قصة الغرانيق الباطلة
قصة الغرانيق هي إحدى القصص التي وردت في مختصر سيرة الرسول صل الله عليه وسلم، والتي لم ترد مسندة طرق صحيحة وكلها جاءت عن طريق روايات مرسلة ومنقطعات، وقال
ابن كثير
رحمه الله في تفسيره؛ فإنه لما ساق هذه القصة بطرقها قال بعدها: «وكلها مرسلات ومنقطعات» وفيما يلي نتناول رد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة
الشيخ عبدالعزيز ابن باز
حول ما جاء في هذه القصة وبيان صحتها من عدمه.
ما هي قصة الغرانيق ؟
وردت قصة الغرانيق في مختصر سيرة الرسول صل الله عليه وسلم بهذا النص: «ومما وقع أيضًا قصته معهم لما قرأ سورة النجم بحضرتهم، فلما وصل إلى قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} [سورة النجم: 19-20]، ألقى الشيطان في تلاوته : (تالك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى)، وظنوا أن النبي صل الله عليه وسلم قاله، ففرحوا فرحًا شديدًا»، ويقول من أثبت صحة القصة وصحة ما جاء فيها: حتى جاء جبريل وأنكر عليه وأصلح له ما أخطأ فيه وأسف رسول الله أسفًا شديدًا على ما فرط منه.
رأي العلماء في صحة قصة الغرانيق:
– وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره؛ فإنه لما ساق هذه القصة بطرقها قال بعدها: «وكلها مرسلات ومنقطعات».
– قال ابن خزيمة: «إن هذه قصة من وضع الزنادقة».
– استنكرها كل من أبو بكر ابن العربي والقاضي عياض، وآخرون سندًا ومتنًا.
يقول ابن العربي من أن الله تعالى إذا أرسل إذا أرسل الملك إلى رسوله، خلق فيه العلم بأن ما يوحى إليه هو الملك، فلا يمكن أن يلقى الشيطان على لسانه، يلتبس عليه فيتلوه على أنه قرآن، وللإجماع على عصمة
الرسول صل الله عليه وسلم
من الشرك، فيمتنع أن يتكلم بكلمة: (تالك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى)، سهوًا أو ظنًا من أنها قرآنًا، ولأنه يستحيل أن يُؤْثِر الرسول صلة قومه ورضاهم على صلة ربه ورضاه، فيتمنى ألا ينزل الله عليه ما يغضب قومه حرصًا منه على رضاهم.
الرد على من قال بصحة قصة الغرانيق:
بعض العلماء استدلوا على ثبوت صحة قصة الغرانيق بقوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} [الإسراء:73]، يقول ابن العربي: هذه الآية لا تدل على صحة قصة الغرانيق، بل تدل على براءة النبي صل الله عليه وسلم مما نسب إليه من تلاوة هذه الكلمات الشركية، لأنها تفيد النفي لا الإثبات، ولأنها تفيد أن
الشيطان
ألقى في أمنيته، أي: تلاوته، وليس أن الشيطان ألقى على لسانه أو ألقاها في نفسه فتلاها أو قرأها، أو تكلم بها سهوًا أو غلطًا أو قصدًا، حتى جاء جبريل وأنكر عليه وأصلح له ما أخطأ فيه وأسف رسول الله أسفًا شديدًا على ما فرط منه ولم يثبت أن الآية نزلت تسلية للرسول صل الله عليه وسلم فيما أصيب به، مما ذكر في هذه القصة، حتى يكون مساعدًا على تأويلها بما جاء فيها من المنكرات وهو ما وافقه فيه أهل جمهور أهل السنة.
ومما سبق يتبين أن رواية قصة الغرانيق ليست صحيحة، وأنه ليس للشيطان سلطان أن يلقى على لسان النبي صل الله عليه وسلم شيئًا من الباطل فيتلوه أو يتكلم به، وربما ألقى الشيطان قولًا أثناء تلاوة النبي يتكلم به الشيطان ويسمعه الحاضرون، أو يوسوس الشيطان وساوس يلقيها في نفوس الكفار ومرضى القلوب من المنافقين، فيحسبها أولئك أنها من الوحي وليست منه، فيبطل الله ذلك القول الشيطاني، ويزيل الشبه، ويحكم آياته.