تفسير ” وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا “
قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6] كان عادة العرب في جاهليتهم يخرج الرجل بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من
الجن
ان أُضَرّ أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي، خوفًا من الجن أن يمسه بسوء.
تفسير الآية:
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ}:
أي كنا نرى أن لنا فضلًا على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا أي إذا نزلوا واديًا أو مكانًا موحشًا من البراري وغيرها كما كان عادة العرب في جاهليتهم يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم ذادوهم خوفًا ورعبًا.
{فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}:
أي خوفًا وإرهابًا وذعرًا حتى تبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذًا بهم، كما قال قتادة {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}: أي إثمًا وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة وقال السدى: كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن ان أُضَرّ أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي، قال: فإذا أعاذ بهم من دون الله رهقتهم الجن الأذى عند ذلك، وعن عكرمة قال: كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد وكان الإنس إذا نزلوا واديًا هرب الجن فيقول سيد القوم: نعوذ بسيد أهل هذا الوادي، فقال الجن: نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم، فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون فذلك قول الله {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}
وعن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر
رسول الله
صل الله عليه وسلم بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم، فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي، جارك فنادى مناد لا نراه، يقول: يا سرحان أرسله، فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة، وأنزل الله على رسوله بمكة:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}، وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل كان جنيًا حتى يرهب الإنسي ويخاف منه ثم رده عليه لما استجار به، ليضله ويهينه، ويخرجه عن دينه، والله أعلم.
الدروس المستفادة من الآية:
– الاستجارة والاستعانة تكون بالله وحده وليس من بأي أحد غيره.
– يجب على المسلم أن يذكر الله دائمًا ولا ينقطع ذكره أبدًا.
– التعوذ والاستعاذة تكون بذكر اسم الله فقط وليس بأي ذكر آخر.
– أن الاستعانة بالجن على
قضاء الحوائج
ضلال وكفر لأنه لا مانع لما يعطي الله ولا معطي لما يمنعه الله.