مدينة عين مليلة
مدينة عين مليلة
مدينة عين مليلة هي إحدى المدن الجزائريّة التابعة لولاية (أم البواقي) في الجهة الشرقيّة من الجزائر، وتبعد المدينة عن قسنطينة حوالي تسعٍ وأربعين كيلومتراً باتّجاه الجنوب، وتبعد عن مدينة باتنة حوالي تسعٍ وستين كيلومتراً، وتبعد عن العاصمة الجزائر حوالي أربعمئةٍ وخمسين كيلومتراً.
نبذة تاريخية
إنّ التاريخ المدوّن عن المدينة ناتجٌ عن الذاكرة الجماعيّة المتناقل عبر الأجيال، وليس عن طريق كتب ومراجع، ولهذا يصعب الحديث عن أحداث تاريخيّة دقيقة، أو معرفة التاريخ الصحيح والدقيق لتلك المدينة.
جلّ ما عرف عن المدينة من تاريخ، كان شفويّاً رواه شيوخ المدينة الذين ذهب معظمهم وبقي القليل منهم، ومن أغلب وأرجح تلك الروايات المنقولة عنهم تلك التي تقول بأنّ تاريخ المدينة يعود إلى أزمنةٍ غابرة، لكن لم يتمّ العثور على وثائق تؤكّد هذا الأمر، حيث إنّ المدينة كانت في الماضي نقطة استراحة تتوقّف بها قبائل البدو الرحل، كما أنّها كانت مكان إقامة للتجار والحجاج المتجهين إلى بلاد الشام وعودتهم منها في طريقم إلى باقي بلاد المغرب الأقصى، وكان يقام بها سوقٌ في فصل الخريف من كل عام، بعد جفاف البحيرات المالحة التي كانت تنشر بكثرةٍ في الماضي هناك، الأمر الذي جعل الأمازيغ يطلقون عليها اسم (تامليلت) بلغتهم، والتي تعني الأرض المالحة البيضاء، بقي سوق الخريف يقام في المدينة حتى جاء إليها الانتداب الفرنسي.
ذكر الأستاذ مبارك الميلي في كتابه (الجزائر في ضوء التاريخ) تاريخ المنطقة المحيطة بمدينة عين مليلة منذ القدم، وذلك عن طريق ذكره لسكان تلك المناطق وتقاليدهم وعاداتهم ولغتهم، إضافةً لذكره جغرافيا وتضاريس المكان، لكنه لم يتطرّق إلى ذكر المدينة، وهذا الأمر يدلّ على أن تلك السهول التي شكلت المدينة حاليّاً لم تكن مأهولةً بالسكان بشكل يكفي لأن تتحوّل إلى مدينة في ذلك الوقت، ويعود هذا الأمر لعدّة أسباب، منها:
- غزو المنطقة بشكلٍ دائم من قبل الرومان والوندال وغيرهم.
- عدم اتقان سكان المنطقة لفنون القتال الذي يؤهلهم للدفاع عن أنفسهم وأراضيهم.
- عدم مقدرة سكان المدينة على تحصين مدينتهم عن طريق بناء قلاع أو حصون فيها.
- انعدام الصناعة فيها، وخاصة صناعة الأدوات الحربيّة البسيطة كالأسلحة التقليديّة.
- طبيعة سكان المنطقة المسالمة.
الفتوحات الإسلاميّة
لم تتمكّن الفتوحات الإسلاميّة من الوصول إلى مدينة عين مليلة إلا في وقتٍ متأخر من زمن الفتوحات للشمال الإفريقي، ويعود هذا الأمر لأسباب عديدة من أهمها:
- صعوبة تضاريس المنطقة المحيطة بالمدينة، والتي تتألف من جبال شاهقة ووديان عميقة.
- لم يعتد الفاتحون على مثل تلك التضاريس، والتي بدورها كانت تشكل عائقاً أمامهم وفي المقابل كانت تشكل ملاذاً للقبائل التي كانت ترفض هذا الغزو في ذلك الوقت.
- اتخاذ سكان المنطقة الجبال للاختباء فيها وحمايتهم.
لكن سكان المنطقة أدركوا لاحقاً بأن الفاتحين لا يريدون شراً بالأهالي، فبادروا إلى الترحيب بهم، واعتناق الدين الإسلاميّ حتّى اعتنقوه جميعاً.
الحكم العثماني
لم تكن مدينة مليلة موجودة إبان الحكم العثماني للبلاد، لكن بعد فترة بدأت تتشكل تجمعاتٍ سكنيّة شبه حضريّة في المنطقة المحيطة بالسهل الشاسع، والذي تحول إلى مدينة عين مليلة لاحقاً، ومن آثار تلك التجمعات سيقوس هنشيرتومغنى والقصر، وكانا يضمان مكتبان للحاكم العثماني الذي كان يسير من خلالهما أمور المنطقة عن طريق قبائل (الزمول) التي نزحت إلى هناك قادمةً من جنوب الجزائر. كانت تلك التجمعات تظهر وتختفي وفقاً لرحلات الشتاء والصيف عند البدو الرحل، والذين كانوا يقيمون لأيام في السهل طلباً للكلأ والماء والراحة، ثم يتابعون مسيرتهم باتجاه الشمال في الشتاء، أو الجنوب في الصيف.
سميت المنطقة بعين مليلة، نسبةً لعيون الماء التي لا تزال موجودة في المنطقة، والتي كان البدو ينصبون خيامهم حولها في الأزمنة الماضية. ومن هنا يتضح أن سكان المدينة هم من الأمازيغ البربر، سكنها بعدهم العربان بعد وصولهم للمنطقة إبان تخلي سكان المدينة الأمازيغ عن مدينتهم كونها غير محصنة، ليتخذوا من التضاريس الوعرة موطناً لهم ومأوى بسبب رفضهم كافة أشكال الاحتلال.