سبب نزول الآية ” هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر “
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)} [سورة الحشر: 2-5]
سبب نزول الآيات:
جاءت الآيات في
يهود بني النضير
وفيه قال بن عباس ومجاهد والزهري أن لما قدم رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة هادنهم وأعطاهم العهد والذمة على ألا يقاتلهم ولا يقاتلوه، فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه فاحل الله بهم باسه الذي لا مرد له، وانزل عليهم قضاؤه الذي لا يصد فأجلاهم النبي صل الله عليه وسلم، وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ما طمع فيها المسلمون وظنوا أنها مانعتهم من بأس الله فما اغنى عنهم من الله شيئًا وجاءهم ما لم يكن ببالهم وسيرهم رسول الله صل الله عليه وسلم وأجلاهم من المدينة فكان منهم طائفة ذهبوا إلى أذرعات من أعالي الشام وهي أرض المحشر والمنشر ومنهم طائفة ذهبوا إلى خيبر، وكان قد أنزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم، فكانوا يخربون ما في بيوتهم من المنقولات التي يمكن أن تحمل معهم.
تفسير الآيات:
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}:
يعني بني النضير
{مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}:
قال لهم
رسول الله
صل الله عليه وسلم: «اخرجوا»، قالوا: إلى أين؟ قال: «إلى أرض المحشر»
{مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}:
أي في مدة حصاركم لهم وقصرها وكانت ستة أيام مع شدة حصونهم ومنعتها
{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}:
أي جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال .
{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}:
أي الخوف والهلع والجزع وكيف لا يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي نصر بالرعب مسيرة شهر صلوات الله وسلامه عليه،
{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِين}:
وهو نقض ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم، وتحملها على الإبل
{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}:
أي تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله وكذب كتابه كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من العذاب الأليم
.
{وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}:
أي لولا أن كتب الله عليهم هذا الجلاء وهو النفي من ديارهم وأموالهم لكان لهم عند الله عذا آخر من القتل والسبي
{وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ}:
أي حتم لازم لابد لهم منه
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}:
أي إنما فعل الله بهم ذلك وسلط عليهم رسوله وعباده المؤمنين جزاءً لأنهم خالفوا الله ورسوله
{وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}:
لتكذيبهم بما أنزل الله على رسله المتقدمين في البشارة بمحمد وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبنائهم،
{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}:
اللين هو نوع من التمر وقال ابن جرير: هو جميع النخل، وذلك ان رسول الله صل الله عليه وسلم عندما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم إهانة لهم وإرهابًا وإرعابًا لقلوبهم.