كيف به والزمان يهرب به – الشاعر البحتري
كيف به والزمان يهرب به – الشاعر البحتري
كَيْفَ بِهِ، وَالزّمانُ يَهْرُبُ بِهْ،
ماضِي شَبابٍ، أغذَذتُ في طلَبِهْ
مُقترِبُ العَهْدِ، إنْ أرُمْهُ أجِدْ
مَسافَةَ النّجمِ، دونَ مُقترَبِهْ
يَرْفَضُّ عَن ساطعِ المَشيبِ كما ارْ
فَضّ دُخانُ الضّرَامِ عَن لَهَبِهْ
قد دأبَ العاذِلُ اللّجوجُ، فلَمْ
أُصِغْ لفَرْطِ الإكْثارِ من دَأَبِهْ
إن كان صدق الحديث يحزنني
فعاطني ما يسر من كذبه
دامَجْتُهُ القَوْلَ في مُعَاتَبَةٍ،
أهْرُبُ مِنْ صِدْقِهِ إلى كَذِبِهْ
رأيكَ في قَارِبٍ يُرِيدُكَ أنْ
تَنْصُرَ أحْشَاءَهُ عَلى قُرُبِهْ
صَبٌّ تُداوِيهِ مِنْ صَبَابَتِهِ،
أوْ وَصِبٌ تَفْتَديهِ مِنْ وَصَبِهْ
وَقَدْ يُرِيني الحَبيبُ مُبْتَسَماً،
يُرْوَى غَليلُ الهَيمانِ عَنْ شَنَبِهْ
بَرْدُ رُضابٍ، إذا تَرَشّفَهُ المَتْـ
ـبُولُ خَالَ الضّرِيبَ في ضَرَبِهْ
أضِيعُ في مَعْشَرٍ، وَكَمْ بَلَدٍ
يُعَدُّ عُودُ الكِبَاءِ مِنْ حَطَبِهْ
لَنْ يَنْصُرَ المَجدَ حَقَّ نُصرَتِهِ
إلاّ المَكينُ المَكانِ من رُتَبِهْ
يُخْدَعُ عَنْ عِرْضِهِ البَخِيلُ، وَلا
يُخدَعُ، وَهْوَ الغَبِيُّ، عَنْ نَشَبِهْ
أوْثَقُ مَنْ تَصْطَفي عُرَاهُ، فإنْ
حَلّ بَعيداً، شروااكَ في حَسَبِهْ
لا يُصرَمُ المُحدَثُ الكَهَامُ، وإنْ
أخْلَصَهُ الهالِكيُّ مِنْ جَرَبِهْ
نَنْسَى أيادي الزّمانِ فينَا، فَمَا
نَذْكُرُ مِنْ دَهْرِنا سِوَى نُوَبِهْ
هَلاّ شَكَرْنا، الأيّامَ، جُودَ أبي
عِيسَى، وَمَا قَد أرَتْهُ من عَجَبِهْ
يَبْتَدِرُ الرّاغِبُونَ، مِنْ يَدِهِ،
َوقائعَ الغَيْثِ غِبَّ مُنْسَكَبِهْ
يَغْشَوْنَ جَمّاتِهَا، كأنّهُمُ
نُزّاعُ جَوٍّ يَسنُونَ مِنْ قُلُبِهْ
كأنّما يَفْصِلُونَ مِنْ فَلَقِ الحَرّ
ةِ ما يَفْصِلُونَ مِنْ ذَهَبِهْ
تُبرَمُ في جِدّهِ الأُمُورُ، وَقَدْ
تَتْوَى رِقَابُ الأمْوَالِ في لَعِبِهْ
والحَمْدُ لا يَكْتَسِيهِ غَيرُ فتًى،
يَنْزِعُ فيهِ الخَطيرُ مِنْ سَلَبِهْ
أسْرِعْ عُلُوّاً في المَكْرُمَاتِ، كَمَا
أسرَعَ فَيضُ الأتيِّ في صَبَبِهْ
يُنْزِلُ أهْلَ الآدابِ مَنْزِلَةَ الـ
أكْفَاءِ، إنْ شارَكُوهُ في أدَبِهْ
لمْ يَزْهُهُ فيْهُمُ، وَهُمْ سُوَقٌ
في العَيْنِ، وَطْءُ الملوكِ في عَقِبِهْ
غَيْرُ المُضِيعِ النّاسِي وَلا الوَكَلُ الـ
ـمُحُيلُ في عِلْمِهِ عَلى كُتُبِهْ
إحَاطَةٌ بالصَّوَابِ تُؤمَنُ مِنْ
لَجاجِهِ في المَحَالِ، أوْ شَغَبِهْ
لا يَهْضِمُ العُجْمُ مِنْ خُؤولَتِهِ
تَمَايُلاً للعمُومِ مِنْ عَرَبِهْ
تَزْدادُ أُكْرومَةً أُبُوّتُهُ،
إذا اعْتَزَى شاهِداً إلى غَيَبِهْ
وَخَيْرُ ساداتِكَ الأكابِرِ مَنْ
يَرْفَعُهُ الإرْتِفَاع في نَسَبِهْ
جَمَعْتُ شَمْلي إلَيْهِ، مُتّخِذاً
مِنْ طُنُبي قُرْبَةً إلى طُنُبِهْ
وقد كفى نفسه التقدم من
كفته أم الطريق من شهبه
يَصُونُ مِنْهُ الحِجابُ مَنظَرَةً،
تَبْدو بُدُوَّ الهِلالِ مِنْ حُجُبِهْ
وقد تفوت الرائين غرته
أعراس ليث العرين في أشبه
لا نُعْدَمُ الطَّوْلَ في رِضَاهِ، وَلا
نَخافُ حَيْفَ الغُلُوّ من غَضَبِهْ
جَنّبَكَ الله ما تُحاذِرُ مِنْ
أبْداءِ صَرفِ الزّمانِ، أوْ عُقَبِهْ
أبَعْدَ إعْطَائِكَ الجَزِيلِ وإيمَا
نِ مُرَجٍّ مِنْ سُوءِ مُنْقَلَبِهْ
أبْغِي شَفيعاً إليْكَ، أوْ سَبَباً
عِنْدَكَ في النّاسِ أسْتَزِيدُكَ بهْ
والظُّلْمُ أنْ يَبْتَغي الفَتى سَبَباً
يَجْعَلُهُ وَصْلَةً إلى سَبَبِهْ