أفضل ما قيل عن الأب

الأب هو صاحب القلب الكبير والصدر الحنون، فهو السند والظهر ولا يمكن أن يقدر الإنسان على فراق الأب ، فمهما كبر الإنسان يتعلق أكثر بحنان الأب ، فهو القدوة الحسنة وهو النور الذي يضئ حياة كل أسرة لأنه أصل الإصلاح، ومهما كانت الكلمات فإنها لا تصف مدى الحب لكل منا تجاه الأب فمنه نتعلم حب الحياة، لذلك أبدع الشعراء العرب في وصف الحب في حياته ومماته لتبين مدى دور الأب في حياتنا، ومن هنا نقدم أفضل ما قيل عن الأب من قصائد وأشعار على مر الزمان.


أحمد شوقي


سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟ . . . . ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ

أَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم! . . . . أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟

يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ . . . . كلُّ نفس للمنايا فرضُ عَيْنْ

هلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى . . . . ونَعى الناعون خيرَ الثقلين

غاية ُ المرءِ وإن طالَ المدى . . . . آخذٌ يأخذه بالأصغرين

وطبيبٌ يتولى عاجزاً . . . . نافضاً من طبَّه خفيْ حنين

إنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ . . . . أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ

تنفذ الجوَّ على عقبانه . . . . وتلاقي الليثَ بين الجبلين

وتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته . . . . وتنال الببَّغا في المئتين

أنا منْ مات، ومنْ مات أنا . . . . لقي الموتَ كلانا مرتين

نحن كنا مهجة ً في بدنٍ . . . . ثم صِرْنا مُهجة ً في بَدَنَيْن

ثم عدنا مهجة في بدنٍ . . . . ثم نُلقى جُثَّة ً في كَفَنَيْن

ثم نَحيا في عليٍّ بعدَنا . . . . وبه نُبْعَثُ أُولى البَعْثتين

انظر الكونَ وقلْ في وصفه . . . . قل: هما الرحمة ُ في مَرْحَمتين

فقدا الجنة َ في إيجادنا . . . . ونَعمْنا منهما في جَنّتين

وهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا . . . . وهما الصّفحُ لنا مُسْتَرْضَيَيْن

ليتَ شعري أيُّ حيٍّ لم يدن . . . . بالذي دَانا به مُبتدِئَيْن؟

ما أَبِي إلاَّ أَخٌ فارَقْتُه . . . . وأَماتَ الرُّسْلَ إلاَّ الوالدين

طالما قمنا إلى مائدة ٍ . . . . كانت الكسرة ُ فيها كسرتين

وشربنا من إناءٍ واحدٍ . . . . وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدين

وتمشَّيْنا يَدي في يدِه . . . . من رآنا قال عنّا: أخوين

نظرَ الدهرُ إلينا نظرة . . . . سَوَّت الشرَّ فكانت نظرتين

يا أبي والموتُ كأسٌ مرة . . . . لا تذوقُ النفسُ منها مرتين

كيف كانت ساعة ٌ قضيتها . . . . كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَيْن؟

أَشرِبْتَ الموت فيها جُرعة . . . . أَم شرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين؟

لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أَو بُكاً . . . . جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عين

أنت قد علمتني تركَ الأسى . . . . كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن

ليت شعري: هل لنا أن نتلقي مَرّة . . . . ، أَم ذا افتراقُ المَلَوَين؟

وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى . . . . أَنلقَى حُفرة ً أَم حُفْرتين؟


الميداني

فيا عَجباً لمن ربيتُ طِفْلاً . . . . أُلَقِّمُه بأطرافِ البنانِ

أُعَلِّمُه الرمايةَ كُلَّ يومٍ . . . . فلما اشْتَدَّ ساعدُه رماني

أُعَلِّمُه الفتوةَ كل وقتٍ . . . . فلما طرَّ شاربُه جفاني

وكم عَلَّمْتُهُ نَظْمَ القَوافِي . . . . فلما قالَ قافيةً هجاني


ايليا ابو ماضي


طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى . . . . عني وذا بعضها الثاني يفيض به جفني

أبي! خانني فيك الرّدى فتقوضت . . . . مقاصير أحلامي كبيت من التّين

وكانت رياضي حاليات ضواحكا . . . . فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني


محمد أبو العلا


وَأَصْبَحْتَ طَيْفَاً بَعيدَ المَزارْ

وأُقْصِيتَ عَنَّا

فَلَمَّا فَقَدْناكَ ذاكَ النَّهارْ

وجُرِّدْتَ مِنَّا

أتينا إليْكْ

بَكَيْنا عَلَيْكْ

فَقَدْ كُنْتَ فينا كعصْفورِ أيْكْ

بِحُبٍ تَغَنَّى

وقَدْ كُنْتَ فينا مع الحُلْمِ حُلْمَاً

معَ العُمْرِ عُمْرَاً

معَ اللَّيْلِ بَدْراً بهِ قَدْ فُتِنَّا

وَأَصْبَحْتَ طَيْفَاً بَعيدَ المَزارْ


أبو القاسم الشابي


ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي ومشاعري عمياء بأحزانِ-

أني سأظمأُ للحياة ِ، وأحتسي مِنْ نهْرها المتوهِّجِ النّشوانِ

وأعودُ للدُّنيا بقلبٍ خَافقٍ للحبِّ، والأفراحِ، والألحانِ

ولكلِّ ما في الكونِ من صُوَرِ المنى وغرائبِ الأهُواء والأشجانِ

حتى تحرّكتِ السّنون، وأقبلتْ فتنُ الحياة ِ بسِحرِها الفنَّانِ

فإذا أنا ما زلتُ طفِْلاً، مُولَعاً بتعقُّبِ الأضواءِ والألوانِ


جاسم الصحيح


أبي تعالَ.. ويجري من (تعالَ) دمُ

كأنَّما الجرحُ في قلبِ الحروفِ طَرِي

بَردُ الغيابِ تغشَّاني، فمعذرةً

إذا تَدَفَّأتُ بالأطيافِ والصُّوَرِ

بكى السريرُ الذي ما كنتَ تَأنَسُهُ

حتى أغطِّيكَ بالآياتِ والسُّوَرِ

بكى السريرُ وقد حَنَّتْ قوائمُهُ

مثلي، إلى أصلِها المقطوعِ من شجرِ

من قبل موتكَ أعوامي مؤجَّلةً

واليومَ أقفزُ للخمسين من عُمُري

مَنْ ذا سيمسحُ رأسي بعدما انْقَدَحَتْ

فيه السنين، وطاشَ الرأسُ بالشَّررِ؟

كم انحنيتَ على مهدي تُمَسِّدُهُ

مثل انحناءةِ عَزَّافٍ على وَتَرِ!

وكمْ رددتَ غطائي حين بَعثَرَهُ

رُعبُ الكوابيسِ في إغفاءةِ السَّحَرِ!

روحُ الأُبُوَّةِ تحمينا من الكِبَرِ

ما مِنْ أبٍ فائضٍ عن حاجةِ البَشَرِ

بكى السريرُ وقد حَنَّتْ قوائمُهُ

مثلي ، إلى أصلِها المقطوعِ من شجرِ

وأقسمُ بالقبر الذي أنفرطتْ

فيه عظامكَ من إكسيرهاالنَّضِرِ

روحُ إنتمائي لهذي الأرض ماأكتملتْ

حتى زرعُتكَ بين الطين والمدرِ

آباؤنا يالأفعالٍ مضارعةٍ

مرفوعةٍ بالضنا والكدّ والسهر

هم يحملون الليالي عن كواهلنا

فيكبرون ونبقى نحن في الصغر


أبو العلاء المعري


وأعط أباك النصف حيا وميتا

وفضل عليه من كرامتها الأما

أقلك خفا إذا أقلتك مثقلا

وأرضعت الحولين واحتلمت تما

وألقتك عن جهد وألقاك لذة

وضمت وشمت مثلما ضم أو شما

جنى أب ابنا غرضا إن عق فهو على جرم يكافيه

تحمل عن أبيك الثقل يوما

فإن الشيخ قد ضعفت قواه أتى بك

عن قضاء لم ترده وآثر أن تفوز بما حوا