بالإجماع وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة ونحو ذلك فحرم الله ذلك على المؤمنين.


{إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}:

أي إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح فكلوه فهو ذكي. وعن علي قال إن مصعت بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها فكل، أي إن حركت أي جزء فيها بعد أن أكل منها السبع قم بذكاتها وهي حلال أما غير ذلك فلا، وهو مذهب جمهور الفقهاء أن المذكاة متى تحركت بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح فهي حلال.


تفسير {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}


:

النصب هي حجارة كانت موجودة حول الكعبة وهي ثلاثمائة وستون حجرًا، كان العرب في الجاهلية يذبحون عندها وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب، وقد نهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح لأنه من الشرك الذي حرمه الله ورسوله.

تفسير

{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ}


:

كان العرب في

الجاهلية

يتعاطون ذلك وهي عبارة عن ثلاثة أقداح مكتوب عليها افعل، ولا تفعل، وغُفْل ليس عليه شيء، فإذا أجالها فطلع السهم الآمر فعله، أو الناهي تركه وإن طلع الفارغ أعاد الاستقسام،

{ذَلِكُمْ فِسْقٌ}:

وقد حرمها الله تعالى لأن تعاطيه فسق وضلال وجهالة وشرك، وقد أمر الله المؤمنون إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه ثم يسألوه الخير في الأمر الذي يريدونه.