تفسير « يد الله فوق أيديهم »
{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10] يوضح لنا سماحة
الشيخ عبد العزيز بن باز
رحمه الله، عن معتقد أهل السنة والجماعة في إثبات صفة اليد لله تبارك وتعالى وغيرها من الصفات التي وصف الله بها نفسه في كتابه العزيز، وإثباتها إثباتًا حقيقيًا على ما يليق بجلال الله سبحانه وتعالى من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.
تفسير {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}:
يقول فضيلة الشيخ بن باز عن أهل السنة والجماعة: نؤمن بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه، ولا نحرف الكلم عن مواضعه، ولا نكيف ولا نمثل صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى.
فكما أن له سبحانه ذاتًا حقيقية لا تشبه ذوات خلقه، فكذلك له صفات حقيقية لا تشبه صفات خلقه، ولا يلزم من إثبات الصفة للخالق سبحانه وتعالى مشابهتها لصفة المخلوق، وهذا هو مذهب سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم ومن سلك سبيلهم إلى يومنا هذا.
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في الكلام عن الصفات:
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله: حكى غير واحد إجماع السلف أن صفات الباري جل وعلا تجري على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها، وذلك أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات يحتذي حذوه ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية.
فنقول: أن لله سبحانه يدًا وعينًا، ولا نقول: أن معنى اليد القدرة ومعنى السمع العلم، ثم استدل رحمه الله على إثبات صفة اليد لله سبحانه وتعالى من القرآن بقول الله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64]، وقال الله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، وقال سبحانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]، وقال تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26].
فالمفهوم من هذا الكلام أن لله تعالى يدين مختصتين به، ذاتيين له كما يليق بجلاله، وأنه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة، وأنه سبحانه يقض الأرض ويطوي السماوات بيده اليمنى، وأضاف رحمه الله أن لفظ اليدين جاء بصيغة التثنية وهو لم يستعمل في النعمة ولا في القدرة، لأن استعمال لفظ الواحد في الإثنين أو الاثنين في الواحد لا أصل له في لغة العرب التي نزل بها القرآن، فقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} لا يجوز أن يراد به القدرة لأن القدرة صفة واحدة ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد، ولا يجوز أن يراد به النعمة؛ لأن نعم الله لا تحصى، فلا يجوز أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية.