حادثة عقلة الصقور و تكريم منقذ المعلمات
على الطرقات مِن الممكن أن تُحصد أرواح البشر بالجملة، حيث تتزايد الحوادث المرورية بشكل رهيب، قد لا يمر يوماً بدون أن تقرأ في صحيفة عن حادث وقع هُنا، أو هناك، أو تشاهد مقطعاً على يوتيوب يوثق حادثاً أخر، وعندما تتصفح المواقع الالكترونية إلا وبصرك لا بد، وأن يلمح خبر عن حادث سير ما. فهناك إحصائية تقول أن ما يقارب ثلاث مئة ألف حادث سير تقع سنوياً في المملكة، وأن 30% مِن أسرة المستشفيات يشغلها ضحايا حوادث المرور، ومعدل الوفيات الناتج عن تِلك الحوادث في اليوم تُقدر بـ17حالة تقريباً بمعنى شخص كُل 40 دقيقة، وتِلك الأرقام مُعرضة للزيادة أو النقصان مع مرور السنوات. لكن المهم هُنا أن حوادث الطرق هي مِن أبشع الحوادث، وأكثرها حصداً للأرواح في أوقات قصيرة، ومن ينجو مِنها فقد كتب الله له حياة جديدة.
هنا سنستعرض حادثة مرورية وقعت يوم الأحد السادس مِن شهر ديسمبر الجاري، وهي (تصادم مركبتين وجهاً لوجه، ثم احتراقهما)، نتج عنها وفاة سائقين، أحدهما مُعَلِّم(سائق المركبة الأولى)، والآخر سائق المركبة الثانية، والتي كانت تُقل مُعلمات، وذلك أثناء توجهن إلى مدارسهن صباحاً، وكان هذا الحادث قد وقع على طريق القصيم – المدينة المنورة السريع بالقرب مِن مخرج محافظة عقلة الصقور.
شجاعة صنيتان والعمري تتسببان في إنقاذ المعلمات
كان الشاب عبد المنعم بن صنيتان وهو(23سنة) طالب جامعي بكلية الآداب والعلوم بعقلة والصقور أول من تواجد على أرض الحادث، بعد إنقلاب السيارة التي تُقل المعلمات، وكانت النار المشتعلة في السيارة في بدايتها فقام الصنيتان بإنقاذ المعلمة الأولى، ثم أنتقل للثانية بمساعدة المارة، هُنا قد حضر المعلم الشاب الآخر عبد العزيز سالم العمري الحربي، والذي كان وقتها متوجهاً إلى عمله في مدرسة ثانوية الفوارة، ثم بدأت النار تلتهم السيارة، وأثناء توقفه سمع أنين المعلمات داخل السيارة، حيث ولكثافة الدخان لم يستطع الواقفون إنقاذهم، فقام العمري على الفور بكسر الزجاج الخلفي للسيارة، وصعد للداخل، فأمسك بالثانية وسحبها للخارج بمساعدة الشباب، ثم أمسك بالثالثة، وحاول سحبها، وبسبب وجود قدمها بين ركام الحديد صعب الأمر قليلاً لكنه عاود المحاولة، وأستطاع إخراجها، وفي نفس الوقت سمع باستغاثة الرابعة قائلة”تكفى لا تخليني”، والتي كانت موجودة بين المراتب، والدخان الكثيف قد ملأ المكان، فخرج تنفس بعض الهواء النقي، ثم عاد سريعاً وقام بإنقاذها والنار كانت تقترب بشكل سريع مِنهم، والخامسة تم إنقاذها بمعجزة. وبعد أن قام بإنقاذ المعلمات توجه نحو السائق وتأكد أنه قد توفي، ثم توجه للسيارة الأخرى وكشف عن وجه سائقها فوجده أعز أصدقائه، وإذا بِه هو الأخر قد توفي حيث أنه لم يتمالك نفسه من هول الفاجعة ثم ترك المكان وغادر حزيناً على فقد العزيز، وعلى ما حل بالمصابات. وقاما الاثنين بشجاعتهم بإنقاذ الخمس معلمات، قبل أن تشتعل النار بشكل كامل في السيارة المُنقلبة.
بيان هيئة الهلال الأحمر بالقصيم
صرح المتحدث باسم هيئة الهلال الأحمر في القصيم محمد الجعيثن، في بيان صحافي وضح بِه بعض النقاط التي تخص الحادث حيث قال:”إن غرفة العمليات تلقت بلاغاً من الدفاع المدني عن الحادثة، وتم توجيه 4 فرق إسعاف إلى الموقع من مراكز إسعاف عقلة الصقور، والبتراء، ورياض الخبراء، والنقرة، مع توجيه الإسعاف الجوي إلى الموقع، وتجهيز موقع مناسب للهبوط الآمن”.
كما أضاف: “أفاد البلاغ بداية بوجود 7 إصابات خطرة، وعند وصول الفرق الإسعافية، والإسعاف الجوي وجد في الموقع 5 حالات متوسطة الخطورة، وحالتي وفاة. وتم نقل حالتين متوسطتي الخطورة من طريق الإسعاف الجوي إلى مستشفى الملك سعود في عنيزة، ونقلت ثلاث حالات بعد التنسيق مع طوارئ الصحة، إلى مستشفى عقلة الصقور العام، بعد تقديم الخدمة الإسعافية اللازمة لهم في الموقع”.
المعلمتين اللتين نُقلتا عن طريق الإسعاف الجوي إلى مستشفى الملك سعود في محافظة عنيزة هما(بدرية الغفيلي، وتراجي الجميل)، كما تم نقل المعلمتين (حنان الشارخ، ومزنة الحربي) إلى مستشفى الرس العام. وبقيت المعلمة(تهاني الحربي) تحت الملاحظة في مستشفى العقلة العام.
النعي
هذا وقد نعى المدير العام لتعليم القصيم عبد الله الركيان ومنسوبو ومنسوبات إدارته كافة يوم الأحد، المعلم (بدر الحربي) بعد تعرضه و5 من المعلمات وسائقهم لتِلك الحادثة. وقالت الإدارة في بيان صحافي: “تعرض المعلم الحربي رحمه الله إلى حادثة مرورية، حين تصادمت مركبته مع مركبة تقل 5 معلمات، جميعهن يتبعن مكتب التعليم في محافظة عقلة الصقور، وتوفي على إثرها المعلم الموفد إيفاداً داخلياً إلى جامعة القصيم، وسائق المعلمات (رحمهما الله)، وأصيبت المعلمات الخمس، وتم نقلهن إلى مستشفيات المنطقة عبر الإخلاء الطبي وسيارات الإسعاف”.
وقد تابع الركيان الحادثة بالتواصل مع مدير مكتب التعليم بمحافظة العقلة سعد الغرابي، و قام بتقديم واجب العزاء في المتوفيين، وقام بالاطمئنان على صحة المعلمات، ومحاولة تقديم ما يمكن تقديمه للتخفيف عن مصاب المعلمات وذويهم.
تكريم المُنقذان
الأول الطالب الجامعي (عبدالمنعم صنيتان) تم إهدائه ناقة ثمينة، وخيل عربي أصيل.
و أشاد بِالمُعلم الثاني (عبدالعزيز العمري) وزير التعليم عزام الدخيل عبر صفحته الرسمية على تويتر قائلاً:”بارك الله فيك يا إبني، أحيك على هذا العمل”.
كما وجه مدير عام التعليم بمنطقة القصيم عبدالله بن إبراهيم الركيان بتكريم العمري، بسبب عمله البطولي في إنقاذ المعلمات مِن الاحتجاز، والموت داخل السيارة، و قبل أن تتفحم. كما ساهمت الخطوط الجوية السعودية في تكريم المعلم بمنحه تذاكر سفر له، ولمُرافق لأي وجهة يختارها داخلياً، أو خليجياً تقديراً له.