قد كان طيفك مرة يغرى بي – الشاعر البحتري
قَدْ كَانَ طَيْفُكِ مَرّةً يُغرَى بي،
يَعتَادُ رَكْبي طارِقاً، وَرِكَابي
فالآنَ، ما يَزْدارُ غَيرَ مَغَبّةٍ،
وَمنَ الصّدُودِ زِيَارَةُ الإغْبَابِ
جِئْنَا نُحَيّي مِنْ أثِيلَةَ مَنْزِلاً
جُدُداً مَعَالِمُهُ، بذي الأنْصَابِ
أدّى إليّ العَهْدَ مِنْ عِرْفَانِهِ
حتّى لَكَادَ يَرُدُّ رَجْعَ جَوَابي
سَدِكُ النّساءِ بنا مَلامَةُ عانس
نَلحي على غَزَلٍ، وَصَدِّ كَعابِ
مازَالَ صَرْفُ الدّهرِ يوكسُ صَفقَتي
حتّى رَهَنتُ على المَشِيبِ شَبابي
أفَحَظَّ نَفسِي ظِلتُ أُنْقِصُ أُمْ عَلى
نَفسي، غَدَاتَئِذٍ، غَدَوْتُ أُحابي
وَعَذَلتَني أنْ أدْرَكَتني صَبْوَةٌ
خَلُصَتْ إلى داودَ المِحرَابِ
وَمُلَوَّمٍ في الحبّ قلتُ، وأرْسَلَتْ
عَيْنَاهُ وَاكِفَ أدْمُعٍ أسْرَابِ:
لوْ كنتَ تُؤثِرُ بالصّبَابَةِ أهْلَها،
لَتَرَكتَ ما بكَ من جَوَاكَ لِما بي
مَنْ مُخبِرِي بابنِ المُدَبِّرِ والوَغى
تُزْجِي أوَاخِرَ قَسطَلٍ مُنجابِ
غَضْبَانَ تُجلى، عَن وَقائِعِ سَيفِهِ،
عَكَرَاتُ حُمسٍ في الجديدِ غِضَابِ
خِرْقٌ تَغَيّبَ ناصرُوهُ، وأُحضرَتْ
أعداؤهُ، واليَوْمُ يَوْمُ غِلاَبِ
آساهُ نِصْلُ السّيفِ، لا صَدرُ الفتى
حَرِجاً، ولا صَدرُ الحُسامِ بِنَابِ
لَوْ أنّهُ استامَ النّجَاةَ لنَفْسِهِ،
وَجَدَ النّجاةَ رَخيصَةَ الأسْبَابِ
لَوْ أسْعَدَتْهُ خَيْلُهُ لَتَتَابَعَتْ
آلافُ قَتْلى بَذّةِ الأسْلابِ
إنّ المُشَيَّعَ لا يُبِيرُ عَدُوَّهُ،
حتّى يَكُونَ مُشَيَّعَ الأصْحَابِ
نَصَبَتْ جَبينَكَ للسّيُوفِ حَفيظةٌ
جرت علَيكَ نَفَاسَةَ الهُرّابِ
وأبَيْتَ إعْطَاءَ الديّنيَةِ دونَهُمْ،
إنّ الأبيّ لأنْ يُعَيَّرَ آبِ
وَمُبينَةٍ شَهَرَ المَنَازِلَ وَسْمُهَا،
والخَيلُ تكبو في العَجاجِ الكابي
كانتْ بوَجهكَ دونَ عِرْضِكَ إذا رأوْا
أنّ الوُجُوهَ تُصانُ بالأحسابِ
وَلئن أُسرْتَ فما الإسارُ على امرِىءٍ،
نَصَرَ الإسَارَ على الفِرَارِ، بِعابِ
لَوْ كانَ غيرُكَ كان مُنخزِلَ القوَى
عَمّا مضى بكَ، ضَيّقَ التِلبابِ
نامَ المُضَلِّلُ عن سُراكَ وَلم يَخفْ
سِنَةَ الرّقيبِ، وَنَشوَةَ البَوّابِ
وَرَأى بأنّ البابَ مَذهبُكَ الذي
يُخشَى، وَهَمُّكَ كانَ غَيرَ البابِ
فرَكِبْتَها هَوْلاً، متى تُخْبِرْ بها
يَقُلِ الجَبَانُ: أتَيتَ غَيرَ صَوَابِ
ما رَاعَهُمْ إلاّ امترَاقُكَ مُصْلَتاً
منْ مِثلِ بُرْدِ الأرْقَمِ المُنْسَابِ
تَحمي أُغَيْلَمَةً، وطائشَةُ الخُطَى
تَصِلُ التّلَفّتَ خَشيَةَ الطّلاّبِ
تَرْتَاعُ من وَهَلٍ، وتأنَسُ أن تَرَى
قَمَراً يَنُوءُ ببَاتِكٍ قَضّابِ
شَهِدَتْهُ يَوْمَ الهِندُوانِ ولم تكن،
لتبيعه باليوم في دولاب
ورأت جلاد محبب لم تخزه
يَوْماً، مَواقِفُهُ لدَى الأحبابِ
قد كانَ يَوْمُ ندًى بطَوْلكَ راهنٌ
حتّى أضَفْتَ إلَيْهِ يَوْمَ ضِرَابِ
ذِكْرٌ من البأسِ استَعَرْتَ إلى الذي
أُعطيتَ في الأخلاقِ، والآدابِ
وَجَديدُ شُغْلٍ للقَوَافي زَائِدٍ،
فيمَا ابتَغيْتَ لها مِنَ الإسْهَابِ
وَفَرِيضَةٌ أنْتَ استَنَنْتَ بَديئَها،
لَوْلاكَ ما كُتبَتْ على الكُتّابِ