الدين البغيض ومبررات الدول لانتهاجه

بين الحين والآخر تظهر مشكلات وتتفاقم بين الدول والمؤسسات بعضها البعض بسبب ما يطلق عليه الدين البغيض، بسبب رفض الجهة المدانة أن ترده للمدينة لمبررات تراها في فساد من استدانوا تلك القروض.


المقصود بالدين البغيض


الدين البغيض كما عرفه

علماء الاقتصاد

وعلماء القانون الدولي بأنه دين غير شرعي يكون عندما تتعرض دولة ما لدين عام أو دين وطني باسم الدولة ككل، حيث يكون قد اقترضه النظام لأغراض لا تخدم مصالح الأمة، وفي تلك الحالة لا يجوز الوفاء به، والقانون الدولي يعتبر هذه الديون ديونا شخصية للنظام يتحملها هو وليست الدولة ككل، وهو مفهوم يشبه كما في الحياة اليومية بعض العقود الباطلة التي يتم توقيعها تحت الإكراه.


بداية انتشار هذا النوع من الديون


بدأ انتشار الدين البغيض عندما تم وضع قانون في إحدى الدراسات التي كتبها “الكسندر ناحوم ساك” في عام 1927، وهو فقيه قانوني روسي مهاجر، واستند في دراسته على ما حدث في السابق في القرن التاسع عشر عندما تنصلت

المكسيك

من سداد الديون التي اقترضتها حكومة الإمبراطور “ماكسيميليان” وكذلك رفض الولايات المتحدة تحمل مسئولية الدين الكوبي الذي اقترضه حكومة الاستعمار الإسباني.


مبررات انتهاج الدول للدين البغيض


1- من مبررات هذا الدين أنه عندما تكون هناك أحد الأنظمة

الديكتاتورية

الفاسدة المستبدة التي تحكم دولة ما، ثم تقرر منفردة أن توقع عقود دين لا يكون ذلك لتلبية احتياجات أو مصالح الدولة، بل يستخدم لتقوية النظام وقمع الانتفاضات الشعبية ويكون هذا الدين مكروها من كل أفراد شعب الدولة؛ حينها يكون هذا الدين غير ملزم للأمة بل هو دين للنظام فقط لا غير، أي دين شخصي تعاقد عليه الحاكم ليس إلا؛ وبالتالي فإنه يسقط بسقوط النظام.

2- من مبررات انتهاج الدولة لمبدأ الدين البغيض ورفضها تسديده، عندما يتم التعاقد على الديون البغيضة واستخدامها في أغراض يعرف المقترض أنها تخالف احتياجات ومصالح الأمة وليست ملزمة لها، وإفي تلك الحالة لا يرضى الشعب بأن يسدد تلك الديون حتى لو قامت الجهات المقرضة بأعمال عدائية ضد الشعب؛ فلا يمكن أن تتوقع من أمة حررت نفسها من نظام مستبد أن تتحمل هذه الديون البغيضة التي تعتبر ديونًا شخصية للحاكم، و لكن إذا كان هذا الدين في حدود المزايا الحقيقية التي يمكن أن توفرها الديون وتحتاجها الدولة بالفعل فيجب دفعها.

3- وهناك مبرر ثالث عبر عنه مؤخرا الخبير الاقتصادي العالمي “سيما جاياتشاندرن” حيث جدد الاهتمام بهذا الموضوع، وافترض أن فكرة الدين البغيض يمكن أن يتم استخدامها لإيجاد نوع جديد من العقوبات الاقتصادية ومنع الطغاة من أخذ المزيد من القروض إذا علموا أنه سيسدونها من ممتلكاتهم الشخصية.

ولكن الجميع اتفق على أن السبب في عدم ارتباط هذه الديون البغيضة بأراضي الدولة وثرواتها وأنه ملزمة بالوفاء بها، هي أنها لا تحقق ولو شرطا واحدا من الشروط التي تحدد مشروعية الديون الخارجية للدولة.


نماذج انتهاج الدول للدين البغيض


1- في شهر ديسمبر من عام 2008، أعلن رئيس جمهورية الإكوادور “رافائيل كوريا”  أن الديون الوطنية على الإكوادور هي ديون بغيضة وغير شرعية بحجة أن الذي لجأ للتعاقد عليها هو النظام السابق الفاسد والمستبد، وبالفعل نجح في تخفيض الديون قبل مواصلة دفعها.

2- كذلك لجأت “هاييتي” لانتهاج مبدأ الدين البغيض بعد أن تمت الإطاحة برئيسها “جان كلود دوفالييه” وحينها كانت هنالك نداءات بإلغاء ديون هاييتي للمؤسسات المتعددة الأطراف بحجة أنها ديون بغيضة وظالمة ويمكن لهاييتي استخدام هذه الأموال بطريقة أفضل في خدمات التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية الأساسية، وبالفعل في شهر فبراير من عام 2008 صدر قرار إلغاء ديون هاييتي بتأييد 66 عضوًا في مجلس النواب الأمريكي.