من مدن الأندلس
الأندلس
فتح المسلمون الأندلس في نهاية القرن الأول الهجري، وعلى مدى السنين التي قضوها هناك تقدّموا في العديد من المعارف، والعلوم، والفنون، وشيّدوا المباني، والقصور، والأحياء، وازدهرت الحياة في مدنها، ومن هذه المدن مدينة “غرناطة” ومدينة “إشبيلية”، وهما لوحتان غنيّتان بالتاريخ، كثيرتا الآثار، والعمار، وسنتحدّث في هذا المقال عن تاريخ مدينة غرناطة، ومدينة إشبيلية.
مدينة غرناطة
الموقع
تقع غرناطة في الجنوب الشرقي من الأندلس، تحدّها شمالاً مرتفعات مطلّة على نهر الوادي الكبير، ويحدّها جنوباً نهر شنيل الذي ينبع من جبال سييرا نيفادا “جبال الثلج”، وتبعد المدينة عن البحر حوالي سبعين كيلومتراً، وتمتاز بمناخها المعتدل الجميل، وتعني كلمة غرناطة في العربية “تلّ الغرباء”، وفي الإسبانيّة “شجر الرمان”.
تاريخ غرناطة
تعدّ قبائل الإيبيروس من أولى القبائل التي سكنت غرناطة، فقد اتخذت من المُغر الموجودة في الجبال مسكناً لها، وعندما جاء الفينيقيون إليها، أسّسوا بالقرب منها محطة تجاريّة، وكان لموقعها الاستراتيجي أثراً بالغاً في تاريخها، فقد امتازت بمرجها الواسع المليئ بالجداول، والأنهار، والبساتين المختلفة، وبسلسلة من الجبال المرتفعة، فكلّ ذلك كان يمثل مطمعاً، وإغراءً للغزاة لاقتحامها، والسيطرة عليها.
عندما فتح المسلمون الأندلس في بداية القرن الثامن الميلادي، استقرّوا في غرناطة زمناً طويلاً، وأثّروا فيها تأثيراً كبيراً، وفي بداية القرن الحادي عشر برزت دول الطوائف، ومن ضمنها دولة غرناطة، وكان أصحابها بنو زيري الصنهاجيّون، و قام بتأسيسها حبوس بن ماكس، ثم ابنه باديس، وبعد وفاته، خلفه عبد الله الذي سقطت المملكه في عهده بيد المرابطين، ثمّ الموحدين، وبعد ذلك استولى عليها محمد بن أحمد بن نصر، وجعلها عاصمة إمارته، وأطلق عليها آنذاك دولة بني الأحمر، وكان آخر من حكم غرناطة من بني نصر هو أبو عبد الله محمد بن علي، فقد سلم مفتاحها إلى ملوك قشتالة فرناند، وإيزابيلا، وقد سمحوا للمسلمين البقاء على دينهم في بداية الأمر، وبعد مدّة قصيرة أجبروهم على ترك عقيدتهم، واعتناق المسيحية، أو الخروج من الأندلس، وسمّي المسلمون الذين تنصروا بالموريسكوس، وعلى الرغم من ذلك تمسّكوا بعقيدتهم، وأصبحوا يمارسونها بالخفاء، ونتيجة لتعرّضهم للظلم الشديد، والاضطهادات قاموا بعمل ثورات عدّة ضدّ هذه السياسات.
حي البيازين
حي البيازين من أكبر الأحياء في غرناطه، ويحتفظ إلى الآن بالطابع الأندلسي، والبصمة العربية، وسمّي بذلك لضيق البيوت فيه، ولصغر حجمها، وتلاصقها الكبير، إضافة إلى ضيق الأسواق، وتميّز بمساجده الكثيرة التي حوّلت معظمها إلى كنائس، وللحيّ ثلاثة أبواب، باب البيازين، وفحص اللوز، والزيادة، ويوجد به قصر “دار الحرة”، ويشتمل على بهو، وعدّة غرف، ومجالس، وسقوفه، وجدرانه مليئة بالزخارف، وعند نهاية الحيّ هناك العديد من الطرق الضيقة المؤدّية إلى حي الجبل المقدس “السكرومنتي”، الذي يعدّ مقراً للغجر.
مدينة إشبيلية
الموقع
تقع إشبيلية على الضفة اليمنى لنهر الوادي الكبير، وكانت مؤهّلة لتكون ميناءً بحرياً في جنوب الأندلس، وكانت هذه المدينة عاصمة القوط الغربيين، إلى أن نقل الملك ليوفخلدو العاصمة لطليطلة سنة خمس وسبعمئة وستين للميلاد، وعندما فتح المسلمون الأندلس لم يستطيعوا الاستيلاء عليها في الهجوم الأوّل الذي قاده القائد العظيم طارق بن زياد، وإنّما استطاعوا السيطرة عليها في الهجوم الثاني الذي قاده موسى بن نصير.
إشبيلية عاصمة الولاة
قام موسى بن نصير باختيار إشبيلية عاصمة لولايته؛ والسبب في ذلك وقوعها بالقرب من الشاطئ المغربي مكان وجود قواعد الجيوش الإسلاميةّ، ولاتصالها ببقية الدول الأندلسيّة دون عوائق، واستمرّت كذلك لمدةّ ثلاث سنوات؛ فبعد عزل موسى بن نصير، ومقتل ابنه، والوالي عبد العزيز بن موسى من بعده، تمّ تحويل العاصمة الأندلسية إلى قرطبة بعد تولّي الحر بن عبد الرحمن الثقفي الولاية، وأثر هذا التحوّل على والعربي في إشبيلية، فقد فضّل معظم الفاتحين الإقامة في قرطبة، وأدّى ذلك إلى بقاء القليل من العرب فيها، وكثر وجود النصارى، والإسبان فيها، لكونها المركز الدينيّ المسيحيّ الأول في إسبانيا منذ عصرالقوط الغربيين، واستمرّ هذا الوضع لمدّة ربع قرن، حيث إنّ الخلافة الأموية بعثت فرقة من الجيش الأموي لتعسكر بمدينة حمص للبقاء في إشبيلية، وحماية سواحلها، وعندما دخلت المدينة سنة سبعمئة واثنين وأربعين للميلاد، بدأت القبائل العربية في الوفود إليها، كقبيلة بني موسى، وبني خلدون.
نهاية الحكم الإسلامي
عندما هُزمت جيوش الموحدين أمام الإسبان في موقعة العقاب، تبينت معالم نهاية الحكم الإسلامي بإشبيلية، وحاول الخليفة الموحدي أبو العلاء إدريس بن أبي يوسف يعقوب، أن يعيد لها هيبتها، ورونقها الذي كانت عليه قديماً، فحصنها، وبنى برج “الذهب” المشهور، وجدّد أسوارها، وبنى سوراً جديداً أمامها، وبعد موته تتابع سقوط المدن، والحصون المشيّدة للدفاع عن إشبيلية، وفي سنة ألف ومئتين وثماني وأربعين للميلاد، دخل الجيش القشتالي إلى إشبيلية بعد أن حاصرها لمدّة سنة ونصف، واستولى عليها.