الوصف عند البحتري

البحتري

البحتري هو أبو عبادة بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائيّ، وهو من شعراء الأدب العربي في العصر العباسي الذين ولدوا في منبج قرب حلب، ونشأ في عشيرته بحتر نشأة بين الحضارة والبداوة، وهو أحد أشعر الشعراء في ذلك العصر مع أبي تمام والمتنبي، ويُقال له البحتري الشاعر كما وصفه أبو العلاء المعري، ويوصف شعره بأنّه سلاسل من ذهب.

تنقّل البحتري بين مدن الشام لقول الشعر ومدح الأمراء من أجل التكسب، وفي حمص التقى بأبي تمام، وكان لهذا اللقاء أثر في حياة البحتري الشعريّة، حيث نهل منه الكثير، وتعلم منه متى يكتب الشعر لكي يخرج كما يرغب ويريد، ونظم البحتري الشعر في مواضيع وأغراض متعددة كما هو حال بقيّة الشعراء، لكنّه نبغ في إحداها وهو الوصف، حيثُ سنتطرق لهذا الموضوع فيما بعد.

الوصف عند البحتري

يُصنّف البحتري على أنّه من أطبع الشعراء، وقد كان ذا خيال واسع وذوق سليم، ويقوم فنّ البحتري على الزخرفات البديعيّة الصافية والعذبة التي لا تكلّف فيها، إضافة إلى الموسيقى التي تغمر أبياته الشعريّة، وتأتي من خبرة وذوق في اختيار الألفاظ والعبارات التي لا يشوبها التعقيد والغرابة، بحيثُ تكون متوافقة مع الموقف والمعنى.

للبحتري عدة مؤلفات ودواويين شعريّة من أشهرها كتاب الحماسة الذي ألف ونظم فيه بمختلف الموضوعات لكن من أكثرها الوصف، وخاصة وصف الطبيعة والعمران، حيثُ كان وصفه خصيباً وعفويّاً، واستمده من الترابط الفكريّ والتصويريّ بين البدواة والحضارة، فمثلاً استمد من البداوة ماديّتها المسيطرة وتجسيدها العريق؛ فوصف الأزهار، والغيث، والفرس، والأسد، والذئب، ووصف الربيع على أنّه مهرجان للوجود أضفى على مشاهده الروح ليُبرز فيها يقظة الطبيعة.

أمثلة على الوصف عند البحتري

وصف البحتري العمران ومنها بركة المتوكل وإيوان كسرى، فنقلها وتأملها بعفويته وبراعته، فكانت أبياته وصفاً فنيّاً بديعيّاً جميلاً، تظهر فيه سحر وجمال الخيال، حيثُ أفاد من أسلوب أبي تمام في الإثراء من البديعيات، إلاّ أنه أجاد وبرع في سبك اللفظ على المعنى، واستمد المعاني من جمال ووحي الخيال لا من قضايا المنطق والعلم كما فعل أبو تمام. وأصبحت للبحتري طريقة خاصة في الجزالة والعذوبة امتاز بها على أستاذه، واستفاد منها ونهجها مَنْ عاصره، وجاء بعده من الشعراء.

وصف أيضاً العمران فأولع في وصفه، ووصف القصور، حيثُ بدى وصفه شدة في البراعة في تخيُّر التفاصيل الصغيرة، وكانت لديه دقة لا متناهية في رسمها رسماً حسيّاً، وانفعالاً نفسيّاً وعاطفيّاً من الشاعر.

وصف البحتري الطبيعة في لوحات فنيّة عديدة ومختلفة جمع فيها ألواناً متناسقة وجميلة، إلا أنّ أوصافه فيها قليلة الحظ من الإبداع والابتكار، فكانت تقليديّة، غير أنّ البحتريّ تمّكن من ترقيتها إلى درجة عالية من الشخصيّة والأصالة، ومن قصائده في الربيع:

أتَاكَ الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً

منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا

وَقَد نَبّهَ النّوْرُوزُ في غَلَسِ الدّجَى

أوائِلَ وَرْدٍ كُنّ بالأمْسِ نُوَّمَا

يُفَتّقُهَا بَرْدُ النّدَى، فكَأنّهُ

يَنِثُّ حَديثاً كانَ قَبلُ مُكَتَّمَا

وَمِنْ شَجَرٍ رَدّ الرّبيعُ لِبَاسَهُ

عَلَيْهِ، كَمَا نَشَّرْتَ وَشْياً مُنَمْنَما

أحَلَّ، فأبْدَى لِلْعُيونِ بَشَاشَةً،

وَكَانَ قَذًى لِلْعَينِ، إذْ كانَ مُحْرِما

وَرَقّ نَسيمُ الرّيحِ، حتّى حَسِبْتُهُ

يَجىءُ بأنْفَاسِ الأحِبّةِ، نُعَّمَا