قصة بطولة الشهيد عبد القادر الحسيني
عبد القادر الحسيني
، مناضل فلسطينيي ولد في عام 1908 واستشهد في عام 1948 ، اشتهر في بطولته التي خاضها في معركة القسطل ضد الصهاينة ، فأصبح رمزا للنضال والشجاعة .
نشأته :
ولد عبد القادر موسى كاظم الحسيني في مدينة القدس أثناء الدولة العثمانية ، فقد والدته بعد أن أتم العام والنصف ، لديه من الإخوة أربعة ومن الأخوات ثلاثة ، تربوا في كنف جدتهم من أمهم حيث أنهم فقدوها بعد ولادة عبدالقادر الحسيني بعام ونصف ، والده هو موسى كاظم الحسيني الذي كان من أشهر المشايخ المجاهدين خلال حكم الدولة العثمانية ، وقد شغل العديد من المناصب المرموقة في تلك الفترة ، وكان كثير التنقل مابين اليمن والعراق واسطنبول ونجد وفلسطين ، فحصل على لقب باشا .
بعد انهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية ألأولى ، أصبحت فلسطين تحت سيطرة بريطانيا ، فكان والده من الأوائل الذين عارضوا الانتداب الفلسطيني ودعوا إلى التظاهرات والاحتجاجات ضد وعد بلفور ، فشارك في العديد من التظاهرات إلى أن استشهد برصاص الإنجليز في عام 1934 .
درس عبدالقادر الحسيني القرآن الكريم في إحدى زوايا القدس ، والتحق بمدرسة روضة المعارف الابتدائية وبعد ذلك انتقل إلى مدرسة صهيون الإنجليزية إلى أن أتم دراسته الثانوية ، ثم التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت كلية الآداب والعلوم إلا أنه طرد من الجامعة بسبب نشاطاته الوطنية ورفضه للحركة التبشيرية في الجامعة ، فالتحق بالجامعة الأمريكية في القاهرة قسم الكيمياء ، وفي تلك الفترة لم يفصح عن ميوله السياسية ونشاطاته ضد سياسة الجامعة إلى أن أخذ الشهادة ، وفي يوم التخرج أعلن عن رأيه بالجامعة وما تثبه من أفكار تسمم عقول الطلاب وطالب بإغلاقها من قبل الحكومة المصرية ، فما كان من الجامعة إلا أن تسحب منه الشهادة ، وأثار هذا الفعل غضب رابطة أعضاء الطلبة التي كان يرأسها الحسيني وأقيمت تظاهرة كبيرة آنذاك وطرد من مصر عائدا إلى القدس في عام 1932 ومعه شهادته الجامعية .
رحلة الكفاح والنضال :
بدأت رحلة عبدالقادر الحسيني الجهادية بعد عودته من القدس ، حيث حاولات الجهات البريطانية لضمه إليها من خلال المناصب المرموقة التي تعرضها عليه ، إلا أن إيمانه بالحرية والاستقلال كان أكبر بكثير من إغراءات البريطانيين ، فقرر خوض رحلة الجهاد بعد استشهاد عز الدين القسام في عام 1936 ، فسلك دربه في النضال وبدأ بتدريب الشباب الفلسطيني ونظم وحدات مسلحة للدفاع عن أرض الوطن ، فكانت له أول عملية ضد الاحتلال البريطاني ، حيث ألقى قنبلة على منزل السكرتير العام لحكومة فلسطين ، ثم قنبلة أخرى على المندوب السامي البريطاني ، وبعد ذلك قام بعملية اغتيال للميجور سكرست وهو مدير بوليس القدس ومساعده .
خاض معركة الخضر الشهيرة التي أدت إلى إصابته إصابة بالغة في عام 1939 ، فنقله أصدقائه إلى المستشفى الإنجليزي في الخليل ، ثم نقل إلى سوريا ولبنان وصولا إلى العراق ، وعمل هناك مدرس رياضيات في مدرسة عسكرية ، وكان من المؤيدين لثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق سنة 1941 ، وكان يشارك في القتال ضد القوات البريطانية ، مما أدى إلى اعتقاله لمدة ثلاث سنوات ، وتم الإفراج عنه في عام 1943 بتدخل من الملك عبدالعزيز آل سعود ، فأقام في السعودية لمدة عامين .
وفي عام 1946 انتقل مرة أخرى إلى مصر للمعالجة ، ولكنه أيضا أعدة خطة للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي ، فنظم عمليات للتدريب وقام بتسليح المقاومين كما أنشأ معكسر سري مع قوى وطنية مصرية وليبية ، كما قام بتدريب عناصر مصرية شاركت في حملة المتطوعين بحرب فلسطين وحرب القناة ضد الاحتلال البريطاني .
وبمساعدة المشايخ والزعماء في فلسطين وبتمويل من مفتي فلسطين أمين الحسيني سهلت عليه الأمور فأنشأ محطة لا سلكية في مقر القيادة ببيرزيت ، فعمل وصلة اتصالات سرية لنقل المعلومات ، وجند فريقا للمخابرات يقوم بجمع المعلومات والبيانات عن إسرائيل .
بعد قرار التقسيم في عام 1947 ، ترأس قيادة قطاع القدس للحد من الزحف اليهودي إلى الأراضي الفلسطينية ، وقام بالعديد من العمليات الهجومية على المستوطنين في محيط القدس مثل معركة مقر القيادة العسكرية اليهودية في سانهدريا ، والهجوم على مقر ميقور حاييم ، وانتصاره في معركة صوريف في عام 1948 التي أودت بـ 50 يهودي ، واستولى على أسلحتهم ، كما خاض معركة بيت سوريك ومعركة رام الله ، ومعركة النبي صموئيل ، وقام بعملية هجومية على مستعمرة النيفي يعقوب وخاض معركة بيت لحم الأكبرى .
استشهاده :
ذهب عبدالقادر الحسيني إلى دمشق في عام 1948 ليلتقي بقادة اللجنة العسكرية الفلسطينية التابعة لجامعة الدول العربية ، وقد طالبت منه اللجنة العسكرية بعدم التصرف بشكل فردي حيال القضية لأن الجامعة قد أوكلت قضية فلسطيني إلى لجنة عربية عسكرية عليا ، وطالبوه بعدم الذهاب إلى منطقة القسطل . فرد عليهم قائلا ” إنني ذاهب إلى القسطل وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي ، والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحب إلي من نفسي من هذه المعاملة التي تعاملنا بها الجامعة ، إنني أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى اليهود يحتلون فلسطين ، إن رجال الجامعة والقيادة يخونون فلسطين ” ، فلم تستجيب له القيادة العسكرية لجامعة الدول العربية وقررت الانتظار إلى 15 مايو لمد الحسيني بالسلاح والعاد ، وما كان منه إلا رد قائلا ” والله يا باشا إذا ترددتم وتقاعستم عن العمل فإنكم ستحتاجون بعد 15 مايو إلى عشرة أضعاف ما أطلبه منكم الآن ، ومع ذلك فإنكم لن تتمكنوا من هؤلاء اليهود ، إني أشهد الله على ما أقول ، وأحملكم سلفا مسؤولية ضياع القدس ويافا وحيفا وطبرية ، وأقسام أخرى من فلسطين “.
وبالفعل عاد إلى القدس فور علمه ببدء معركة القسطل وذهب إلى ساحة المعركة محملا بنصف كيس من الرصاص ، وبدأ بمراسلة المتطوعين في كل من فلسطين ومصر ، واستنجد بالقيادة العسكرية مشيرا إلى أنه إذا تكاتفوا معا سينتهي الكابوس الصهيوني ، إلا أن القيادة العسكرية لم تستجيب لندائه فرد بمقولته الشهيرة ” نحن أحق بالسلام المخزن في المزابل ، إن التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين ، وإنني سأموت في القسطل قبل أن ارى تقصيركم وتواطؤكم ” .
فأعد الحسيني عتاده واقتحم قرية الأسطل مع رفاقه المجاهدين ، فطالت نيران الصهاينة أجسادهم بمن فيهم عبدالقادر السحيني ، ولكنهم انتصروا في المعركة بعد ثلاث ساعات فقط استطاعوا طرد اليهود من المنطقة .
وفي يوم 8/4/1948 ، استشهد عبدالقادر الحسيني بإصابات الغدر الصهيونية في قرية الأسطل ونقل رفاته إلى القدس بجانب والده ، وكان يبلغ من العمر أربعين عاما . وأقيمت له جنازة كبيرة حضرها الملايين من الشعب الفلسطيني وبالمقابل ارتكب الصهاينة مجزرة أخرى في قرية دير ياسين .