تفسير ” ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض “
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء:32] تفسير الآيات مع بيان سبب نزولها.
سبب نزول الآية:
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قالت
أم سلمة
: يا رسول الله، يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث، فأنزل الله عز وجل: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء:32]
.
وعن
ابن عباس
رضي الله عنه في سبب نزول هذه الآية قال: أتت امرأة النبي صل الله عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله، للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل فنحن في العمل هكذا، إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة فأنزل الله هذه الآية: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}: فإنه عدل مني وأنا صنعته.
تفسير الآية:
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}:
أي في الأمور الدنيوية والدينية ،عن ابن عباس قال: ولا يتمنى الرجل فيقول: ليت لو أن لي مال فلان وأهله، فنهى الله عن ذلك ولكن ليسأل الله من فضله.
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}:
يقول ابن جرير: أي كل له جزاء على عمله بحسبه، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وقيل: المراد بذلك في الميراث، أي كل يرث بحسبه.
وعن ابن عباس: ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم فقال:
{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}:
أي لا تتمنوا ما فضل به بعضكم على بعض، فإن هذا أمر محتوم، والتمني لا يجدي شيئًا، ولكن سلوني من فضلي أعطكم، فإني كريم وهاب، وعن
عبدالله بن مسعود
قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل وإن أفضل العبادة انتظار الفرج».
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}:
أي هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها، وبمن يستحق الفقر فيفقره، وعليم بمن يستحق الآخرة فيقيضه لأعمالها وبمن يستحق الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير وأسبابه، ولهذا قال: أنه بكل شيءٍ عليم ومطلع.
ما يستفاد من الآيات:
الإقرار والتسليم بأن الله عدل في جميع أحكامه على البشر وأنه لم ينزل حكمًا أو تشريعًا إلا لحكمة يعلمها هو سبحانه وتعالى، وأحد علامات الإيمان الله هو الإقرار والتصديق بكل ما جاء به رسول الله صل الله عليه، وعندما اعترضت إحدى النساء عن حكم من أحكام الله عز وجل وهو تفضيل الرجال على النساء أنزل الله تعالى فيها وفي غيرها ممن يعترضون على أحكام الله هذه الآية التي يخبرهم فيها أن العدل الذي لا يظلم أدًا ويعطي كل ذي حق حقه من الرجال والنساء.