أرسوم دار أم سطور كتاب – الشاعر البحتري
أرُسُومُ دَارٍ أمْ سُطُورُ كتابِ،
دَرَسَتْ بَشَاشَتُها مَعَ الأحْقَابِ
يَجْتَازُ زَائِرُهَا، بغَيْرِ لُبَانَةٍ،
وَيُرَدُّ سَائِلُهَا بغَيْرِ جَوَابِ
وَلَرُبّمَا كَانَ الزّمَانُ مُحَبَّباً
فِينَا، بِمَنْ فيهِ مِنَ الأحْبَابِ
أيّامَ رَوْضُ العَيشِ أخضَرُ، والهَوَى
تِرْبٌ لأُدْمِ ظِبَائِهَا الأتْرَابِ
بِيضٌ كَوَاعِبُ يَشْتَبِهْنَ غَرَارَةً،
وَيَبِنّ عَنْ نَشوَى الجُفُونِ كَعابِ
تَرْنُو، فَتَنْقَلِبُ القُلُوبُ لِلَحْظهَا
مَرْضَى السُّلُوّ، صَحَائحَ الأوْصَابِ
رَفَعَتْ منَ السِّجفِ المُنيفِ، وَسلّمتْ
بأناملٍ، فيهنّ دَرْسُ خِضَابِ
وَتَعَجّبَتْ مِنْ لَوْعَتي، فَتَبَسّمَتْ
عَنْ وَاضِحَاتٍ، لَوْ لُثِمْنَ، عِذابِ
لَوْ تُسعِفِينَ، وما سألْتُ مَشَقّةً،
لَعَدَلْتِ حَرَّ هَوًى ببَرْدِ رُضَابِ
وَلَئِنْ شَكَوْتُ ظَمَايَ، إنّكِ لَلّتي
قِدْماً جَعَلْتِ منَ السّرَابِ شَرَابي
وَعَتِبْتُ مِنْ حُبّيكِ، حتّى إنّني
أخشَى مَلاَمَكِ، إنْ أبُثّكِ ما بي
وَلَقَدْ عَلِمتُ، وللمُحِبّ جَهَالَةٌ،
أنّ الصِّبَا بَعدَ المَشِيبِ تَصَابِ
وأمَا لَوَ انّ الغَدْرَ يَجمُلُ في الهَوَى،
لَسَلَوْتُ عَنْكِ، وَفيَّ بعضُ شَبابي
لا تَغلُ في شمسِ بنِ أكْلَبَ، إنّها
ظُفْري فَرَيْتُ بها العَدُوّ، وَنَابي
وَدَعِ الخُطوبَ، فإنّهُ يَكْفيكَهَا،
مِنْ حَيْثُ وَاجَهَها، أبو الخَطّابِ
خِرْقٌ، إذا بَلَغَ الزّمانُ فِنَاءَهُ،
نَكَصَتْ عَوَاقِبُهُ عَلى الأعْقَابِ
نَصَرَ السَّماحَ على التّلادِ، وَلَم يَقِفْ
دونَ المَكَارِمِ وِقْفَةَ المُرْتَابِ
لَيسَ السّحابُ ببالغٍ فيهِ الرِّضَا،
فأقُولَ إنّ نَداهُ صَوْبُ سَحَابِ
وَلَئِنْ طَلَبْتُ شَبِيهَهُ، إنّي إذاً
لَمُكَلِّفٌ طَلَبَ المَحَالِ رِكَابي
صَاحَبْتُ مِنْهُ شَبيهَهُ، إنّي إذاً
لَمُكَلِّفٌ طَلَبَ المَحَالِ رِكابي
واختَرْتُهُ عَضْبَ المَهَزّ، وَلَمْ أكنْ
أتَقَلّدُ السّيْفَ الكَهَامَ النّابي
وُصِلَتْ بَنُو عِمْرَانَ، يَوْمَ فَخارِه،
بِمَنَاقِبٍ، طائِيّةِ الأنْسَابِ
قَوْمٌ يضِيمُونَ الجِبَالَ، وَقد رَسَتْ
أعْلاَمُهَا، برَجَاحهِ الألْبَابِ
سَحَبُوا حَوَاشِي الأتْحَميّ، وإنّما
وَشْيُ البُرُودِ على أُسُودِ الغَابِ
نَزَلُوا مِنَ الجَبَلَينِ، حيثُ تَعَلّقتْ
غُرُّ السّحَائِبِ من رُبًى، وَهِضَابِ
مُتَمَسّكينَ بأوّلِيّةِ سُؤدَدٍ،
وَبمَنْصِبٍ، في أسْوَدَانَ، لُبابِ
يَستَحْدِثُونَ مَكَارِماً قَدْ أحسَرُوا
فيهَا نُفُوسَهُمُ مِنَ الأتْعَابِ
وكأنّما سَبَقُوا إلى قِدَمِ العُلا
في القُرْبِ، أوْ غَلَبُوا على الأحْسابِ
ألْقَوْ إلى الحَسَنِ الأُمُورَ، وأصْحَبوا
لُمَباعِدٍ، عِنْدَ الدّنيَةِ، آبِ
يَغْدُو، وأُبُّهَةُ المُلُوكِ تُرِيكَهُ
مُسْتَعْلِياً، وَجَلاَلَةُ الكُتّابِ
فاتَ الرّجَالَ، وفي الرّجَالِ تَفاوُتٌ،
بخَصَائِصِ الأخْلاقِ والآدابِ
فَكَأنّما البَحْرُ استَجَاشَ يَمينَهُ،
فَقَضَى بهَا أرَباً مِنَ الآرَابِ
وَالمَكْرُمَاتُ مَوَاهِبٌ مَمْنُوعَةٌ،
إلاّ مِنَ المُتَكَرِّمِ الوَهّابِ
بكَ، يَا أبَا الخَطّابِ، أُسهِلَ مَطلَبي،
وأضَاءَ في ظُلَمِ الخُطُوبِ شِهَابي
وَلَئِنْ تَوَلّتْني يَداكَ بِنَائِلٍ
جَزلٍ، وأمرَعَ مِنْ نَداكَ جَنَابي
فأنَا ابنُ عَمِّكَ، والمَوَدّةُ بَيْنَنَا،
ثُمّ القَوَافي سائِرُ الأنْسَابِ