حكم السلطان سليم سليمان القانوني
عندما بدأ العثمانيون صعودهم الصاروخي في أوائل عام 1300 ، كانت مجموعة صغيرة من المحاربين على حافة العالم الإسلامي ، ومن البدايات المتواضعة تحت قيادة الغازي عثمان ، مؤسس الدولة التي تحمل اسمه ، حيث أنها توسعت في جميع أنحاء المنطقة ، والتي تعد بمثابة الحدود بين أوروبا وآسيا ، حيث وقعت أراضي السكان المسيحيين وكذلك المسلمين تحت سيطرتهم ، لأنها جلبت الاستقرار إلى المناطق البيزنطية والسلاجقة سابقا ، التي أصبحت تحت سيطرة السلاطين مثل : بايزيد الأول ، ومحمد الثاني ، وسليم الأول ، ونمت
الامبراطورية العثمانية
لتكون واحدة من القوى الكبرى في العالم .
وقد وصلت إلي ذروتها في عهد السلطان سليمان ، وذلك ، خلال فترة حكمه من “1520-1566” ، وكان العثمانيون بوضوح القوة الأكثر نفوذا في أوروبا والشرق الأوسط ، ويعتبر حكمه بمثابة العصر الذهبي للدوله العثمانية و
التاريخ الإسلامي
، وحتى اعترف غير المسلمين بمجد الإمبراطورية العثمانية ، كما كان يلقب بسليمان “القانوني” ، في حين كان بين المسلمين يعرف قانونى – “المشرع” ، وعلى الرغم من بعد وقته ، بدأ زوال الإمبراطورية العثمانية ، وقوة وسلطة العثمانيين في منتصف عام 1500 ، وهذا يعني ان الامر سيستغرق أكثر من 300 سنة من مرحلة الانخفاض قبل انتهاء الإمبراطورية ، في عام 1922 .
العهد المبكر والفتوحات :
كان السلطان سليم الأول والد السلطان سليمان ، ولكن قد تغير المشهد كثيرا في الإمبراطورية العثمانية ، عندما أصبحت تحت إدارته في عام 1510م ، وسعت الدولة العثمانية لتشمل معظم أنحاء العالم العربي ، والتي تشمل أراضي من شمال أفريقيا في الغرب إلى شبه الجزيرة العربية ، إلى حدود بلاد فارس في الشرق و بالاستحواذ على الأراضي جاء لقب الخليفة ، من العالم الإسلامي ، وذلك منذ تدمير المغول لبغداد عام 1258م ، حيث عاش الخلفاء
العباسيين
في القاهرة ، تحت حماية سلطنة المماليك ، على الرغم من أن العنوان نفسه ليس لديه سلطة ، وكانت الخلافة مجرد منصب شرفي ، تحت قيادة سليم ، وعادت الخلافة مرة أخرى والسلطة السياسية الحقيقية ، عندما ورث سليمان هذه الإمبراطورية الإسلامية في عام 1520 ، عن عمر يناهز 26 سنه ، وهو صاحب الترتيب الأول من الأعمال ، وسلطان الدولة العثمانية وخليفة المسلمين في العالم الإسلامي ، حيث أزال العديد من التهديدات التي لا يزال يعاني منها العالم العثماني ، وذلك كان من شأنه ضمان جبروت الإمبراطورية العثمانية والمعترف بها من قبل الجميع ، ولا أحد يعتقد أنها سوف تعود من جديد ، للسلطان الشاب .
وكان التهديد الرئيسي من البرية-قلعة بلغراد ، الذي ينتمي إلى مملكة المجر ، حيث ان المجريين كانوا الخصم الشمالي الرئيسي للعثمانيين منذ أوائل عام 1400م ، وبلغراد ظلت تشكل تهديدا للممتلكات العثمانية في المنطقة ، وعلى الفور تقريبا بعد تولي سليمان العرش ، تم تجميع جيشا ووجهه لبلغراد في عام 1521 ، وبعد القصف الوجيز ، أصبحت المدينة تحت السيطرة العثمانية ، والتحدي المجري إلى الأراضي الشمالية العثمانية تقلص إلى حد كبير .
وكانت المشكلة القادمة لسليمان هي التعامل مع جزيرة رودس ، في البحر الأبيض المتوسط ، التي قد تم احتلالها من قبل فرسان المشفى منذ أوائل عام 1300م ، مع بقايا الحروب الصليبية . وبسبب الموقف الحيوي في قلب البحر الأبيض المتوسط الذي يسيطر عليه العثمانيين ، ولكن كان فرسان رودس قادرين على تعطيل التجارة بانتظام داخل الإمبراطورية ، وكانت سفن السفر القادمه من مصر إلى الأناضول ضعيفة خصوصا بسبب هجمات رودس ، حيث أدت هذه المضايقات بأن أتخذ سليمان القرار بإزالة المشفى وفرسان رودس في عام 1522م .
وأستطاع سليمان تجميع أكثر من 100،000 جندي والبحرية الضخمة التي ورثها عن السلطان سليم للقيام بهذه المهمة ، وقاد بنفسه حصار رودس ، الذي استمر في الفترة من يونيو إلى ديسمبر في عام 1522 م ، وفي نهاية المطاف ، كان الفرسان قادرين على الصمود ، وعلى الرغم من تحصيناتهم الواسعة سلموا ، وبعد إزالة التهديد من رودس ، دعي سليمان الفرسان للانتقال إلى إيطاليا ، وبذلك أضاف رودس إلى الإمبراطورية العثمانية .
نكسة فيينا :
بعد زوال التهديد المجري من الشمال ، قررت أسرة هابسبورغ من النمسا لدفع مطالبتها بتاج المجر ، ثم توسعت هابسبيرس بالخروج من فيينا باتجاه المجر لأخذ بودا من العثمانيين ، جنبا إلى جنب مع السيطرة على معظم الأراضي المجرية حيث قاتلوا سليمان وكان من الصعب جدا الحصول على بلغراد في عام 1521 ، ولهذا كان رد فعل سليمان الذي دفعه في عام 1529 م ، لمحاولة التقاط فيينا .
ولكن التقاليد الأوروبية منذ العصور الوسطى كانت تلك الجيوش المنصوص عليها في فصل الربيع ، والكفاح طوال فصل الصيف ، ومن ثم يتقاعد والعودة إلى عواصمهم قبل بدء فصل الشتاء .
وهذا يعني أنهم لن يتقدموا للقتال في فصل الشتاء الأوروبي المرير ، بسبب تعرض الجنود لخطر الفقدان في درجات الحرارة المنخفضة . وبالتالي في هذا التقليد العملي ، تم تعيين السلطان سليمان خارج اسطنبول في شهر مايو عام 1529 ، والذي يهدف الى فيينا ، وللأسف تعرض الجيش العثماني ، لأمطار الصيف بشكل غير عادي ، وتعثرت مسيرتهم باستمرار ، حتي ذهب الصيف ، حيث كان العديد من قطع المدفعية يمكن التخلي عنها على طول الطريق بسبب الظروف السيئة .
ونتيجة لسوء الاحوال الجوية ، وصل العثمانيين عند أسوار فيينا في أواخر سبتمبر ، قرب نهاية موسم القتال ، وانتهى الحصار علي أن يكون ناجح نسبيا ، وحصل العثمانيين على وثيقة لاحتلال المدينة ، ولكن بعد أسبوعين من بداية الحصار ، طالبت الإنكشارية بالخروج من فيينا والعوده الى اسطنبول قبل فصل الشتاء النمساوي البارد ، واضطر سليمان الى الرضوخ لمطالبهم و تم رفع الحصار ، وباءت محاولتهم لطرد هابسبورغ بالفشل ، وانتهت فيينا ، ولكن تم الاحتفال للوصول الى أقصى حد من الإمبراطورية العثمانية ، كما أنها لم تكن قادرة على توسيع الماضي ، بعد 230 عاما من النمو ، الذي وصلت إليه .
الإصلاحات الإدارية :
ويبدو أن التركيز في عهد السلطان سليمان كان في التوسع العسكري ، ولذلك ، قامت الحملات العسكرية الكبيرة في السنواته العشر الأولى من عهد سليمان ، وبعد هذا ، كان التركيز في حكمه علي الإصلاحات الإدارية والعمل على تعزيز الشؤون الداخلية للإمبراطورية .
ولعل أعظم إنجاز لسليمان وواحداً منها هو الإصلاح للمدونة القانونية . وكان الرمز القانوني العثماني له وجهين : فكان أوله من الشريعة الإسلامية ، حيث تتغير القوانين إلهيا وفقا للتقاليد الإسلامية ، التي هي مستمدة من القرآن وأفعال النبي محمد ﷺ .
وكان ثاني القوانين التي يمليها السلطان في ذلك الوقت ، والمعروفة باسم Kanuns .
وهذه القوانين مغطاة بجانب من جوانب الحياة التي لا تغطيها صراحة من قبل الشريعة الإسلامية ، مثل الضرائب ، وتنظيم الشرطة ، واليوم الآخر إلى الشؤون اليومية للإمبراطورية .
وخلال العهود للتسعة سلاطين السابقة ، من عثمان إلى سليم ، ومئات من Kanuns تراكمت ، ومدونة قانونية ، وللحصول عليها يكون من المستحيل تقريبا استخدامها ، و لهذا السبب ، عمد سليمان إلى تنظيم كل القوانين التي صدرت سابقا . وقال انه يعمل شخصيا مع المفتي العام في الإمبراطورية ، وشيخ الإسلام ، أبو السعود أفندي ، للذهاب من خلال جميع هذه القوانين ، وتحديد ما إذا كانت تتعارض مع الشريعة الإسلامية أو غيرها من Kanuns .
وعن طريق إزالة أي من القوانين ، والقوانين التي تتكرر أو تتناقض مع بعضها البعض ، أو المعادية للإسلام ، تمكن سليمان وأبو السعود أفندي من صياغة القواعد الفعالة والمبسطة من القوانين ، والمعروفة باسم Kanun ط عثماني ” القوانين العثمانية ” التي كانت الإمبراطورية العثمانية تطبقها خلال 300 سنة ، ولهذا ، منح سليمان لقب قانونى ، بمعنى “المشرع ” .
وكانت الضرائب أيضا نقطة لمصلحة سليمان ، في Kanun ، حيث حرص على تخفيف الضرائب على العديد من رعاياه ، وخاصة الفلاحين المسيحيين ، حيث كان الكثير من سكان الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت مسيحيين ، وكان لابد من الحفاظ على ولائهم له ، فأعطي سليمان الأولوية باعفائهم من بعض الضرائب ، ولذا الوضع المالي للفلاحين المسيحيين في الامبراطورية تحسن كثيرا .
وفي الواقع ، منذ أن كانت الضرائب على المسيحيين في الامبراطورية العثمانية المسلمه أقل من الضرائب على المسيحيين في أوروبا المسيحية ، هاجر العديد من الأوروبيين المسيحيين إلي الإمبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان ، حيث يفضل أن يعيش في ظل القائد المسلم من تلك المسيحية .
الإرث :
يعتبر السلطان سليمان واحدا من السلاطين العثمانيين الأكثر نجاحا في التاريخ ، وقد تميزت فترة حكمه التي كتبها بالحد الأقصى للحجم الإقليمي للإمبراطورية ، مع تطبيق وسن قوانين عادلة ومنظمة ، وكان العصر الثقافي والتعليمي الذهبي .
ومن آثار الرعاية الفنية لسليمان في اسطنبول الذي نشاهده اليوم ، هو بناء جامع شاه زاده والسليمانية علي يد المعمار سنان بناء على طلب من السلطان سليمان في اسطنبول ، واليوم يقفون علي الموروثات الدائمة في عصره الذهبي على إنها أكبر وأقوى إمبراطورية إسلامية في القرن ال16 .