مملكة سبأ والملكة بلقيس
مملكة سبأ
هي إحدى الممالك العربيّة القديمة الشهيرة التي قامت في اليمن، وقد اختلف المؤرّخون حول المرحلة الدقيقة لنشأتها، لكنّهم اتفقوا على أنّها كانت تتواجد منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد، لكنّ شهرتها ابتدأت منذ القرن العاشر قبل الميلاد.
كانت المملكة من أقوى الاتّحادات القبليّة التي ظهرت في اليمن القديمة؛ حيث تمكّنت المملكة من تكوين نظامٍ سياسيّ وصف بـ(الفدراليّ)، والذي ضمّ عدداً من الممالك وهي: مملكة قتبان، ومملكة حضرموت، ومملكة معين، وكافة القبائل التابعة لتلك الممالك، وأسّسوا عدداً من المستعمرات بالقرب من العراق وفلسطين – وفق الكتاب المقدّس/ العهد القديم، وبعض النصوص الأشوريّة – وهذا يدلّ على المكانة العالية التي شكّلتها هذه المملكة في ذلك الوقت.
مملكة سبأ والملكة بلقيس
الملكة بلقيس التي ذُكرت في القرآن الكريم والكتاب المقدّس، هي ملكة مملكة سبأ، وهي واحدةٌ من أشهر النساء في التاريخ القديم، أحاط الغموض سيرة الملكة بلقيس واختلفت المراجعُ التاريخيّة في تحديد اسمها ونسبها، لكنّ الغالبيّة قالوا بأنّها تُنسب إلى (الهدهاد بن شرحبيل) من بني يعفر، وكانت الملكة بلقيس سليلةَ حسبٍ ونسب، فقد ورثت المُلك عن أبيها الملك بولايةٍ منه لأنّه لم يُرزق بأبناء ذكور يولّيهم العرش.
بعد تولّيها عرش مملكة سبأ، استنكر قومها هذا الأمر، وقابلوه باستياءٍ وازدراء، وقد وصلت أصداء هذا النفور من قِبل قومها إلى خارج حدود المملكة، الأمرُ الذي أثار جَشع وطمع الطامعين في الاستيلاء على المملكة، من بينهم الملك ذي الأذعار (عمرو بن أبرهة)، وعندما علمت الملكة ما يضمره لها ذي الأذعار الذي أثار فتنةً في مملكتها، غادرت مملكتها متنكّرةً بزيّ رجل لتتمكّن من الرحيل دون أن يتبعها أحد، ودخلت عليه ذات يوم، وبقيت تَسقيه حتى أسكرته، وهو يتناول الأقداح منها معتقداً أنّها تغازله، وهكذا نالت منه وقتلته بفطنتها ودهائها، واستعادت شعبيتها ومملكتها المسلوبة منها بعد تلقين قومها الدرس.
وفق الكتاب المقدّس (العهد القديم)
لم تذكر النصوص الواردة في العهد القديم اسم الملكة بلقيس، بل اكتفت تلك النصوص بالإشارة لها على أنّها ملكة سبأ، وتُعتبر تلك النصوص من أقدم النصوص التي أشارت للملكة، وقد أوردت بأنّ الملكة قد سمعت بالملك سليمان وحكمته، فسارت إليه على ظهور الجمال، تحمل إليه الأحجار الكريمة والطيب والبخور لاختبار حكمته، وقد ذكر الكتاب المقدّس بأنّ قافلة الملكة لم تشهد (أورشليم) مثلها من قبل، وقد وردت بعض التّعليقات القديمة التي تقول بأنّ الملكة فور سماعها بخبر الملك سليمان وحكمته، أخبرت قومها بأنّها ستمضي إليه لتختبره، وترى إن كان حقاً كما يُقال عنه أم لا، حيث قيل إنّها كانت بارعةً في الألغاز والأحاجي كما كان سليمان، وقد تمكّن سليمان من الإجابة عن كافة ألغازها، مردداً بين كل إجابة وأخرى “الرب يمنح الحكمة”.
وفق الموروث الإسلامي
تختلف رواية القرآن لقصّة المملكة والملكة بشكلٍ قليل؛ لأنّ القرآن قد أورد بأن الملك سليمان هو من أرسل في طلب الملكة بلقيس؛ فقد جاءت رواية القرآن أنّه فيما كان الملك سليمان يتفقّد حاشيته التي كان من بينها هدهدٌ، إضافة لعددٍ من الحيوانات والطيور والجنّ لم يجد الهدهد بينهم، الأمر الذي أغضبه ووعد بتعذيبه، وبعد عودة الهدهد أخبر سليمان بأمر مملكة سبأ وملكتها، وما كان يعبد قومها من أجرامٍ سماويّة وخاصةً الشمس، وكيف كان السبئيون يقدمون القرابين للملكة للتقرّب منها.
تحرّى الملك سليمان صدق الأخبار التي نقلها إليه الهدهد، وأرسل كتاباً إلى الملكةِ بلقيس يدعوها فيه وقومها إلى طاعة الله، وأن تأتيه مع قومها مسلمين خاضعين لسلطانه وحكمته.
وصل الكتاب إلى بلقيس وهي جالسة على سرير مملكتها المزخرف باللآلئ والجواهر، فقامت بجمع الوزراء وكبار قومها لمشاورتهم في أمر ما جاء في الكتاب، فأشاروا عليها باستخدام القوّة واللجوء للحرب، لكنّ بلقيس التي اشتهرت بحكمتها وعلمها وبصيرتها النافذة ارتأت أمراً مغايراً؛ لأنّها على ثقةٍ بأنّ “الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها، وجعلوا أعزّة أهلها أذلّةً “.
رأت الملكة بلقيس أن تُرسل للملك سليمان هديّةً مع كبار قومها، علّه يغيّر رأيه عمّا ورد في الكتاب الذي أرسله، لكنّ سليمان رفض الهديّة وقرر الخروج لقتال سبأ، وقبل خروجه طلب من أعوانه من الجن أن يأتيه بعرش الملكة، وغيّر على الفور معالم هذا العرش.
لم يذكر القرآن الكريم كيف قرّرت الملكة القدوم، أو الهيئة التي كانت عليها وقت قدومها، لكنّه ذكر أنّه عندما دخلت على سليمان جَمَعت ثيابها إلى أن ظهرت ساقها لاعتقادها أنّ بلاط الملك كان يسيل عليه الماء؛ فقال لها سليمان بأنّ بلاطه مصنوعٌ من زجاجٍ يجري الماءُ من تحته، وقد جاء في القرآن أنّ اندهاش بلقيس كان من صرحِ سليمان لا من حكمته كما جاء في العهد القديم، وهذا هو سبب دخول بلقيس في دين الملكِ سليمان.