قصيدة عن بر الوالدين

العيش ماض فأكرم والديك به

يقول أبو العلاء المعري:

العَيشُ ماضٍ فَأَكرِم والِدَيكَ بِهِ

وَالأُمُّ أَولى بِإِكرامٍ وَإِحسانِ

وَحَسبُها الحَملُ وَالإِرضاعُ تُدمِنُهُ

أَمرانِ بِالفَضلِ نالا كُلَّ إِنسانِ

وَاِخشَ المُلوكَ وَياسِرها بِطاعَتِها

فَالمَلكُ لِلأَرضِ مِثلُ الماطِرِ الساني

إِن يَظلِموا فَلَهُم نَفعٌ يُعاشُ بِهِ

وَكَم حَمَوكَ بِرَجلٍ أَو بِفُرسانِ

وَهَل خَلَت قَبلُ مِن جورٍ وَمَظلَمَةٍ

أَربابُ فارِسَ أَو أَربابُ غَسّانِ

خَيلٌ إِذا سُوِّمَت وَما حُبِسَت

إِلّا بِلُجمٍ تُعَنّيها وَأَرسانِ

وهبتك النصح لو طاوعت من نصحا

يقول الشاعر اللواح:

وهبتك النصح لو طاوعت من نصحا

فقد محضتك مني خلصة النصحا

تقوى الاله فقد أَوصيك فاتقه

تفلح إِذا أَفلحت في الموقف الفلحا

والوالدين فقد أَوصيك برهما

فاغضب إِذا غضبا واصفح إِذا صفحا

رضاهما من رضى الباري عليك فإِن

تغضبهما تلق من إغضابك الترحا

واطلب العلم لو بالصين مجتهداً

واغمض عليه بعقل راسب رزحا

وأَول العلم تعليم القرآن ففي

تعليمه كل منهاج الهدى وضحا

فاحرص عليه ولا تضجر وكن فهما

وللمعلم كن عبداً وكن سمحا

إِن المعلم لم ينصح بغير رضى

واعلم بأنك إِن أَرضيته نصحا

وإِن ختمت فجوِّده لتحفظه

ورابط الدرس في وقتي مسا وضحى

والزم جماعة بيت الله مرتقباً

فيه الفروض وخل الدَمع منسفحا

واقصد لمطلب علم الطب حيث به

يُقوم العقل ذو التكليف والسبحا

وخذ من النحو ما يكفي وخذ لغة

كيما تكون فصيحا مدره الفصحا

ثم الأُصول أُصول الدين ثم تخذ

أَصل الفُروع وفرع الأَصل منشرحا

وما بقي من علوم ما استطعت فخذ

ولا تَكُن ضجراً منها وَلا طلحا

وكن بأَهل التُقى والعلم مقترناً

وَعن آلي الجهل صاري الحبل منتوِحا

صاحب أَخا العلم والتقوى وكن فهما
فيما يفيدك واحفظ كل ما شرحا

أَهل العلوم نجوم يستضاء بها

إِذا تراكم ليل الجَهل وانسدحا

تلقى بناديهم الخيرات حاضرة

والعقل والنور والبرهان والمنحا

كن منهم حيثما كانوا على ثقة

واقطع سواهم وخذ في الوزن ما رجحا

فالمرء يحشر مع من قد أَحب فكن

في الصالحين تلاقي اللَه مصطلحا

فكل مقرّب لِلّه مقترب

منهم ومنتزح عنهم فقد نزحا

وقيل إِن قرين المرء يشبهه

فاختر لنفسك إِن وفقت ما صلحا

إِن الحليم إِذا صاحبته نفحت

لك الخلائق منه كالكبا نفحا

وذو اللامة إِن صافيته كدرت

أَخلاقه وإِذا حسنته قبحا

عادي الحليم ولا تصحب أَخا حمق

هيهات ما السفهاء الحمقى كالصلحا

لا تأمن الأحمق الطياش نصحته

كم منه دارت على رأس الصديق رحا

من يصحب الأَحمق الثرثار غودر في

بحر من الجهل يغرقه ولو سبحا

واحذر أَخوّة من لو شئت نصحته

عن جهله لم يحد كن عنه منتزحا

إِن البضاعة لم تُجلب لموسمها

إِلا لانفاقها أَو ربُّها ربحا

وعز نفسك عما فات مطلبه

ولا تكن بنمو المقتنى فرحا

وَإِن قدرت على خير لتفعله

أَسرع وخالف هو الشيطان والبرحا

وإِن تعرض باب الشر منغلقاً

دعه وَأَغلقه إِن لاقاكَ مفتتحا

وإِن توددعتَ اَسرارا فكن أُذنا

صماء ما سمعت في الحال ما شرحا

وَإِن قعدت بناد كن به جبلا

وإِن دعتك الورى كن بارقاً لمحا

وَإِن سكت فكن ذا فكرة وإِذا

نطقت فليبد منك المنطق الملحا

وقد يقال كلام المرء نسبته

إِن الإِناء بما في بطنه رشحا

ولاق ضيفك طلق الوجه مبتسماً

ولو تعبَّس وجه الدهر مكتلحا

فللكريم خلال يستدل بها

إِن سيل أَعطي ولم يمنن إِذا سمحا

واصبر على غصص الدنيا وكن جلدا

كم عارض قبل ما يسقي أمحى وصحا

إِني امرؤ قد عرفت الدهر معرفة

أَكلاً وشرباً ومسموعا وملتمحا

وقد حلبت من الأَيام أَشطرها
وقد قدحت زناد الدَهر فاقتدحا

فكدت أَعلم ما كنت ضمائرهم

ولو أَردت بها التصريح لانصرحا

دنياهم ميتة قد شمتُها بَرَكَت

وَخيرهم فهو كلب حولها نبحا

فاستعن باللَه عنهم هبه متكلا

عليه تنجح ويا فوز امرئ نجحا

وقد نصحتك يا بر الفؤاد وكم

من ناصح كان أَولى منك لو نُصحا

أَهداك أَعمى ومنهاج الهدى وضحا

فطاح في هوة الاضار وافتضحا

يا رب عفوك أَجري غير منسمح

إِلا بلطفك يغدو الأَمر منسمحا

فاصفح عن المذنب الجاني فأنت به

أَولى وَأَجدر من أَعطى ومن سمحا

إلى الله أشكو فقد لبنى كما شكا

يقول الشاعر قيس بن ذريح:

إِلى اللَهِ أَشكو فَقدَ لُبنى كَما شَكا

إِلى اللَهِ فَقدَ الوالِدَينِ يَتيمُ

يَتيمٌ جَفاهُ الأَقرَبونَ فَجِسمُهُ

نَحيلٌ وَعَهدُ الوالِدَينِ قَديمُ

بَكَت دارُهُم مِن نَأيِهِم فَتَهَلَّلَت

دُموعِ فَأَيُّ الجازِعينَ أَلومُ

أَمُستَعبِراً يَبكي مِنَ الشَوقِ وَالهَوى

أَما خَرَ يَبكي شَجوَهُ وَيَهيمُ

تَهَيَّضَني مِن حُبِّ لُبنى عَلائِقٌ

وَأَصنافُ حُبٍّ هَولُهُنَّ عَظيمُ

وَمَن يَتَعَلَّق حُبَّ لُبنى فُؤادُهُ

يَمُت أَو يَعِش ما عاشَ وَهوَ كَليمُ

فَإِنّي وَإِن أَجمَعتُ عَنكِ تَجَلُّداً

عَلى العَهدِ فيما بَينَنا لَمُقيمُ

وَإِنَّ زَمانا شَتَّتَ الشَملَ بَينَنا

وَبَينَكُمُ فيهِ العِدى لَمَشومُ

أَفي الحَقِّ هَذا أَنَّ قَلبَكِ فارِغٌ

صَحيحٌ وَقَلبي في هَواكِ سَقيمُ

سألوني لم لم أرث أبي

يقول الشاعر أحمد شوقي:

سَأَلوني لِمَ لَم أَرثِ أَبي

وَرِثاءُ الأَبِ دَينٌ أَيُّ دَين

أَيُّها اللُوّامُ ما أَظلَمَكُم

أَينَ لي العَقلُ الَّذي يُسعِدُ أَين

يا أَبي ما أَنتَ في ذا أَوَّلٌ

كُلُّ نَفسٍ لِلمَنايا فَرضُ عَين

هَلَكَت قَبلَكَ ناسٌ وَقُرى

وَنَعى الناعونَ خَيرَ الثِقَلَين

غايَةُ المَرءِ وَإِن طالَ المَدى

آخِذٌ يَأخُذُهُ بِالأَصغَرَين

وَطَبيبٌ يَتَوَلّى عاجِزاً

نافِضاً مِن طِبَّهُ خُفَّي حُنَين

إِنَّ لِلمَوتِ يَداً إِن ضَرَبَت

أَوشَكَت تَصدَعُ شَملَ الفَرقَدَين

تَنفُذُ الجَوَّ عَلى عِقبانِهِ

وَتُلاقي اللَيثَ بَينَ الجَبَلَين

وَتَحُطُّ الفَرخَ مِن أَيكَتِهِ

وَتَنالُ البَبَّغا في المِئَتَين

أَنا مَن ماتَ وَمَن ماتَ أَنا

لَقِيَ المَوتَ كِلانا مَرَّتَين

نَحنُ كُنّا مُهجَةً في بَدَنٍ

ثُمَّ صِرنا مُهجَةً في بَدَنَين

ثُمَّ عُدنا مُهجَةً في بَدَنٍ

ثُمَّ نُلقى جُثَّةً في كَفَنَين

ثُمَّ نَحيا في عَلِيٍّ بَعدَنا

وَبِهِ نُبعَثُ أولى البِعثَتَين

اِنظُرِ الكَونَ وَقُل في وَصفِهِ

كُلُّ هَذا أَصلُهُ مِن أَبَوَين

فَإِذا ما قيلَ ما أَصلُهُما

قُل هُما الرَحمَةُ في مَرحَمَتَين

فَقَدا الجَنَّةَ في إيجادِنا

وَنَعِمنا مِنهُما في جَنَّتَين

وَهُما العُذرُ إِذا ما أُغضِبا

وَهُما الصَفحُ لَنا مُستَرضِيَين

لَيتَ شِعري أَيُّ حَيٍّ لَم يَدِن

بِالَّذي دانا بِهِ مُبتَدِأَين

وَقَفَ اللَهُ بِنا حَيثُ هُما

وَأَماتَ الرُسلَ إِلّا الوالِدَين

ما أَبي إِلّا أَخٌ فارَقتُهُ

وُدُّهُ الصِدقُ وَوُدُّ الناسِ مَين

طالَما قُمنا إِلى مائِدَةٍ

كانَتِ الكِسرَةُ فيها كِسرَتَين

وَشَرِبنا مِن إِناءٍ واحِدٍ

وَغَسَلنا بَعدَ ذا فيهِ اليَدَين

وَتَمَشَّينا يَدي في يَدِهِ

مَن رَآنا قالَ عَنّا أَخَوَين

نَظَرَ الدَهرُ إِلَينا نَظرَةً

سَوَّتِ الشَرَّ فَكانَت نَظرَتَين

يا أَبي وَالمَوتُ كَأسٌ مُرَّةٌ

لا تَذوقُ النَفسُ مِنها مَرَّتَين

كَيفَ كانَت ساعَةٌ قَضَّيتَها

كُلُّ شَيءٍ قَبلَها أَو بَعدُ هَين

أَشَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَةً

أَم شَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَتَين

لا تَخَف بَعدَكَ حُزناً أَو بُكاً

جَمَدَت مِنّي وَمِنكَ اليَومَ عَين

أَنتَ قَد عَلَّمتَني تَركَ الأَسى

كُلُّ زَينٍ مُنتَهاهُ المَوتُ شَين

لَيتَ شِعري هَل لَنا أَن نَلتَقي

مَرَّةً أَم ذا اِفتِراقُ المَلَوَين

وَإِذا مُتُّ وَأودِعتُ الثَرى

أَنَلقَّى حُفرَةً أَو حُفرَتَين