شعر عن الأب
الأب
عندما تنظر إلى سنوات حياتك الّتي مرت، ترى مدى أهمية والدك وفضله عليك وعلى إخوتك؛ فهو صاحب القلب الكبير والصدر الحنون، وهو السند، والمرجع، والقوّة، لذلك لا تستطيع إلّا أن تُقدّره في حياته وحتّى بعد مماته، وتُقدّر مواقفه معك منذ أن كنت صغيراً حتّى كبرت، لذلك أبدع بعض الشعراء في وصف الأب في حياته وحتى بعد مماته، وفيما يلي قصائد عن الأب بأقلام شعراء مختلفين على مرّ الزمان.
وداعاً أبي
وَأَصْبَحْتَ طَيْفَاً بَعيدَ المَزارْ
وأُقْصِيتَ عَنَّا
فَلَمَّا فَقَدْناكَ ذاكَ النَّهارْ
وجُرِّدْتَ مِنَّا
أتينا إليْكْ
بَكَيْنا عَلَيْكْ
فَقَدْ كُنْتَ فينا كعصْفورِ أيْكْ
بِحُبٍ تَغَنَّى
وقَدْ كُنْتَ فينا مع الحُلْمِ حُلْمَاً
معَ العُمْرِ عُمْرَاً
معَ اللَّيْلِ بَدْراً بهِ قَدْ فُتِنَّا
وَأَصْبَحْتَ طَيْفَاً بَعيدَ المَزارْ
لَقَدْ كانَ يَوْمَاً عَصيباً عَلَيْنا
فَوا أسَفا حَيْثُ ضَاعَ الشَّبابْ
فَقَدْ كانَ كالشَّمْسِ ما إن تَبَدَّتْ
فَكَيْفَ تَوارَى
وفى الفَجْرِ غَابْ؟!
وَها صارَ كالحُلْمِ نَهْفوا إليهِ
فَنَلْقاهُ حَيْثُ انتهيْنا
سَرَابْ
وما كُنْتُ أَحْسَبُ أنَّ الليالى
سَتَغْتالُ نُدْمانَها والشَّرابْ
وأنَّ نُجومَ السَّما النَيْراتِ
سَتَهْوِى
ليَعْلو ذُراها التُّرابْ
ويُصْبِحُ مَنْ كانَ يَمْشى الهُوَيْنا
يُحَلِّقُ كالطَّيْرِ
بَلْ كالشِّهابْ
ويَجْتاحُنا الحُزْنُ حتَّى كَأنَّا
كَفُلْكٍ
تَرَامَتْ بطَامِى العَبَابْ
وَدَاعاً أبى
وَدَاعاً فللمَوْتِ جُرْحٌ عَمِيقٌ
وَدَاعاً فللمَوْتِ ظُفْرٌ وَنَابْ
ودَاعاً أبى وَلْتَنُلْ حَيْثُ تَرْقَى
رَفيعَ الجِنانِ وحُسْنَ المَآبْ
أبي
- إيليا أبو ماضي شاعر لبناني ولد في عام 1891م، وهو أحد مؤسسي الرابطة القلمية، ومن أجمل قصائده عن الأب:[٢]
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني
- وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
أبي خانني فيك الرّدى فتقوضت
- مقاصير أحلامي كبيت من التّين
وكانت رياضي حاليات ضواحكا
- فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني
وكانت دناني بالسرور مليئة
- فطاحت يد عمياء بالخمر والدن
فليس سوى طعم المنيّة في فمي
- وليس سوى صوت النوادب في أذني
ولا حسن في ناظري وقلّما
- فتحتهما من قبل إلاّ على حسن
وما صور الأشياء بعدك غيرها
- ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن
على منكي تبر الضحى وعقيقه
- وقلبي في نار وعيناي في دجن
أبحث الأسى دمعي وأنهيته دمي
- وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن
فمستنكر كيف استحالت بشاشتي
- كمستنكر في عاصف رعشة الغضن
يقول المعزّي ليس يحدي البكا الفتى
- وقول المعزّي لا يفيد ولا يغني
شخصت بروحي حائرا متطلعا
- إلى ما وراء البحر أأدنو وأستدني
كذات جناح أدرك السيل عشّها
- فطارت على روع تحوم على الوكن
فواها لو أنّي في القوم عندما
- نظرت إلى العوّاد تسألهم عنّي
ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها
- فكنت مع الباكين في ساعة الدفن
لعلّي أفي تلك الأبوّة حقّها
- وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن
فأعظم مجدي كان أنك لي أب
- وأكبر فخري كان قولك: ذا ابني
أقول لي إنّي كي أبرّد لوعتي
- فيزداد شجوي كلّما قلت لو أني
أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى
- أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن
أبي وإذا ما قلتها فكأنني
- أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني
لمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى
- فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ
خلعت الصبا في حومة المجد ناصعا
- ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفن
فذهن كنجم الصّيف في أول الدجى
- ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهن
وكنت ترى الدنيا بغير بشاشة
- كأرض بلا ماء وصوت بلا لحن
فما بك من ضرّ لنفسك وحدها
- وضحكك والإيناس للبحار والخدن
جريء على الباغي، عيوف عن الخنا
- سريع إلى الداعي، كريم بلا منّ
وكنت إذا حدّثت حدّث شاعر
- لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّ
فما استشعر المصغي إليك ملالة
- ولا قلت إلاّ قال من طرب زدني
برغمك فارقت الربوع ىوإذا
- على الرغم منّا سوف نلحق بالظعن
طريق مشى فيها الملايين قبلنا
- من المليك السامي عبده إلى عبده الفنّ
نظنّ لنا الدنيا وما في رحابها
- وليست لنا إلاّ كما البحر للسفن
تروح وتغدو حرّة في عبابه
- كما يتهادى ساكن السجن في السجن
وزنت بسرّ الموت فلسفة الورى
- فشالت وكانت جعجعات بلا طحن
فأصدق أهل الأرض معرفة به
- كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّ
فذا مثل هذا حائر اللبّ عنده
- وذاك كهذا ليس منه على أمن
فيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض
- على كثرة التفصيل في الشّرح والمتن
أيا رمز لبنان جلالا وهيبة
- وحصن الوفاء المحصن في ذلك الحصن
ضريحك مهما يستسرّ وبلذة
- أقمت بها تبني المحامد ما تبني
أحبّ من الأبراج طالت قبابها
- وأجمل في عينيّ من أجمل المدن
على ذلك القبر السلام فذكره
- أريج بهنفسي عن العطر تستغني
ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي
- أبو القاسم الشابي شاعر تونسي وهو من شعراء العصر الحديث، توفي في عام 1934م، وقال في رثائه لوالده:[٣]
ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك
- يا أبي ومشاعري عمياء بأحزان
أني سأظمأُ للحياة وأحتسي
- مِنْ نهْرها المتوهِّجِ النّشوانِ
وأعودُ للدُّنيا بقلبٍ خَافقٍ
- للحبِّ، والأفراحِ والألحانِ
ولكلِّ ما في الكونِ من صُوَرِ المنى
- وغرائبِ الأهُواء والأشجانِ
حتى تحرّكتِ السّنون، وأقبلتْ
- فتنُ الحياة ِ بسِحرِها الفنَّانِ
فإذا أنا ما زلتُ طفِْلاً، مُولَعاً
- بتعقُّبِ الأضواءِ والألوانِ
وإذا التشأوُمُ بالحياة ِ ورفضُها
- ضرْبٌ من الُبهتانِ والهذيانِ
إنَّ ابنَ آدمَ في قرارة ِ نفسِهِ
- عبدُ الحياة الصَّادقُ الإيمانَ
لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي
- أحمد شوقي كاتب وشاعر مصري وهو من أشهر شعراء العصر الحديث، ولد في عام 1868م، وتوفي في عام 1932م، وقال في رثاء الأب:[٤]
سأَلوني لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي
- ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ
أَيُّها اللُّوّامُ ما أَظلمَكم
- أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ
يا أبي ما أنتَ في ذا أولٌ
- كلُّ نفس للمنايا فرضُ عَيْنْ
هلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى
- ونَعى الناعون خيرَ الثقلين
غاية ُ المرءِ وإن طالَ المدى
- آخذٌ يأخذه بالأصغرين
وطبيبٌ يتولى عاجزاً
- نافضاً من طبَّه خفيْ حنين
إنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ
- أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ
تنفذ الجوَّ على عق
- بانه وتلاقي الليثَ بين الجبلين
وتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته
- وتنال الببَّغا في المئتين
أنا منْ مات ومنْ مات أنا
- لقي الموتَ كلانا مرتين
نحن كنا مهجة ً في بدنٍ
- ثم صِرْنا مُهجة ً في بَدَنَيْن
ثم عدنا مهجة في بدنٍ
- ثم نُلقى جُثَّة ً في كَفَنَيْن
ثم نَحيا في عليٍّ بعدَنا
- وبه نُبْعَثُ أُولى البَعْثتين
انظر الكونَ وقلْ في وصفه
- قل هما الرحمة ُ في مَرْحَمتين
فقدا الجنة َ في إيجادنا
- ونَعمْنا منهما في جَنّتين
وهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا
- وهما الصّفحُ لنا مُسْتَرْضَيَيْن
ليتَ شعري أيُّ حيٍّ لم يدن
- بالذي دَانا به مُبتدِئَيْن
ما أَبِي إلاَّ أَخٌ فارَقْتُه
- وأَماتَ الرُّسْلَ إلاَّ الوالدين
طالما قمنا إلى مائدة ٍ
- كانت الكسرة ُ فيها كسرتين
وشربنا من إناءٍ واحدٍ
- وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدين
وتمشَّيْنا يَدي في يدِه
- من رآنا قال عنّا أخوين
نظرَ الدهرُ إلينا نظرة ً
- سَوَّت الشرَّ فكانت نظرتين
يا أبي والموتُ كأسٌ مرة ٌ
- لا تذوقُ النفسُ منها مرتين
كيف كانت ساعة ٌ قضيتها
- كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَيْن
أَشرِبْتَ الموت فيها جُرعة ً
- أَم شرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين
لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أَو بُكاً
- جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عين
أنت قد علمتني تركَ الأسى
- كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن
ليت شعري هل لنا أن نتلقي
- مَرّة أَم ذا افتراقُ المَلَوَين
وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى
- أَنلقَى حُفرة ً أَم حُفْرتين
أبي
- نزار توفيق القباني، هو دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، أصدر أول ديوان له في عام 1944م، وقال نزار قباني في رثاء والده:[٥]
أماتَ أَبوك
ضَلالٌ أنا لا يموتُ أبي
ففي البيت منه
روائحُ ربٍّ وذكرى نَبي
هُنَا رُكنُهُ تلكَ أشياؤهُ
تَفَتَّقُ عن ألف غُصنٍ صبي
جريدتُه. تَبغُهُ. مُتَّكَاهُ
كأنَّ أبي بَعدُ لم يّذهَبِ
وصحنُ الرمادِ وفنجانُهُ
على حالهِ بعدُ لم يُشرَبِ
ونَظَّارتاهُ أيسلو الزُجاجُ
عُيُوناً أشفَّ من المغرب
بقاياهُ في الحُجُرات الفِساحِ
بقايا النُسُور على الملعبِ
أجولُ الزوايا عليه فحيثُ
أمرُّ .. أمرُّ على مُعشِبِ
أشُدُّ يديه.. أميلُ عليهِ
أُصلِّي على صدرهِ المُتعَبِ
أبي.. لم يَزل بيننا والحديثُ
حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ
يسامرنا.. فالدوالي الحُبالى
تَوَالَدُ من ثغرهِ الطَيِّبِ
أبي خَبَراً كانَ من جَنَّةٍ
ومعنى من الأرحَبِ الأرحَبِ
وعَينَا أبي.. ملجأٌ للنجومِ
فهل يذكرُ الشَرقُ عَينَي أبي؟
بذاكرة الصيف من والدي
كرومٌ وذاكرةِ الكوكبِ..
أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ
وراءكَ يمشي فلا تَعتبِ..
على اسمِكَ نمضي فمن طّيِبٍ
شهيِّ المجاني إلى أطيبِ
حَمَلتُكَ في صَحو عَينَيَّ.. حتى
تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..
أشيلُكَ حتى بنَبرة صوتي
فكيف ذَهَبتَ.. ولا زلتَ بي؟
إذا فُلَّةُ الدار أعطَت لدينا
ففي البيت ألفُ فمٍ مُذهَبِ
فَتَحنَا لتمُّوزَ أبوابَنا
ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي
كيف أنساك يا أبي
- عبد الله الفيصل بن عبد العزيز آل سعود هو الأمير والشاعر والابن البكر للملك فيصل بن عبد العزيز، ولد عام 1922م في الرياض، ومن قصائده عن الأب:[٦]
أيّ ذكرى تعودُ لي بعد عامٍ
- لم تزل فيه نازفاتٍ جراحي
أيّ شهرٍ ربيعُ عمري ولّى
- فيه وارتاح في ضلوعي التياحي
أيّ خطبٍ مروّعٍ كنت أخشا
- هُ فأبلى عزمي وفلّ سلاحي
أيّ يتمٍ أذلّ كبرَ أنيني
- وأراني دجن المسا في صباحي
أيّ يومٍ ودّعتُ فيه حبيبي
- ثم أسلمتُ مهجتي للنّواح
إنه يوم ميتتي قبل موتي
- واختلاجُ الضياء في مصباحي
إنه يومُ من تمنيتُ لو ظلّ
- قريباً من هينمات صُداحي
إنه يومُ فيصلٍ خرّ فيه الـ
- ـطّودُ لله ساجداً غير صاح
يوم من كان للوجود وجوداً
- عامراً بالتّقى وكلّ الصلاح
ليتني كنتُ فديةً للذي ما
- تَ فماتت من بعده أفراحي
“فيصلي” يا مهنداً ما أحبّ الـ
- ـغمدَ يوماً ولا ارتوي من طماح
يا حساماً في قبضة الحقّ والإيـ
- ـمان سَلّت شباهُ أعظمُ راح
راح “عبد العزيز” ملحمةُ العز
- وأسطورة العُلى والكفاح
كيف أرثيك يا أبي بالقوافي
- وقوافيّ قاصراتُ الجناح
كيف أبكيك والخلودُ التقى فيـ
- ـك شهيداً مجسّماً للفلاح
كيف تعلو ابتسامةُ الصفو ثغري
- كيف تحلو الحياةُ للمُلتاح
كيف لا أحسبُ الوجود جحيماً
- يحتويني في جيئتي ورواحي
كيف أقوى على احتباس دموعي
- وأنا لا أخاف فيك اللاّحي
كيف أنساك يا أبي .. كيف يمحو
- من خيالي خيالك الحُلوَ ماح
ليس لي والذهول أمسى نديمي
- والأسى رغم وأده فضاحي
غيرُ ربّي أرجوه مدّيَ بالصبـ
- ـر ولقياكَ في الجنان الفساح
المراجع
- ↑ محمد أبو العلا ، “وداعاً أبى”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-30.
- ↑ إيليا أبو ماضي، “أبي”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-30.
- ↑ أبو القاسم الشابي، “ما كنت أحسب بعد موتك يا أبي”، www.diwandb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-30.
- ↑ أحمد شوقي، “سألوني لم لم أرث أبي”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-30.
- ↑ نزار قباني، “أبي”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-30.
- ↑ عبدالله الفيصل ، “كيف أنساك يا أبي”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-4-30.