تفسير « قل يا أيها الكافرون »
«قل يا أيها الكافرون» براءة من الشرك، عن جبلة بن حارثة –وهو أخو زيد بن حارثة- أن النبي صل الله عليه وسلم قال: «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} حتى تمر بآخرها، فإنها براءة من الشرك»، وجاء فيها أنها سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، ونزلت حينما دعا كفار قريش رسول الله صل الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة.
متى تقرأ سورة الكافرون
قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن فروة بن نوفل عن أبيه، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال له: «هل لك في ربيبة لنا تكفلها؟» قال: أراها زينب، قال: ثم جاء فسأله النبي صل الله عليه وسلم، قال: «ما فعلت الجارية؟» قال: تركتها عند أمها، قال: «فمجئ ما جاء بك؟» قال: جئت لتعلمني شيئًا أقوله عند منامي، قال: «اقرأ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، ثم نم على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك» [تفرد به أحمد].
تفسير سورة الكافرون
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} [سورة الكافرون: 1-6]
{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}
شمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش، وقيل: أنهم من جهلهم دعوا رسول الله صل الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة، وأمر رسوله أن يتبرأ من دينهم بالكلية، فقال:
{لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}:
يعني من الأصنام والأنداد،
{وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}:
وهو الله وحده لا شريك له، وجاءت “ما” هنا بمعنى “من” ثم قال:
{ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}
: أي ولا أعبد عبادتكم، أي: لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنما أعد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه؛ ولهذا قال:
{وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}
أي لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئًا من تلقاء أنفسكم، كما قال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23]، فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه، فإن العابد لابد له من معبود يعبده، وعبادة يسلكها إليه،
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
قال
البخاري
: لكم دينكم: أي الكفر، ولي دين: أي الإسلام، ولم يقل ديني لأن الآيات بالنون فحذف الياء، وقال غيره: لا أعبد ما تعبدون الآن، ولا أجيبكم فيما بقى من عمري، ولا أنتم عابدون ما أعبد.
الكفر ملة واحدة
قد استدل الإمام الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
على أن الكفر ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى وبالعكس؛ إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به، لأن الأديان ما عدا الإسلام كلها كالشيء الواحد في البطلان، وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «لا يتوارث أهل ملتين شتى».