فيلم ” أين تغزو المرة القادمة ” ” Where to Invade Next “

تغطي أجواء كثيفة من الغموض فيلم “أين تغزو المرة القادمة”، و هو أول فيلم يقدمه مخرج الأفلام الوثائقية صاحب الأسلوب المحرض والمشوق والمحفز للعقل “مايكل مور” بعد ست سنوات.

وهنا يُطرح السؤال عن ما إذا كان هذا الفيلم يستحق المشاهدة أم لا؟ في السطور القادمة يقدم لنا الناقد “أوين غليبرمان” رأيه في هذا الموضوع.

يمكن أن نقول إننا نرى مايكل مور، بطابعه الفوضوي العجيب، و كأنه مصارع؛ دب رمادي محاط بالأعداء، يطارد بسخريته الأغنياء وأصحاب السلطة والقوة، ممن يختبئ كل منهم بعرين يتخذ شكل مكتب عصري.

و يكون مور في هذا الوقت مُسلحاً بما “يبصقه” في وجوه هؤلاء من ألاعيب لفظية دقيقة ذات طابع قاس، و إحصائيات تحمل في طياتها إدانة لهم و ذم لسلوكهم، أو ربما القليل من التشويه لكل ما يوجد في الولايات المتحدة من سيئات.

لكن هذا المصارع المخضرم، الذي يخرج من فمه اللهيب و القادم من واقع تلك الحكايات التي تدور حول من هم يعشقون القتال بشكل مسرحي، يتقدم في السن؛ إذ أصبح الآن في الحادية و الستين من عمره. و لذا بدأ ذلك الرجل يوطد صلة أوثق مع ما يوجد بداخله من روح شاب قريب لأولئك “الهيبيز” الذين عرفوا خلال القرن الماضي.

و يعني الاسم الذي اختاره هذا المخرج لأحدث أفلامه الوثائقية؛ “أين تغزو المرة القادمة”، و الذي قدم في عرض في افتتاح الدورة الحالية لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي، بأن مور يتعرض لهجوم من خلال المحاولات التي بذلتها الولايات المتحدة الامريكية بعد هجمات 11 من سبتمبر للاضطلاع بمركز شرطي العالم.

لكن اسم الفيلم مضلل، فالفيلم ليس معزوفة متنوعة المقامات للنزعة الاحتلالية العسكرية. فالانتقالات الرئيسية على ساحة هذا العمل ليست سوى تنقلات مور نفسه، الذي “يغزو” أكثر من عشر دول في أوروبا و إسكندنافيا و شمال أفريقيا؛ بلدا بعد الآخر.

و يهدف المخرج لأن يتعرف خلال هذه “الغزوات” على أمثلة توضح الكيفية التي يتحكم بها في الأمور في تلك الدول، لكي يتمكن من “الاستحواذ” على الأفكار التي تتبع في هذا الإطار و تطبيقها في الولايات المتحدة الامريكية. تتشكل رسالة مور من فكرة أن المواطنين الأمريكيين يعيشون حياتهم و كل واحد يأخذ بخناق الآخر.

و تتماسك الكثير من هذه الأفكار بالسياسات الحكومية في البلدان التي “يغزوها” مور؛ مثل العطلات مدفوعة الأجر التي يعتمدها القانون في إيطاليا، و إسباغ حق المشروعية على تناول بعض أنواع المخدرات في البرتغال. و لكن مور يعتمد في واقع الموضوع على طابع ثقافي أكثر من كونه سياسيا.

و وفق الفيلم، ترتكز السبل التي تُدار بها الأمور في تلك البلدان إلى عقد اجتماعي أساسه الإيمان بأن هدف وجودنا جنبا إلى جنب هو حماية مصالح بعضنا البعض. و يقول مايكل مور إن الولايات المتحدة تعودت في الماضي التفكير على هذه الطريقة أيضا، و لكن ذلك لم يبقى قائما حاليا، و ذلك لأن ما ينعته المخرج بأيادي الشفقة و التعاطف أصبحت مُكبلة بقيود من الجشع و البيروقراطية.

و تتبلور رسالة مور في أن المواطنين الأمريكيين أضحوا الآن يخضعون لنظام اجتماعي، وضعه رؤسائهم و شكلتّه تقاليدهم و ساعد فيه ربما شيء ما باق في أعماق قلوبهم، يجعلهم يعيشون حياتهم حيث أن كل منهم يأخذ بخناق الآخر تقريبا.


film where to invade next



طريقة أفضل للعيش؟



و يمثل موضوع الفيلم وأفكاره كذلك، موضوع و بنية فيلم وثائقي عرض سنة 2007 عن موضوع الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، و سمي بــ “سايكو”، و هو العمل الذي يمكن اعتباره بأنه الأروع على الإطلاق في سلسلة مور.

ففي إطار أحداث “سيكو”؛ و بينما كان مخرجه يمشي في البلدان التي تملك فيها رعاية صحية تقدمها الدولة، كان بوسع المتفرج أن يجادل أو يغالط في بعض الأحيان بشأن تفاصيل ما يظهره مور، لكن الموضوع الأساسي للفيلم ظل يدور حول الأهداف الكامنة وراء تلك السياسات؛ التي هي السعي لتوفير خدمات الرعاية الصحية للكل المجتمع.


le realisateur Michael Moore