تفسير ” لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ”
{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد:10] جاء التفضيل من عند الله عز وجل لعلمه أن المسلمون قبل الفتح كان إنفاقهم في حال الجهد والقلة والضيق، على عكس المسلمون بعد الفتح ووعدهم جميعًا بالثواب مع التفضيل.
الحديث الذي وردت فيه الآية:
عن أبي سعيد الخدري قال: أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم» قلنا: من هم يا رسول الله؟ قريش؟ فقال: «لا ولكن أهل اليمن لأنهم أرق أفئدة وألين قلوبًا» وأشار بيده إلى اليمن فقال: «هم أهل اليمن ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية» فقلنا يا رسول الله هم خير منا؟ قال: «والذي نفسي بيده لو كان لأحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدى مد أحدكم ولا نصفيه» ثم جمع أصابعه ومد خنصره وقال: «ألا إن هذا فضل الله ما بيننا وبين الناس: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}»
تفسير الآية:
{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ}:
أي لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله وذلك قبل فتح مكة كان الحال شديدًا فلم يكن يومئذ إلا الصديقون وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورًا عظيمًا ودخل الناس في دين الله أفواجًا، ولهذا قال:
{أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}:
والجمهور على أن المراد بالفتح هنا هو فتح مكة وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا: صلح الحديبية، ويستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد: عن أنس قال: كان بين خالد ابن الوليد وبين عبدالرحمن بن عوف كلام فقال خالد لعبدالرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها؟ فبلغنا أن ذلك ذُكر للنبي صل الله عليه وسلم فقال: «ادعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبًا ما بلغتم أعمالهم»
ومعلوم هنا أن إسلام خالد بن الوليد الموجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة، وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة الذي بعث إليهم رسول الله صل الله عليه وسلم خالد بن الوليد بعد الفتح فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم، فخالفه عبدالرحمن بن عوف، وعبدالله بن عمر وغيرهما فاختصم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك.
وجاء في الصحيح عن رسول الله صل الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل احد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه»
{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}:
يعني المنفقين قل الفتح وعده كلهم لهم ثواب على ما عملوا وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}:
أي فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن فعل ذلك بعد ذلك وما ذلك إلا بعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق.