الحديث القدسي « أنا عند ظن عبدي بي »

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم: « إن الله عز وجل قال: أنا عند ظن عبدي بي إن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن شرًا فله». [حديث صحيح لغيره]، وفيه الإشارة إلى وجوب حسن الظن بالله لما فيه الخير والسعادة في الدارين، والامتناع عن سوء الظن بالله لما فيه من الشقاء والذل لصاحبه في الدارين.


تفسير  القرطبي “ظن عبدي بي”:


يقول القرطبي أحد علماء الحديث في تفسيره “ظن عبدي بي”: يقصد به ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكًا بصادق وعده، ويؤيده قول رسول الله صل الله عليه وسلم في حديث آخر: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة»، ولذلك ينبغي للمرء ان يجتهد في القيام بما عليه موقنًا بأن الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن، وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة وهو يجر إلى مذهب المرجئة.


ايات الظن بالله

جاءت الكثير الآيات القرآنية في هذا الباب ومنه قوله تعالى في سورة آل عمران: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:154]، وكذلك قوله تعالى في صورة ص: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح:6] وفيه يتحدث رب العزة عن سوء ظن العبد بالله، وقوله تعالى عن الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:118].


حكم من يأس من رحمة الله


، مع الإشارة لغيره من مظاهر سوء الظن بالله:


يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: من قنط من رحمة الله وآيس من روحه أنه ظن بالله ظن السوء، وكذلك من يجيز على الله أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه، فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه يترك خلقه سدى معطلين عن الأمر والنهي، ولا يرسل إليهم رسله ولا ينزل إليهم كتبه فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه لا يجمعهم بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله، وأن أعدائه كانوا هم الصدقين فقد ظن بالله ظن السوء، ومن ظن أنه يضيع عليه عمله الصالح الذي عمله خالصًا لوجهه على امتثال أمره ويبطله عليه بلا سبب من العبد أو انه يعاقبه على فعله سبحانه به، أو ظن أنه يجوز عليه أن يؤيد أعدائه الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياؤه ورسله وانه يحسن منه كل شيء حتى يعذب من أفنى عمره في طاعته أي: كمحمد صل الله عليه وسلم فيخلده في الجحيم أو في أسفل سافلين، ومن استنفذ عمره في عداوته وعداوة رسله ودينه كابي جهل فيرفعه في أعلى عليين فقد ظن بالله ظن السوء.