ولادة أول طفل من تقنية الاباء الثلاثة تثير الجدل
” المال والبنون زينة الحياة الدنيا” صدق الله العظيم ولكن الله يرزق من يشاء من عباده، فالبنون هم نعمة من عند الله عز وجل يهبها لمن يشاء من عباده وكذلك يجعل من يشاء عقيما، فهناك الكثير ممن حرمهم الله من نعمة الإنجاب إما لأسباب مرضية أو أسباب يعلمها الله عز وجل، ولكن الطب والتقنيات الحديثة بدأت في التدخل لتصبح أملا كبيرا في الإنجاب مثل عمليات أطفال الأنابيب والحقن المجهري التي ثبتت فاعليتها في النجاح، وكذلك وافق عليها علماء الدين والفقهاء طالما أنها من الزوجين ولا يوجد أي اختلاط أنساب ، ولكن مؤخرا قد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تقنية جديدة أثيرت الجدل هي تقنية الآباء الثلاثة أي ولادة طفل من ثلاثة آباء وهو الأمر الذي آثار الجدل وصاحبه الكثير من الاعتراضات خاصة وأن أول طفل يولد بهذه التقنية هو طفل من أسرة أردنية، فما هي تقنية الآباء الثلاثة؟ وما سبب قيام الأسرة الأردنية بهذا الإجراء؟ وما رأي الشرع؟
ولادة أول طفل بتقنية الآباء الثلاثة
شهد العالم كله أمس ولادة أول طفل بتقنية التخصيب الصناعي المعدلة وراثيا والتي يتم فيها التخصيب من ثلاثة آباء هم الأب والأم وأم أخرى متبرعة، وهي أولى حالات الإنجاب بهذه التقنية والتي تعتبر ثورة طبية للعلاج الجيني الإيحائي والتي قد تم رفضها بالكامل لأنها تعتبر من الخطوط الحمراء في علم الهندسة الوراثية والتي لا يمكن تجاوزها .
فقد ولد هذا الطفل الذي سمي ” إبراهيم” لأم وأب أردنيين في مستشفى بالمكسيك بإشراف فريق طبي من مدينة نيويورك الأميركية وبرئاسة الدكتور جون تشانغ والذي جاء إلى المكسيك لإجراء العملية نظرا لعدم وجود قانون يحظر ذلك ، حيث اضطر الوالدان الاتجاه لعملية التخصيب الثلاثية لأن الأم كانت تعاني من متلازمة لي وهي عبارة عن اضطراب وراثي يعرض حامله لأخطار كثيرة ومتزايدة من الإصابة بمرض السرطان ، وقد أشارت التقارير الطبية التي صرح بها الفريق الطبي القائم بعملية التخصيب بأن الأم الأردنية كانت تعاني من عيوب وراثية في الميتوكوندريا وهي أجزاء صغيرة توجد داخل كل خلية من خلايا الجسم ومتلازمة لي وهو الأمر الأخطر الذي ينتقل وراثيا إلى الأجنة ويتسبب في قتلتهم وهو ما حدث بالفعل مع هذه الأم حيث فقدت اثنين من أبنائها لتعرضهم لهذا المرض وقد أجهضت 4 مرات.
عملية التخصيب الثلاثية ” تقنية الآباء الثلاثة”
عملية التخصيب الثلاثية هي عبارة عن بويضة يتم تشكيلها من الأب والأم بالاستعانة ببويضة سليمة من سيدة ثالثة لأن الأم تعاني من متلازمة اضطراب ثلاثي يؤثر على الجنين قبل أو بعد الولادة ، وفي حالة هذا الطفل الأردني فقد تمت عملية التخصيب باستبدال الحمض النووي الذي يصاحبه اختلال وراثي لدى الأم وإزالة النواة من البويضة ووضعها في بويضة المتبرعة وحقنها بداخل رحم الأم وبعد 9 شهور تمت ولادة الطفل بطريقة طبيعية.
وهذه التقنية تعتبر من وجهة نظر الأطباء المتخصصين في علم الجينات الحل المثالي لتفادي نقل الأمراض الوراثية الخطيرة والتي تنتقل من الأم إلى الجنين، وتتيح هذه التقنية للمولود أن يرث الحمض النووي من ثلاثة آباء بيولوجيين هم الأب والأم والمرأة المتبرعة، وقد أكد العلماء أن أقل 0.1% من جينات الطفل ستأتي من المتبرع في شكل حمض نووي متقدري (الحمض النووي للميتوكوندريا) وجميع الشفرة الوراثية لصفات مثل الشعر ولون العين من الأم والأب. وتشمل أمراض المتقدرات أمراض القلب وفقدان التناسق العضلي والكبد وضمور العضلات، ومن ثم فأن هذه التقنية الجديدة هي التي تضمن سلامة الأجيال من تأثير أي أمراض وراثية من الممكن أن يورثونها وإنجاب أطفال بصحة جيدة.
رأي الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف
كان للدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر رأيا في هذه التقنية المثيرة للجدل لإحدى الصحف الإلكترونية ، أن الإنجاب بهذه التقنية الحديثة قضية مستحدثة ولم يسبق للفقهاء مناقشتها، ولهذا فإن حكم الشرع لا بد أن يكون بعرضها على المجامع الفقهية التي تضم فقهاء وأطباء يقومون بمناقشة القضية بمختلف تفاصيلها حتى يتم الوصول الى الحكم الشرعي السليم، الذي يستند بشكل أساسي على ما يشرحه الأطباء لتفاصيل العلاج الطبي الجديد باعتبارهم أهل التخصص الذي أمرنا الله تعالى بسؤالهم في القضايا الطبية التي لا نعلم تفاصيلها الدقيقة في قوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (آية 43 سورة النحل)، وقد وأشار أبو طالب إلى أن “القضية شائكة ويتداخل فيها الحلال والحرام، فالحلال هو تحقيق رغبة الوالدين في التداوي والإنجاب تنفيذاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ”. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”.وتابع: “أما الجانب الحرام فهو وجود طرف ثالث في الإنجاب وهو المتبرع ولو بنسبة ضئيلة جداً، مما يعني أن عملية الإنجاب ثلاثية وليست ثنائية من أب وأم وهذا أمر عليه محاذير شرعية”.
وأوضح الدكتور أن القضية ذات أوجه عديدة ويختلط فيها الحلال بالحرام ولهذا يجب عرضها على المجامع الفقهية لإصدار فتوى بناء على اجتهاد فقهي جماعي مستند إلى شرح طبي لتكون الفتوى فيها بالحلال باعتبار أنها ضرورة قصوى والضرورات تبيح المحظورات، إلا أن دخول طرف ثالث بأي شكل أمر مرفوض شرعاً محافظة على نقاء الأنساب تماماً وعدم السماح بأي تداخل ولو بنسبة صغيرة جداً”،وقد وأنهى عضو الأزهر توضيحه، مؤكداً أنه “طالما هناك شبهة شرعية فإنني أرى تجنبها”، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الْحَلالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ”. وقوله كذلك “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”، وختم قائلاً: “مع احترامنا الشديد لمشاعر الأمومة والأبوة وجهود الأطباء، ومع هذا فالرأي النهائي يكون من خلال الاجتهاد الجماعي للمجامع الفقهية”.
نهاية
لا يمكن إنكار مدى تقدم الطب واستخدام التقنيات الحديثة في إنقاذ الكثير من الأمهات اللاتي حلمن بالأمومة، ولكن يجب قبل إجراء أي من هذه العمليات استشارة أهل الدين فهم لديهم الخبرة الكبيرة بهذا الأمر وعليهم عاتق كبير بأن يجتهدوا لمناقشة هذا الأمر الذي أرى من وجهة نظري أنه غير مقبول شرعا نظرا لاختلاط الأنساب وهو أمر واضح ولا يحتاج إلى مناقشة أو جدال.