سبب نزول سورة التوبة
{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)} [سورة التوبة: 1-3]، توضيح سبب نزول سورة التوبة لفضيلة
الشيخ ابن باز
رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، مع ذكر السبب حول عدم بدأ السورة بـ « بسم الله الرحمن الرحيم ».
سبب نزول سورة التوبة :
يوضح سماحة الشيخ ابن باز رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن سورة التوبة أو براءة لم تنزل جملة واحدة، بل نزلت على فترات لعدة أسباب، فنزل أولها حينما عاد رسول الله صل الله عليه وسلم من
غزوة تبوك
وهم بالحج، وذكر له أن المشركين يحضرون عامهم هذا على عادتهم في ذلك، وأنهم يطوفون بالبيت عراة، وكره مخالطتهم، وبعث أبا بكر رضي الله عنه أميرًا على الحج تلك السنة، ليقيم للناس مناسكهم، ويُعلم المشركين ألا يحجوا بعد عامهم هذا وأن ينادي فيهم {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:1]، فلما توجه أبا بكر إلى مكة أتبعه بعلي ابن أبي طالب؛ ليكون مُبلغًا عن رسول الله صل الله عليه وسلم لكونه عصبة له.
لماذا لم تبدأ سورة التوبة بـ « بسم الله الرحمن الرحيم » ؟
يوضح لنا سماحة الشيخ أنه اختلف في سبب عدم بدأ السورة بـ « بسم الله الرحمن الرحيم » مثل بقية السور، ويضيف روى النسائي عن
ابن عباس
رضي الله عنه أنه قال : قلت لعثمان رضي الله عنه : « ما حملكم إلى أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا سطر : « بسم الله الرحمن الرحيم »، ووضعتموها في السبع الطوال فما حملكم على ذلك ؟ قال : عثمان رضي الله عنه : أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الشيء يدعوا بعض من يكتب عنده يقول : « ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا »، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، فكانت قصتها شبيهة بقصتها، فقبض رسول الله صل الله عليه وسلم، ولم يبين لنا أنها منها، وظننت أنها منها، فمِنْ ثَم قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر « بسم الله الرحمن الرحيم » [خرجه أبو عيسى الترمذي وقال : حديث حسن].
وقال عبد الله بن أبي عباس رضي الله عنه : [سألت على بن أبي طالب رضي الله عنه : لما لم يكتب في براءة « بسم الله الرحمن الرحيم » ؟ قال : لأن « بسم الله الرحمن الرحيم » أمان، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان]، وروي معناه عن مبرد، قال : ولذلك لم يجمع بينهما، فإن « بسم الله الرحمن الرحيم » رحمة، وبراءة نزلت سخطًا ومثله عن سفيان، قال سفيان بن عيينة : إنما لم تكتب في صدر هذه السورة « بسم الله الرحمن الرحيم »؛ لأن التسمية رحمة، والرحمة أمان، وهذه السورة نزلت في المنافقين وبالسيف، ولا أمان للمنافقين.
ويضيف سماحة الشيخ أن الصحيح حول ما ذكر عن عدم وجود « بسم الله الرحمن الرحيم » في أول براءة : أن التسمية لم تكتب؛ لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها في هذه السورة، قاله القشيري، وفي تفسير القرطبي ، وتفسير
ابن كثير.