أشعار جبران خلیل جبران
إذا المرء لم ينصف بقدر جهاده ده
إذا المرء لم ينصف بقدر جهاده
- فإن له فضلا بقدر اجتهاده
توخ عظيمات المنى وانح نحوها
- برأي يضيء الدهر وري زناده
وثابر تصب فوزا فما الفوز للفتى
- بإسرافه في الجهد بل باقتصاده
بنا حاجة النسر المهيض جناجه
- إلى جوه العالي ورحب مراده
أيرقى إلى أوج الكمال مصعد
- ويعدوه دون الوج نقصان زاده
يقال الرضى بعض الغنى قلت كله
- ولكن لجسم المرء لا لفؤاده
نفينا من الأنغام ما ليس مفضيا
- إلى ذل من يهوى ومنح قياده
جعلنا جميع اللحن شجوا وأنه
- لدل حبيب معرض أو عناده
ولا عيد إلا للأسى في قلوبنا
- أما مله قلب لفرط اعتياده
سكارى يكاد الصوت يوقر هامنا
- إذا ما علا عن رتبة في انطياده
ألا طرب يا قوم في جأر مغضب
- لأمته أو عرضه أو وداده
ألا طرب والجيش يحدوه معزف
- شديد الوغى يوري اللظى في جماده
ألا طرب والبحر في ثورانه
- يصور إيقاع جلال امتداده
ألا طرب والنهر تهوي سيوله
- إلى قاعه مصطكه بصلاده
ألا طرب والقفر كالقبر ساكن
- لناء شجته حمحمات جواده
ألا يوم مشهود ألا فوز حافل
- ألا رهط يعلو صوته باتحاده
أما للفتى قول كبير لنده
- ولا صيحة في فخره واعتداده
الا رعد هداد ألا برق خاطف
- لاعارض تجري الربى في اشتداده
ألا نغم إلا إذا حيت الصبا
- غريب حمى طالت ليالي بعاده
تصوغ أقل اللحن دون أجله
- ونهوى انتقاص الفن دون ازدياده
ولا وصف إلا أن يمثل حالة
- من النفس لم تبلغ بديهة باده
لها لمعان النصل بين استلاله
- إلى وشك أن يعرى وبين اغتماده
نحب من الإنشاد كل مكرر
- بلحن جمود الفكر من مستفاده
وتنبو بنا الآذان عن مستجده
- فكل عتيق فهو من مستجاده
ومهما يعد في صيغة بعد صيغة
- مقاربة لم نشك من مستعاده
بنا حاجة النسر المهيض جناحه
- إلى جوه العالي ورحب مراده
أيرقى إلىأ وج الكمال مصعد
- ويعدوه دون الوج نقصان زاده
بني وطني إن نلتمس لرقينا
- عتادا فهذا الفن بعض عتاده
إذا نحن أحكمناه أعلى همومنا
- وأنجى سوادا هالكا من سؤاده
وحرر قوما صاغرين فردهم
- كبار المساعي والمنى والمشاده
متى يغد منا الجيش يستقبل الردى
- ويسمع مسرورا نشيد بلاده[١]
يا أيها الملك الذي حسناته
- وقال الشاعر هنا في قصيدته المشهورة:[٢]
يا أيها الملك الذي حسناته
- فوق الذي نثني عليه ونطنب
كم غزوة لك في عداك عجيبة
- لا شيء غير نداك منها أعجب
كم رحمة قلدت أقواما بها
- أعناقهم والسيف يوشك يسلب
كم منة لك في العباد جميلة
- كالشمس تنمي روضة وتذهب
هذي كوافل حسن ذكرك في الورى
- وأبر ما يبقي الفعال الطيب
يكفيك فخرا أن أعظم أمة
- تنضم في ملك إلى اسمك ينسب
فعلام أنت تزيل ذكر ملوكها
- وأولئك العظماء موتى غيب
إن تمح من أسفارهم أخبارهم
- فالصخر ينحت والمناحت تكتب
وليعلمن الناس بعدك أمرهم
- فتلام ما طال المدى وتؤنب
خدعتك كاذبة المنى بوعودها
- والحر يخدع والأماني تكذب
وإذا نظرت إلى الحقيقة صادقا
- فالذكر ليس يعيد عمرا يذهب
أما الجدار فلو رفعت بناءه
- حتى استقر على ذراه الكوكب
ولو الجبال جعلن بعض حجاره
- ولحمن حتى الماء لا يتسرب
ولتصنعن نواسف تثفي الربى
- بدخانها منثورة تتلهب
ولتنفذن إلى بكين خلائق
- بيضاء تغنم ما تشاء وتنهب
تأتي بها فوق البحار سفائن
- كالجن في جد العواصف تلعب
ماذا يفيد السور حول ديارهم
- وقلوبهم فيها ضعاف هرب
فأبر من تضييق دنياهم به
- أن ترحب الدنيا بهم ما ترحب
ألأمن قتال الشجاعة فيهم
- وحياتها فيهم مخاوف ترقب
لا يعصم الأمم الضعيفة فطرة
- إلا فضائل بالتجارب تكسب
فتكون حائطها المنيع على العدى
- وتكون قوتها التي لا تغلب
يا زمان الحب قَد ولى الشباب
- ونادى هنا الشاعر جبران خليل جبران بشجن على أيام الشباب التي ضاعت وسط ركام الذكريات:[٣]
يا زَمانَ الحُبِّ قَد وَلّى الشَّباب
- وَتَوارى العُمرُ كَالظلِّ الضَّئيل
وَامّحى الماضي كَسَطرٍ مِن كِتاب
- خَطَّهُ الوَهمُ عَلى الطّرس البَليل
وَغَدَت أَيّامُنا قَيد العذاب
- في وُجودٍ بِالمَسَرّات بخَيل
فَالَّذي نَعشَقُهُ يَأساً قَضى
- وَالَّذي نَطلُبُه مَلَّ وَراح
وَالَّذي حُزناهُ بِالأَمسِ مَضى
- مِثلَ حُلمٍ بَينَ لَيلٍ وَصَباح
يا زَمانَ الحُبِّ هَل يغني الأَمَل
- بِخُلودِ النَّفسِ عَن ذكرِ العُهود
هَل تَرى يَمحو الكَرى رَسم القُبَل
- عَن شِفاهٍ مَلّها وَردُ الخُدود
أَو يُدانينا وَيُنسينا المَلَل
- سَكرَة الوَصلِ وَأَشواق الصُّدود
هَل يصمّ المَوتُ آذاناً وَعَت
- أَنّة الظُّلمِ وَأَنغام السّكون
هَل يُغشّي القَبرُ أَجفاناً رَأَت
- خافيات القَبر وَالسرّ المَصُون
كَم شَرِبنا مِن كُؤوس سَطَعت
- في يَدِ السّاقي كَنورِ القَبَس
وَرَشَفنا مِن شِفاهٍ جَمَعَت
- نَغمَةَ اللّطفِ بِثَغرٍ أَلعَس
وَتَلَونا الشّعرَ حَتّى سَمِعت
- زهرُ الأَفلاكِ صَوتَ الأَنفُس
تِلكَ أَيّامٌ تَوَلّت كَالزُّهور
- بِهُبوطِ الثَّلجِ مِن صَدرِ الشِّتاء
فَالَّذي جادَت بِهِ أَيدي الدُّهور
- سلَبَته خلسَةً كَفُّ الشّقاء
لَو عَرَفنا ما تَرَكنا لَيلَةً
- تَنقَضي بَينَ نُعاسٍ وَرقاد
لَو عَرَفنا ما تَرَكنا لَحظَةً
- تَنثَني بَينَ خُلوٍّ وَسُهاد
لَو عرَفنا ما تَرَكنا بُرهَةً
- مِن زَمان الحُبِّ تَمضي بِالبعاد
قَد عَرَفنا الآنَ لَكِن بَعدَما
- هَتَف الوجدان قُوموا وَاِذهَبوا
قَد سَمِعنا وَذَكَرنا عِندَما
- صَرَخ القَبرُ وَنادى اِقتَرِبُوا
هو اليوم لن أنساه ما ظلت باقيا
- وقال الشاعر:[٤]
هو اليوم لن أنساه ما ظلت باقيا
- إذا آب ألفاني وما زلت باآيا
أخير شباب العصر نبلا وهمة
- طفرت العيا إلى العليا فجزت المراقيا
بروحي ذاك الوجه آالبدر مشرقا
- وذاك القوما اللدن آالرمح عاليا
مضت أربع لم تبتسم ضحواتها
- ولم تكن الأيام إلا لياليا
وما نظرت عيني معاهد أنسنا
- سأبكي وأستبكي عليك القوافيا
المراجع
- ↑ “إذا المرء لم ينصف بِقَدرِ جِهَادِهِ”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-20.
- ↑ جبران خليل جبران، “يا أيها الملك الذي حسناته”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-20.
- ↑ جبران خليل جبران، “يا زمان الحب قد ولى الشباب”، www.poetsgate.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-20.
- ↑ جبران خليل جبران، “هو اليوم لن أنساه ما ظلت باقيا”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-20.