أشعار بشارة الخوري
قصيدة إني مت بعدك
- عش أنت أني مت بعدك
- وأطل إلى ماشئت صدك
كانت بقايا للغرام
- بمهجتي فختمت بعدك
مـاكان ضرك لو عدلت
- أمـا رأت عيناك قدك
وجـعلت من جفني متكأً
- ومـن عـيني مـهدك
ورفعت بي عرش الهوى
- ورفعت فوق العرش بندك
وأعـدت للشعراء سيدهم
- ولـلـعـشاق عـبـدك
أغـضاضه ياروض إن
- أنا شاقني فشممت وردك
أنقى من الفجر الضحوك
- فـهل أعرت الفجر خدك
وأرق مـن طبع النسيم
- فـهل خلعت عليه بردك
وألـذ مـن كأس النديم
- فهل أبحت الكأس شهدك
وحياة عينك وهي عندي
- مـثلما الأيـمان عندك
مـاقلب أمك إن تفارقها
- ولــم تـبـلغ أشـدك
فـهوت عليك بصدرها
- يـوم الـفراق لتستردك
بـأشد مـن خفقان قلبي
- يـوم قيل خفرت عهدك
قصيدة أرق الحسن
- يبكي ويضحك لاحزناً ولا فرحا
- كعاشقٍ خطَّ سطراً في الهوى ومحا
من بسمة النجم همس في قصائده
- ومن مخالسة الظّبـي الذي سـنحا
قلبٌ تمرس باللذات وهو فتى
- كبرعم لـمـسته الريح فانفـتحا
ماللأقاحية السمراء قد صرفـت
- عـنّا هواها أرق الـحسن ما سمحا
لو كنت تدرين ما ألقاه من شجن
- لكنت أرفق مـن آسى ومن صفحا
غداةَ لوَّحْتِ بالآمال باسمةً
- لأن الذي ثار وانقاد الذي جمحا
ما همني ولسانُ الحب يهتف بي
- إذا تبسم وجه الدهر أو كلحا
فالروضُ مهما زهتْ قفرٌ اذا حرمت
- من جانحٍ رفَّ أو من صادحٍ صدحا
قصيدة ياعاقد الحاجبين
- يـاعاقد الـحاجبين
- على الجبين اللجين
إن كنت تقصد قتلي
- قـتلتني مـرتين
مـاذا يـريبك مني
- ومـاهممت بـشين
أصُـفرةٌ في جبيني
- أم رعشة في اليدين
تَـمر قـفز غزالٍ
- بين الرصيف وبيني
وما نصبت شباكي
- ولا أذنت لـعيني
تـبدو كأن لاتراني
- ومـلء عينك عيني
ومـثل فعلك فعلي
- ويلي من الأحمقين
مولاي لم تبق مني
- حـياً سوى رمقين
صبرت حتى براني
- وجدي وقرب حيني
ستحرم الشعر مني
- وليس هـذا بهين
أخاف تدعو القوافي
- عليك في المشرقين
قصيدة المسلول
- حسناء أي فتى رأت تصد
قتلى الهوى فيها بلا عدد
بصرت به رث الثياب بلا
مأوى بلا أهل بلا بلد
فتخيرته وكان شافعه
لطف الغزال وقوة الأسد
ورأى الفتى الآمال باسمة
في وجهها لفؤاده الكمد
والمال ملء يديه ينفقه
متشفياً إنفاق ذي حرد
ظمآن والأهواء جارية
كالسلسبيل مسى يرد يرد
روض من اللذات طيبة
أثماره خلو من الرصد
نعم أفانين يكاد لها
يختال من غلواه في برد
ماضيه لو يدري بحاضره
رغم الأخوة مات من حسد
سكران والكاسات شاهدة
إن الكؤوس لها من العدد
سكران لا يصحو كسكرته
أمساً وسكرته غداة غد
سكران وهي تزقه قبلاً
ويزقها وإذا تزد يزد
سكران وهي تمص من دمه
وتريه قلب الأم للولد
سكران حتى رأسه أبداً
لا يستقر لكثرة الميد
قالت له : نم ، نم لفجر غد
ضع رأسك الواهي على كبدي
نم لا تسلط يا حبيب على
مخمور جسمك قلة الجلد
عيناك متعبتان من سهر
ويداك راجفتان من جهد
– لا لا أنام ولا أذوق كرى
إن النهار مضى ولم يعد
لا لا أنام و لا أذوق كرى
أنا لست من يحيا لفجرغد
سلمى أحس النار سائة
بدمي وتجري معه في جسدي
وأحس قلبي فاغراً فمه
للحب، للذات، للرغد
إن ضاع يومي ما أسفت على
خضر الربيع وزرقة الجلد
نم لا تكابركاد رأسك أن
يهوي بكأسك غير أن يدي
– يهوي نعم يا فتنتي ومنى
نفسي وزهرة جنة الخلد
يهوي ولم لا والشباب ذوى
وعلى شبابي كان معتمدي
لم تبق لي مني سوى رمق
متراوح في أضلع همد
رباه مذ يومين كنت فتى
لي قوتي وشبيبتي وغدي
واليوم أسرع للبلى وأنا
لم أبلغ العشرين أو أكد
سلماي إنك أنت قاتلي
فجميل جسمك مدفني الأبدي
وطويل شعرك صار لي كفناً
كفن الشباب ذوى وكان ندي
سلمى اطفئي الأنوار وافتتحي
هذي الكوى لنسائم جدد
ودعي شعاع الشمس يضحك لي
فشعاعها يرد على كبدي
ودعي أريج الزهر ينعشني
وهديل طر الأيكة الغرد
أنا إن قضيت هوى فلا طلعت
شمس الضحى بعدي على أحد
أنا إن قتلتك كيف تحفظني
إن صح زعمك ، حقظ مقتصد
أو كنت مت لليلتي جهد
يا مهجتي خفف ولا تزد
لا أنت محييتي ومنقذتي
من عيشي المتنكر النكد
أفأنت قاتلتي ؟ كذبت أنا
لولاك كنت أذل من وتد
لكنما العشاق عادتهم
ذكر المنايا ذكر مفتئد
يبكون من جزع للذتهم
أن لا تكون طويلة الأمد
قلبي لقلبك خافق أبداً
ويظل يخفق غير متئد
إن كان ذاك فهذه شفتي
من يشتعل في الحب يبترد
وتصافحا فتعانقا فهما
روحان خافقتان في جسد
نهبا أويقات الصفاء وقد
عكفا عليهما عكف مجتهد
وترشفا كأس الغرام وما
تركا بها من نهلة لصدي
ومشى الهوى بهما كعادته
والبحر لا يخلو من الزبد
سنة مضت فإذا خرجت إلى
ذاك الطريق بظاهر البلد
ولفت وجهك يمنة فترى
وجهاً متى تذكره ترتعد
هذا الفتى في الأمس صار إلى
رجل هزيل الجسم منجرد
متلجلج الألفاظ مضطرب
متواصل الأنفاس مطرد
ياجهادا صفق المجد له
- يا جهاداً صَفَّقَ المجد له
لبس الغار عليه الأرجوانا
سائل العلياء عنا والزمانا
هل خفرنا ذمَّةً مُذْ عرفانا
المروءاتُ التي عاشت بنا
لم تزل تجري سعيراً في دِمانا
قل لجونْ بولٍ إذا عاتبتَهُ
سوف تدعونا ولكن لا ترانا
قد شفينا غلّة في صدره
وعطشنا فانظروا ماذا سقانا
يوم نادانا فلبّينا النِدا
وتركنا نُهيَةَ الدين ورانا
ضجَّت الصحراء تشكو عُرْيَها
فكسوناها زئيراً ودُخانا
مذ سقيناها العُلا من دمنا
أيقنت أن مَعَدّاً قد نمانا
ضحك المجدُ لنا لما رآنا
بدم الأبطال مصبوغاً لِوانا
عرسُ الأحرار أن تسقي العِدى
أكؤساً حُمراً وأنغاماً حزانى
نركب الموتِ إلى العهد الذي
نحرتْه دون ذنب حُلفانا
أمِنَ العدل لديهم أننا
نزورع النصر ويجنيه سِوانا
كلّما لَوَّحتَ بالذكرى لهم
أوسعوا القول طلاء ودِهانا
ذنبنا والدهر في صرعته
أنٍْ وفينا لأخي الوِد وخانا
يا جهاداً صفّق المجد له
ليس الغارُ عليه الأرجوانا
شرفٌ باهتْ فلسطينٌ به
وبناءٌ للمعالي لا يُدانى
إن جرحاً سال منْ جبهتها
لثمتهُ بخشوعٍ شفتانا
وأنيناً باحت النجوى به
عربياً رشفتهُ مقلتانا
يا فلسطين التي كدنا لما
كابدته من أسىً ننسى أسانا
نحن يا أختُ على العهد الذي
قد رضعناه من المهد كِلانا
يثربٌ والقدسُ منذُ احتلما
كعبتانا وهوى العرب هوانا
شرفٌ للمت أن نطعمه
أنفساً جبارة تأبى الهوانا
وردةٌ من دمنا في يده
لو أتى النار بها حالت جنانا
انشروا الهول وصُبّوا ناركمْ
كيفما شئتم فلن تلقوا جبانا
غذّتِ الأحداثُ منّا أنفُساً
لمْ يزدها العنفُ إلاّ عنفوانا
قَرَعَ (الدوتشي) لكم ظهر العصا
وتحدّاكم حساماً ولسانا
إنهُ كفوٌ لكمْ فانتقموا
ودعونا نسألُ الله الأمانا
قُمْ إلى الأبطال نلمسْ جرحهمْ
لمسة تسبحُ بالطيب يدانا
قم نجعْ يوماً من العمر لهمْ
هبْهُ صوم الفصح هبهُ رمضانا
إنما الحقُّ الذي ماتوا له
حقنا، نمشي إليه أين كانا