يجانبنا في الحب من لا نجانبه – الشاعر البحتري
يُجانِبُنَا في الحُبّ مَنْ لا نُجَانِبُهْ،
وَيَبْعَدُ مِنّا في الهَوَى مَنْ نُقَارِبُهْ
وَلاَ بُدّ مِنْ وَاشٍ يُتَاحُ على النّوَى،
وَقَدْ تَجلُبُ الشيءَ البَعيدَ جَوالِبُهْ
أفي كلّ يَوْمٍ كاشحٌ مُتَكَلِّفٌ،
يَصُبُّ عَلَينا، أوْ رَقيبٌ نُرَاقِبُهْ
عَنَا المُسْتَهَامَ شَجْوُهُ وَتَطَارُبُهْ،
وَغَالَبَهُ مِنْ حُبّ عَلْوَةَ غَالِبُهْ
وأصْبَحَ لا وَصْلُ الحَبيبِ مُيَسَّراً
لَدَيْهِ، وَلاَ دارُ الحَبيبِ تُصَاقِبُهْ
مُقِيمٌ بأرْضٍ قَدْ أبَنّ مُعَرِّجاً
عَلَيْهَا، وَفي أرْضٍ سِوَاهَا مآرِبُهْ
سَقَى السّفحَ من بَطْياسَ فالجيرَةِ التي
تَلي السّفحَ، وَسميٌّ، دِرَاكٌ سَحَائبُهْ
فَكَمْ لَيلَةٍ قَدْ بِتّها ثَمّ نَاعِماً،
بعَيْنَيْ عَليلِ الطّرْفِ بِيضٍ تَرَائِبُهْ
مَتَى يَبدُ يَرْجِعْ للمُفِيقِ خَيَالُهُ،
وَيَرْتَجِعِ الوَجْدَ المُبَرِّحَ وَاهِبُهْ
وَلَمْ أنْسَهُ، إذْ قَامَ ثَانيَ جِيدِهِ
إليّ، وإذْ مالَتْ عليّ ذَوَائِبُهْ
عِنَاقٌ، يَهُدُّ الصّبرَ وَشكُ انقِضَائِهِ،
وَيُذكي الجَوَى أو يسكبَ الدّمعَ ساكبُه
ألا هَلْ أتَاهَا أنّ مُظْلِمَةَ الدّجَى
تَجَلّتْ، وأنّ العَيشَ سُهّلَ جانِبُهْ
وأنّا رَدَدْنا المُستَعَارَ مُذَمَّماً
على أهْلِهِ، واستَأنَفَ الحَقَّ صَاحبُهْ
عَجِبتُ لهَذا الدّهرِ أعْيَتْ صُرُوفُهُ،
وَمَا الدّهرُ إلاّ صَرْفُهُ، وَعَجَائِبُهْ
مَتَى أمّلَ الدّيّاكُ أنْ تُصْطَفَى لَهُ
عُرَى التّاجِ، أوْ تُثْنى عَلَيهِ عَصَائِبُهْ
فكَيفَ ادّعَى حَقَّ الخِلاَفَةِ غَاصِبٌ
حَوَى دونَهُ إرْثَ النّبيّ أقَارِبُهْ
بكَى المِنْبَرُ الشّرْقِيُّ إذْ حاذ فَوْقَهُ،
على النّاسِ، ثَوْرٌ قَد تَدَلّتْ غَبَاغِبُهْ
ثَقِيلٌ على جَنْبِ الثّرِيدِ، مُرَاقِبٌ
لشَخْصِ الخِوَانِ يبتدي، فيُواثِبُهْ
إذا ما احتَشَى من حاضرِ الزّادِ لم يُبَلْ
أضَاءَ شِهَابُ المُلْكِ أوْ كَلَّ ثَاقِبُهْ
إذا بَكَرَ الفَرّاشُ يَنْثُو حَديثَهُ،
تَضَاءَلَ مُطْرِيهِ، وأطنَبَ عائِبُهْ
تَخَطّى إلى الأمْرِ الذي لَيسَ أهْلَهُ،
فَطَوْراً يُنَازِيهِ وَطَوْراً يُشَاغِبُهْ
فَكَيْفَ رأيْتَ الحَقّ قَرّ قَرَارُهُ،
وَكَيْفَ رأيتَ الظّلمَ آلَتْ عَوَاقِبُهْ
ولم يكن المغتر بالله إذ سرى
ليعجز والمعتز بالله طالبه
رمى بالقضيب عنوة وهو صاغر
وعرى من برد النبي مناكبه
وقد سرني إن قيل وجه مسرعاً
إلى الشرق تحدى سفنه وركائبه
إلي كسكر خلف الدجاج ولم تكن
لتنشب إلا في الدجاج مخالبه
له شبه من تاجويه مبين
ينازعه أخلاقه ويجاذبه
وما لحية القصار حين تنفشت
بجالبة خير على من يناسبه
يجوز ابن خلاد على الشعر عنده
ويضحى شجاع وهو للجهل كاتبه
فأقسمت بالبيت الحرام ومن حوت
أباطحه من محرم وأخاشبه
لَقَدْ حَمَلَ المُعْتَزُّ أُمّةَ أحمَدٍ
على سَنَنٍ يَسرِي إلى الحَقّ لاحبُهْ
تَدارَكَ دينَ الله، مِنْ بَعدِ ما عَفَتْ
مَعَالِمُهُ فينَا، وَغَارَتْ كَواكِبُهْ
وَضَمّ شَعاعَ المُلْكِ، حتّى تَجَمّعَتْ
مَشَارِقُهُ مَوْفُورَةً، وَمَغَارِبُهْ
إمَامُ هُدًى يُرْجَى وَيُرْهَبُ عَدْلُهُ،
وَيَصْدُقُ رَاجِيهِ الظّنُونَ وَرَاهِبُهْ
مُدَبِّرُ الدُنيَا أمْسَكَتْ يَقَظَاتُهُ
بآفَاقِهَا القُصْوَى، وَمَا طَرّ شَارِبُهْ
فَكَيْفَ، وَقَدْ ثَابَتْ إلَيْهِ أنَاتُهُ،
وَرَاضَتْ صِعَابَ الحَادِثَاتِ تَجَارِبُهْ
وأبيَضَ مِنْ آلِ النّبيّ، إذا احتَبَى
لساعَةِ عَفْوٍ، فالنّفُوسُ مَوَاهِبُهْ
تَغَمّدَ بالصّفحِ الذُّنُوبَ وأسجَحَتْ
سَجاياهُ في أعدائِهِ وَضَرَائِبُهْ
نَضا السّيفَ حتّى انقادَ مَن كانَ آبياً،
فَلَمّا استَقَرّ الحَقُّ شِيمَتْ مَضَارِبُهْ
وَمَا زَالَ مَصْبُوباً على مَنْ يُطيعُهُ
بفَضْلٍ، وَمَنْصُوراً على مَنْ يُحَارِبُهْ
إذا حَصَلَتْ عُلْيا قُرَيْشٍ تَنَاصَرتْ
مآثِرُهُ في فَخْرِهِمْ، وَمَنَاقِبُهْ
لَهُ مَنْصِبٌ فيهِمْ مَكِينٌ مَكَانُهُ،
وَحَقٌّ عَلَيْهِمْ لَيسَ يُدفَعُ واجِبُهْ
بكَ اشتدّ عظمُ الملكِ فيهمْ فأصْبَحَتْ
تَقِرُّ رَوَاسِيهِ، وَتَعْلُو مَرَاتِبُهْ
وَقَدْ عَلِمُوا أنّ الخِلاَفَةَ لمْ تَكُنْ
لتَصْحَبَ إلاّ مَذْهَباً أنْتَ ذاهِبُهْ