أجمل بيت شعر في الحب
الغزل في التّاريخ العربي
عرف العرب الغزل في العصر الجاهليّ وعمّقوا نسيجه في قصائدهم، وحكوا حكايات قصصهم ومغامراتهم شعراً موضّحاً انفعالاتهم ومشاعرهم، فصار بذلك جزءً أساسيّاً من نسيج القصيدة العربيّة وأعمدتها، بالانتقال إلى العصر الإسلامي تجد أن الغزل تضاءل وجوده من قصائد الشّعراء رغم أنَّ الرّسول عليه السّلام لم يمنع منه غير الفاحش، فقد أراد للغزل ألّا يكون فيه تعرُّض للمرأة وخَدْشٌ لحيائها، ومع انقضاء هذا العصر انتقالاً إلى العصر الأمويّ والعبّاسي توسّعت الفتوحات الإسلامية، واختلط المسلمون بالعديد من الأقوام التي أعادت لهم نظرة التّحرر للمرأة، وبهذا استقلت قصيدة الغزل بنفسها، وصار على النُّقاد تقسيم الغزل إلى أنواع: غزلٌ صريح، وغزل عفيف، ثمّ درسوا خصائص كلّ منهما فوجدوا أنَّ الشّعراء مالوا إلى الأوزان العروضيّة القصيرة والمليئة باللّحن الموسيقيّ، كبحر الخفيف، والوافر، والسّريع، وكلها تناسب الشّعر الذي تطوّر بعدها ليصبح شعراً غنائيّاً، واستعملوا فيه الألفاظ الرّشيقة الحضريّة السّهلة الخالية من طابع البداوة الخشن، فجاء شعرهم مفعماً بأحاسيس الحبّ، واللّوعة، وطهارة النّفوس، ومسحات من الحزن واليأس، أمّا في فترة ما بعد العبّاسية نجد أنّ شعر الغزل قد تراجع ليسيطر الشّعر الصّوفي على كلّ مشاعرهم، أمّا حديثاً، فقد أبدع الشّعراء جميل الشّعر الذي يزيد من شرارة الحبّ ويصف حالة المحبّين.
شعر في الحب
الآتي أجمل أبيات الشّعر في الحبّ:
العصر الجاهلي
ومنه ما قاله امرؤ القيس، وعنترة بن شدّاد، والأعشى.
امرؤ القيس
تعتبر معلقة امرؤ القيس قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل التي أُخذت منها هذه الأبيات من أشهر المعلقات، وقد كتب القصيدة في القرن السادس الميلادي وهي من أجود ما قيل في الشعر العربي، وقد نظمت أبياتها على البحر الطويل، وقد اختلف الرواة في عدد أبيات المعلقة فمنهم من قال إنّها 77 بيتاً، وقال آخرون إنّها 81 بيتاً، وقيل إنّها 92 بيتاً، ومن أبيات هذه القصيدة ما يأتي:[١]
أغرك منـي أن حبـك قاتلـي
- وأنـك مهمـا تأمـري القلـب يفعـل
أجارتنا إنّ الخطوب تنوب
- واني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنّا غريبان هاهنا
- وكل غريب للغريب نسيب
فأن تصلينا فالقرابة بيننا
- وإن تصرمينا فالغريب غريب
اجارتنا مافات ليس يؤؤب
- وماهو آت في الزّمان قريب
وليس غريباً من تناءت دياره
- ولكن من وارى التّراب غريب
عنترة بن شدّاد
- يقول عنترة بن شداد:[٢]
لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم
- ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا ً
عتبتُ صروفَ دهري فيكِ حتى
- فَني وأَْبيكِ عُمْري في العِتابِ
وَلاقيْتُ العِدى وحفِظتُ قوْماً
- أضاعُوني وَلمْ يَرْعَوا جَنابي
- كما قال عنترة بن شداد أيضاً:[٣]
سَلا القلبَ عَمّا كان يهْوى ويطْلبُ
- وأصبحَ لا يشكو ولا يتعتبُ
صحا بعدَ سُكْرٍ وانتخى بعد ذِلَّةٍ
- وقلب الذي يهوى العلى يتقلبُ
إلى كمْ أُداري من تريدُ مذلَّتي
- وأبذل جهدي في رضاها وتغضبُ
الأعشى
الأعشى هو ميمون بن قيس بن جندل بن أسد بن ربيعة بن نزار، وقد لقب بالأعشى لأنّ بصره كان ضعيفاً، والأعشى لغةً هو الذي لا يمكنه الرؤية في الليل، كما عُرف باسم الأعشى الأكبر وأعشى قيس، ويعتبر الأعشى من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وكثرت الألفاظ الفارسية في شعره؛ لأنّه كان يكثر من زيارة الملوك من العرب والفرس، وقد كان غزير الشعر ولم يكن أحد من الذين كانوا قبله أكثر شعراً منه:[٤]
يضاحكُ الشّمسَ منها كوكبٌ شرقٌ
- مُؤزَّرٌ بِعَمِيمِ النّبْتِ مُكْتَهِلُ
يَوْماً بِأطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ
- ولا بأحسنَ منها إذْ دنا الأصلُ
علّقتها عرضاً، وعلقتْ رجلاً
- غَيرِي، وَعُلّقَ أُخرَى غيرَها الرّجلُ
وَعُلّقَتْهُ فَتَاة ٌ مَا يُحَاوِلُهَا
- مِنْ أهلِها مَيّتٌ يَهذي بها وَهلُ
وَعُلّقَتْني أُخَيْرَى مَا تُلائِمُني
- فاجتَمَعَ الحُبّ حُبّاً كُلّهُ تَبِلُ
فَكُلّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بصَاحِبِهِ
- نَاءٍ وَدَانٍ، وَمَحْبُولٌ وَمُحْتَبِلُ
عصر صدر الإسلام
ومنه ما قاله كعب بن زهير، وحسّان بن ثابت، وعمر بن أبي ربيعة، وقيس بن الملوّح الأبيات الآتية:
كعب بن زهير
كعب بن زهير هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، وقد عاش عصرين مختلفين عصر الجاهلية وعصر الإسلام، أخذ الأعشى الشعر عن أبيه هو وأخيه، ويعتبر زهير من الفحول المخضرمين، وكان عمر بن الخطاب لا يقدم شاعراً عليه، حيث كتب في جميع أصناف الشعر تقريباً، منها: الغزل، والهجاء، والرثاء، والفخر والمدح، ومن قصائده في الحب قصيدة بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ ومن أبياتها ما يأتي:[٥]
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
- مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
- إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
- لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت
- كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ
- صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ
- مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت
- ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها
- فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ
فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها
- كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ
وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت
- إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ
كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً
- وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ
- وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ
فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت
- إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ
أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها
- إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ
وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ
- فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ
مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت
- عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ
حسّان بن ثابت
يقول شاعر الرسول حسان بن ثابت:[٦]
ما بَالُ عَين دموعُها تَكِفُ
- مِن ذكْرِ خَوْدٍ شَطّتْ بها قَذَفُ
بَانَتْ بها غَرْبَة ٌ تَؤمُّ بهَا
- أرْضاً سِوَانَا والشَّكْلُ مُختلِفُ
ما كنتُ أدري بوَشْكِ بينِهِمُ،
- حتى رأيتُ الحدوجَ قد عزفوا
فغادروني، والنفسُ غالبها
- ما شَفَّها، والهمومُ تَعتكِفُ
عمر بن أبي ربيعة
عمر بن أبي ربيعة هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن مخزوم، شاعر قرشي وقد كان مشهوراً ولم يكن في قبيلة قريش أشعر منه، أكثر من النوادر والغزل في شعره، وقد لُقب بالعاشق، وهو من شعراء الدولة الأموية من طبقة الأخطل، وجرير، والفرزدق، ومن أشعاره ما يأتي:[٧]
ذكرتكِ يومَ القصرِ قصرِ ابنِ عامرٍ
- بخمٍّ، وهاجتْ عبرة ُ العين تسكبُ
فِظِلْتُ وَظَلَّتْ أَيْنَقٌ بِرِحَالِهَا
- ضوامرُ، يستأنينَ أيانَ أركبُ
أُحَدِّثُ نَفْسي والأَحاديثُ جَمَّة ٌ
- وأَكْبَرُ هَمِّي والأَحاديثِ زَيْنَبُ
إذا طلعتْ شمسُ النهارِ ذكرتها
- وأحدثُ ذكراها إذا الشمسُ تغرب
وإنّ لها، دونَ النساءِ، لصحبتي
- وحفظيَ والأَشْعَارَ، حِينَ أُشَبِّبُ
وإنَّ الذي يبغي رضاي بذكرها
- إليَّ، وإعجابي بها، يتحبّب
إذا خَلَجَتْ عَيْني أَقُولُ لَعَلَّها
- لِرُؤْيَتِها تَهْتَاجُ عَيْني وَتَضْرِبُ
إذا خدرتْ رجلي أبوحُ بذكرها
- لِيَذْهَبَ عَنْ رِجْلي الخُدُورُ فَيَذهَبُ
قيس بن الملوح
- يقول قيس بن الملوح:[٨]
تَوَسَّدَ أحْجَارَ المَهَامِهِ وَالْقَفْرِ
- وَمَاتَ جَريحَ الْقَلْب مَنْدَمِلَ الصَّدْرِ
فيا ليت هذا الحب يعشق مرة
- فيعلم ما يلقى المحب من الهجر
العصر الأمويّ
ومنه ما قاله عروة بن حزام، وجميل بثينة، وقيس بن ذريح، والأحوص.
عروة بن حزام
عروة بن حزام هو عروة بن حزام بن مهاجر الضني من بني عذرة، يُعدّ من متيمي العرب فقد كان يحب ابنة عمه عفراء التي نشأ معها في بيت واحد، وقد تقدم عروة لخطبتها ولكنّ عمه طلب مهراً كبيراً لا يقدر عليه عروة، فذهب عروة إلى عم له في اليمن ليأتي بالمهر، ولما عاد كان عفراء قد تزوجت برجل أموي من الشام فضنى حباً، ومن أبياته الشعرية ما يأتي:[٩]
وإنّي لتعروني لذكراكِ رعدةٌ
- لها بين جسمي والعظامِ دبيبُ
وما هوَ إلاّ أن أراها فجاءةً
- فَأُبْهَتُ حتى مَا أَكَادُ أُجِيبُ
وأُصرفُ عن رأيي الّذي كنتُ أرتئي
- وأَنْسى الّذي حُدِّثْتُ ثُمَّ تَغِيبُ
وَيُظْهِرُ قَلْبِي عُذْرَهَا وَيُعينها
- عَلَيَّ فَمَا لِي فِي الفُؤاد نَصِيبُ
وقدْ علمتْ نفسي مكانَ شفائها
- قَرِيباً وهل ما لا يُنَال قَرِيبُ
حَلَفْتُ بِرَكْبِ الرّاكعين لِرَبِّهِمْ
- خشوعاً وفوقَ الرّاكعينَ رقيبُ
لئنْ كانَ بردُ الماءِ عطشانَ صادياً
- إليَّ حبيباً، إنّها لحبيبُ
وَقُلْتُ لِعَرَّافِ اليَمَامَةِ داونِي
- فَإنَّكَ إنْ أَبْرَأْتَنِي لَطَبِيبُ
فما بي من سقمٍ ولا طيفِ جنّةٍ
- ولكنَّ عَمِّي الحِمْيَريَّ كَذُوبُ
عشيّة َ لا عفراءُ دانٍ ضرارها
- فَتُرْجَى ولا عفراءُ مِنْكَ قَريبُ
فلستُ برائي الشّمسِ إلا ذكرتها
- وآلَ إليَّ منْ هواكِ نصيبُ
ولا تُذكَرُ الأَهْواءُ إلاّ ذكرتُها
- ولا البُخْلُ إلاّ قُلْتُ سوف تُثِيبُ
وآخرُ عهدي منْ عفيراءَ أنّها
- تُدِيرِ بَنَاناً كُلَّهُنَّ خَضيبُ
عشيّة َ لا أقضي لنفسي حاجة ً
- ولم أدرِ إنْ نوديتُ كيفَ أجيبُ
عشيّة لا خلفي مكرٌّ ولا الهوى
- أَمَامي ولا يَهْوى هَوايَ غَرِيبُ
فواللهِ لا أنساكِ ما هبّتِ الصّبا
- وما غقبتها في الرّياحِ جنوبُ
فَوَا كَبِدًا أَمْسَتْ رُفَاتاً كَأَنَّمَا
- يُلَذِّعُهَا بِالمَوْقِدَاتِ طَبِيبُ
بِنَا من جَوى الأَحْزَانِ فِي الصّدْرِ لَوْعَة ٌ
- تكادُ لها نفس الشّفيقِ تذوبُ
ولكنَّما أَبْقَى حُشَاشَة َ مُقْولٍ
- على ما بِهِ عُودٌ هناك صليبُ
وما عَجَبِي مَوْتُ المُحِبِّينَ في الهوى
- ولكنْ بقاءُ العاشقينَ عجيبُ
جميل بثينة
- يقول جميل بثينة:[١٠]
خَليلَيَ فيما عشتما هل رأيتمـا
- قتيـلا بكـى مـن حـب قاتلـه قبلـي
ارحَمِيني، فقد بلِيتُ، فحَسبي
- بعضُ ذا الداءِ، يا بثينة ُ، حسبي
لامني فيكِ، يا بُثينة ُ، صَحبي
- لا تلوموا ، قد أقرحَ الحبُّ قلبي
زعمَ الناسُ أنّ دائيَ طِبّي
- أنتِ، والله، يا بُثينة ُ، طِبّي
- كما قال جميل بثينة أيضاً:[١١]
لما دنا البينُ، بينَ الحيَّ، واقتسموا
- حبلَ النوى ، فهو في أيديهم قطعُ
جادتْ بأدمُعِها ليلى ، وأعجلني
- وشكُ الفراقِ، فما أبقي وما أدعُ
يا قلبُ ما عيشي بذي سلمٍ
- لا الزمانُ، الذي قد مرّ، مرتجعُ
أكلّما بانَ حَيٌّ، لا تُلائِمهمْ
- ولا يُبالونَ أنْ يَشتاقَ مَن فجَعوا
علقتني بهوى ّ مردٍ، فقد جعلتْ
- من الفِراقِ، حَصاة ُ القلب تَنصدِعُ
قيس بن ذريح
قيس بن ذريح لُقّب بمجنون لبنى وهو شاعر غزل عربي، متيم، من الحجاز، عاش في القرن الأول من الهجرة في فقرة خلافة أبي بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، ومعاوية، لم يكن قيس مجنونا ولكنّه لُقّب بذلك لشدة حبه للبنى التي تربى معها وعشقها، ثمّ تزوجها، وبعد ذلك طلقها لإنّها لا تنجب، فتزوجت بعده وعاد قيس إلى حبها وساءت حالته بعد أن رآها، فسألها زوجها إذا كانت ترغب في البقاء معه أو يطلقها لتعود لقيس، فاختارت الطلاق ورجعت إليه ولكنّها بعد ذلك ماتت ومات قيس حزناً عليها، ومن أبياته الشعرية ما يأتي:[١٢]
وإني لأهوى النوم في غير حينـه
- لعـل لقـاء فـي المنـام يكـون
يقرُّ بِعيني قُربُها ويزيدني
- بها كلفاً من كان عِنْدي يَعيْبُها
وكَمْ قائلٍ قد قال تُبْ فعصيتُه
- وَتِلْكَ لَعَمْرِي تَوْبَة ٌ لا أتُوبُها
فيا نفسُ صبراً لستِ والله فاعلمني
- بِأَوَّلِ نَفْسٍ غَابَ عَنْهَا حَبِيبُها
الأحوص
- يقول الأحوص:[١٣]
مَا عَالَجَ النَّاسُ مِثْلَ الحُبِّ مِنْ سَقَمٍ
- ولا برى مثلهُ عظماً ولا جسدا
ما يلبثُ الحبُّ أنْ تبدو شواهدهُ
- مِن المُحِبِّ، وَإِنْ لَمْ يُبْدِهِ أَبَدَا
العصر العباسي
ومنه ما قاله الشّريف الرضيّ، وبشّار بن برد، وأبو الفضل بن الأحنف، وديك الجن.
الشريف الرضي
الشريف الرضي هو محمد بن الحسين بن موسى لقبه الشريف الرضي، شاعر وفقيه من بغداد، وقد اشتهر الشريف الرضي بالعديد من الأعمال الأدبية من أشهرها كتاب نهج البلاغة، وبالإضافة إلى ديوانه له عدّة كتب، منها: مختار من شعر الصابئ، وخصائص أمير المؤمنين الإمام علي، ومجاز القرآن، والمجازات النبوية، ومن أبياته الشعرية ما يأتي:[١٤]
يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ
- لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ
الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ
- وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي
هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ
- بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ
ثُمَّ اِنثَنَينا إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ
- عَلى الرِحالِ تَعَلَّلنا بِذِكراكِ
سهم أصاب وراميه بذي سلم
- مَن بالعِرَاقِ، لَقد أبعَدْتِ مَرْمَاكِ
وَعدٌ لعَينَيكِ عِندِي ما وَفَيتِ بِهِ
- يا قُرْبَ مَا كَذَبَتْ عَينيَّ عَينَاكِ
حكَتْ لِحَاظُكِ ما في الرّيمِ من مُلَحٍ
- يوم اللقاء فكان الفضل للحاكي
كَأنّ طَرْفَكِ يَوْمَ الجِزْعِ يُخبرُنا
- بما طوى عنك من أسماء قتلاك
أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ
- فَمَا أمَرّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ
بشار بن برد
- يقول بشار بن برد:[١٥]
يا حُبَّ إِنَّ دواءَ الحُبِّ مفْقُودُ
- إِلاَّ لديْكِ، فهلْ ما رُمْتُ موْجُودُ
قالتْ: عَلَيْكَ بِمَنْ تَهْوَى ، فَقُلْتَ لَهَا
- يَا حُبَّ فُوكِ الْهَوَى وَالْعَيْنُ وَالْجِيدُ
لا تَلْعَبِي بِحَيَاتِي وَاقْطَعِي أمَلي
- صَبْراً عَلَى الْمَوْتِ، إِنَّ الْمَوْتَ مَوْرُودُ
رؤياك تدعو المنايا قبل موقتها
- وإن تنيلي فنيل منك مخلود
أنْتِ الأَمْيِرَة ُ فِي رُوحِي وَفِي جَسَدِي
- فابري وريشي بكفيك الأقاليد
لا تَسْبِقِي بِي حِمَامَ الْمَوْتِ وَانْتَظِري
- يوماً كأن قد طوتني البيض والسود
أبو الفضل بن الأحنف
- يقول أبو الفضل الأحنف:[١٦]
عَبِثَ الحبيبُ وكانَ مِنهُ صُدودُ
- ونأى ولمْ أكُ ذاكَ مِنْهُ أريدُ
يُمسي ويُصبِحُ مُعرِضاً متَغضبِّاً
- وإذا قصَدتُ إليهِ فَهوَ يَحِيدُ
ويَضِنُّ عَنّي بالكَلامِ مُصارماً
- وبمُهجتي وبما يُريدُ أجودُ
إني أحاذِرُ صَدّه وفراقه
- إنّ الفِراقَ على المحبّ شديدُ
يا من دعاني ثمّ أدبرَ ظالماً
- إرجِعْ وأنْتَ مُواصِلٌ مَحمودُ
إني لأكثرُ ذكركمْ فكأنّما
- بعُرى لساني ذِكركمْ مَعقودُ
- كما يقول أبو الفضل بن الأحنف أيضاً:[١٧]
ما ذُقتُ بعَدَكمُ عيشاً سُرِرْتُ به
- ولا رأيتُ لكم عِدْلاً ولا خلفا
إنّي لأعجبُ من قلبٍ يحبُّكُمُ
- وما رأى منكُمُ بِرّاً ولا لَطَفا
لوْلا شَقاوَة ُ جَدّي ما عرَفتُكُمُ
- إنّ الشّقيَّ الذي يشقى بمن عرفا
ما زِلتُ بَعدَكُمُ أهذي بذكركمُ
- كأنَّ ذكرَكمُ بالقلبِ قد رُصفا
- كما قال أيضاً:[١٨]
ياليتَ شِعري وما في ليتَ من فرجٍ
- هل مضى عائدٌ منكم وما سلفا
إصرِفْ فؤادَكَ يا عبّاسُ مُنصرفاً
- عنها يكن عنكَ كَرْبُ الحبِّ منصرفا
ديك الجن
- يقول ديك الجن:[١٩]
حبيبي مقيمٌ على نائهِ
- وقلبي مقيمٌ على رائهِ
حنانيكِ يا أملي دعوة ً
- لِمَنْ صارَ رحمة َ أَعدائِهِ
- وقال ديك الجن أيضاً:[٢٠]
ياكثيرَ الدلِّ والغنجِ
- لك سُلطانٌ على المُهَجِ
إنَّ بيتاً أنتَ ساكنهُ
- غيرُ محتاجٍ إلى السرجِ
وجهكَ المأمولُ حجّتنا
- يومَ يأتي الناس بالحجِ
لا أتاح الله لي فرجاً
- يومَ أدعو منكَب بالفرجِ
العصر الأندلسي
ومنه ما قاله ابن زيدون، وولّادة بنت المُستكفي.
ابن زيدون
ابن زيدون هو أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي، وقد عُرف باسم ابن زيدون، وزير وكاتب وشاعر من الأندلس، أحبّ ولادة بنت المستكفي، وقد برع ابن زيدون في الشعر والنثر وله ديوان شعر تمّ طباعته أكثر من مرة، ومن أبياته الشعرية ما يأتي:[٢١]
لا غَرْوَ في أنْ ذكرْنا الحزْنَ حينَ نهتْ
- عنهُ النُّهَى ، وَتركْنا الصّبْرَ ناسِينَا
إنّا قرَأنا الأسَى ، يوْمَ النّوى سُورَاً
- مَكتوبَة ً، وَأخَذْنَا الصّبرَ تلقينا
أمّا هواكِ، فلمْ نعدِلْ بمَنْهَلِهِ
- شُرْباً وَإنْ كانَ يُرْوِينَا فيُظمِينَا
لمْ نَجْفُ أفقَ جمالٍ أنتِ كوكبُهُ
- سالِينَ عنهُ، وَلم نهجُرْهُ قالِينَا
وَلا اخْتِياراً تَجَنّبْناهُ عَنْ كَثَبٍ
- لكنْ عَدَتْنَا، على كُرْهٍ، عَوَادِينَا
نأسَى عَليكِ إذا حُثّتْ، مُشَعْشَعَة ً
- فِينا الشَّمُولُ، وغنَّانَا مُغنّينَا
لا أكْؤسُ الرّاحِ تُبدي من شمائِلِنَا
- سِيّما ارْتياحٍ، وَلا الأوْتارُ تُلْهِينَا
دومي على العهدِ، ما دُمنا، مُحافِظةً
- فالحرُّ مَنْ دانَ إنْصافاً كما دينَا
فَما استعضْنا خَليلاً منكِ يحبسُنا
- وَلا استفدْنا حبِيباً عنكِ يثنينَا
ولادة بنت المستكفي
- تقول ولادة بنت المستكفي:[٢٢]
أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق
- سبيلٌ فيشكو كلّ صبّ بما لقي
وَقد كنت أوقات التّزاورِ في الشّتا
- أبيتُ على جمرٍ من الشوق محرقِ
فَكيفَ وقد أمسيت في حال قطعة
- لَقد عجّل المقدور ما كنت أتّقي
تمرُّ اللّيالي لا أرى البين ينقضي
- وَلا الصبر من رقّ التشوّق معتقي
سَقى اللَه أرضاً قد غدت لك منزلاً
- بكلّ سكوب هاطل الوبل مغدقِ
العصر الحديث
ومنه ما قاله إيليا أبو ماضي، وبشارة الخوري، ونزار قبّاني.
إيليا أبو ماضي
- يقول إيليا أبو ماضي:[٢٣]
ليت الذي خلق العــــيون السّودا
- خــلق القلـــوب الخفقات حديدا
لولا نواعــســهـا ولولا سحرها
- ما ودّ مـــالك قـــلبه لو صيدا
عَـوذْ فـؤادك من نبال لحـاظها
- أو مـتْ كما شاء الغرام شهيدا
إن أنت أبصرت الجمال ولم تهم
- كنت امرءاً خشن الطّباع ، بليدا
وإذا طــــلبت مع الصّبابة لذّةً
- فــلقد طــلبت الضّائع الموجودا
يا ويـح قـلبي إنـّه في جانبي
- وأظــنه نائي المزار بعـيدا
بشارة الخوري
- يقول بشارة الخوري:[٢٤]
يـا عاقد الـحاجبين على الجبين اللّجين
- إن كنت تقصد قتلي قـتلتني مـرّتين
مـاذا يـريبك مني ومـاهممت بـشين
- أصُـفرةٌ في جبيني أم رعشة في اليدين
تَـمرّ قـفز غزالٍ بين الرّصيف وبيني
- وما نصبت شباكي ولا أذنت لـعيني
تـبدو كأن لاتراني ومـلء عينك عيني
- ومـثل فعلك فعلي ويلي من الأحمقين
مولاي لم تبق مني حـيّاً سوى رمقين
- صبرت حتّى براني وجدي وقرب حيني
ستحرم الشّعر مني وليس هـذا بهين
- أخاف تدعو القوافي عليك في المشرقين
نزار قباني
- يقول نزار قباني:[٢٥]
إشتغلتُ عاماً كاملاً
على قصيدةٍ تلبسينها عام 1980
إلا هدايا القلبْ
إلا أساورَ حناني…
إثْنيْ عشَرَ شهراً.. وأنا أشتغِلْ
كدودة الحرير أشتغِلْ..
مرّةً بخيطٍ ورديّْ..
ومرّةً بخيطٍ برتُقاليّْ..
حيناً بأسلاكِ الذَهَبْ
وحيناً بأسلاكِ الفضَّهْ
لأفاجئكِ بأُغنيَهْ..
تَضَعينها على كتِفَيْكِ كشالِ الكَشْمِيرْ..
ليلةَ رأس السَنهْ..
وتُثيرينَ بها مُخيّلةَ الرجال.. وغيرةَ النساءْ..
فيديو تقاليد الحب القديمة
شاهد هذا الفيديو لتعرف بعض تقاليد الحب القديمة :
مراجع
- ↑ امرؤ القيس، “قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل”، www.adab.com.
- ↑ عنترة بن شداد، “لو كان قلبي معي ما اخترت “، www.aldiwan.net.
- ↑ عنترة بن شداد، “سَلا القلبَ عَمّا كان يهْوى ويطْلبُ”، www.adab.com.
- ↑ الأعشى، “معلقة الأعشي”، www.poetsgate.com.
- ↑ كعب بن زهير، “بانت سعادُ فقلبي اليومَ متبولُ”، www.adab.com.
- ↑ حسان بن ثابت، “ما بَالُ عَين دموعُها تَكِفُ”، al-hakawati.la.utexas.edu.
- ↑ عمر بن أبي ربيعة، “ذكرتكِ يومَ القصرِ قصرِ ابنِ عامرٍ”، al-hakawati.la.utexas.edu.
- ↑ قيس بن الملوح، “تَوَسَّدَ أحْجَارَ المَهَامِهِ وَالْقَفْرِ”، www.adab.com.
- ↑ عروة بن حزام ، “وإنّي لتعروني لذكراكِ رعدةٌ”، www.adab.com.
- ↑ جميل بثينة، “لقد فرحَ الواشون أن صرمتْ حبلي”، www.adab.com.
- ↑ جميل بثينة، “لما دنا البينُ، بينَ الحيَّ، واقتسموا”، www.adab.com.
- ↑ قيس لبنى، “وإنّي لأهوى النَّوْمَ في غَيْرِ حِينِهِ”، www.adab.com.
- ↑ الأحوص، “مَا عَالَجَ النَّاسُ مِثْلَ الحُبِّ مِنْ سَقَمٍ”، www.adab.com.
- ↑ الشريف الرضي، “يا ظبية البان ترعى في خمائله”، www.adab.com.
- ↑ بشار بن برد، “يا حُبَّ إِنَّ دواءَ الحُبِّ مفْقُودُ”، www.adab.com.
- ↑ أبو الفضل بن الأحنف، “عَبِثَ الحبيبُ وكانَ مِنهُ صُدودُ”، www.adab.com.
- ↑ أبو الفضل بن الأحنف، “يا دارَ فوزٍ لقَد أورَثتِني دَنَفا”، www.adab.com.
- ↑ أبو الفضل بن الأحنف، “يا دارَ فوزٍ لقَد أورَثتِني دَنَفا”، www.adab.com.
- ↑ ديك الجن، “حبيبي مقيمٌ على نائهِ”، www.adab.com.
- ↑ ديك الجن، “ياكثيرَ الدلِّ والغنجِ”، www.adab.com.
- ↑ ابن زيدون، “أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا”، www.adab.com.
- ↑ ولادة بنت المستكفي، “أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق”، www.adab.com.
- ↑ إيليا أبو ماضي، “العيون السود”، www.adab.com.
- ↑ بشارة الخوري، “يا عاقد الحاجبين”، www.adab.com.
- ↑ نزار قباني، “قصيدة حبّ 1980”، www.adab.com.