أبيات في الشوق

طال شوقي الى بقاع ثلاث

  • يقول ابن جبير الشاطبي:

طالَ شَوقي الى بقاعٍ ثَلاث

لا تشدّ الرِّحالُ الا اليها

إنَّ للنفسِ في سَماء الأماني

طَائراً لا يَحوم الا عليها

قُصَّ منه الجَناحُ فهو مَهيضٌ

كلَّ يَومٍ يَرجو الوقوع لديها

عاد قلب الشوق إذ عدت عيده

  • يقول ابن سناء الملك:

عادَ قَلبُ الْشُوقِ إِذْ عُدتَ عِيدُه

وَوَفَى وَعْدُه وَوَافَتْ سُعُودُه

وسَقَاهُ مَاءُ الحياةِ فَمَا احْمَرّ

مُحَيَّاً لَه ولا اخْضَرَّ عُودُه

وهنيئاً له السرورُ ولا غَر

وَ فَمَنْ يُبدِي السُّرورَ يُعِيدُه

وهنيئاً له مِنَ الْخَلْقِ لمَّا

جَاءَه مَنْ يَسُوسُه ويَسُودُه

من يودُّ الزَّمَانُ مِنه الرِّضَا عَنه

ولا شَيءَ فِي الزَّمانِ يَؤُوده

مَنْ يُنيم الأَنَامَ أَمْناً ولاَ يُمسكُ

عِقد الوجودِ إِلاَّ وُجُوده

من أَتَتْه الأَيَّامُ مُعْتذِرَات

فأَتى صَفْحُه وَرَاحَتْ حُقُودُه

من أَقَرَّت له الملوكُ وقَالَتْ

هُو سُلطَانُنا ونَحْن عَبيدُه

إِنَّ فَضْل الإِله جَدَّدَ للأَفـ

ـضلِ ما قَدْ بَنَتْه قِدْماً جُدُودُه

وحَبَاه الملكَ الَّذي صدَّعَتْه

وأَبى الله أَنْ يَتِمَّ صُدودُه

ذِيدَ عَنْ مُلْكِه الموكِّل واللهُ

إِليه لاَ عَنْه كَان يَذُودُه

إِنَّ مِصراً ترى به إِرْثَه الأَقْـ
ـدَمَ حَقَّاً أَثاثُه مَوْجُودُه

ملكُه عنْ أَبِيه قَدْ أَكَّدت فيه

عَليهم عُقودُه وعُهودُه

أإن حن مشتاق ففاضت دموعه

  • يقول ابن عنين:

أَإِن حَنَّ مُشتاقٌ فَفاضَت دُموعُهُ

غَدَت عُذَّلٌ شَتّى حَوالَيهِ تَعكُفُ

وَما زالَ في الناسِ المَوَدَّةُ وَالوَفا

فَما لي عَلى حِفظِ العُهودِ أُعَنَّفُ

نَعَم إِنَّني صَبٌّ مَتى لاحَ بارِقٌ

مِنَ الغَربِ لا تَنفَكُّ عَينيَ تَذرِفُ

وَما قيلَ قَد وافى مِنَ الشامِ مُخبِرٌ

عَنِ القَومِ إِلّا أَقبَلَ القَلبُ يَرجفُ

وَأُعرِضُ عَن تَسآلِهِ عَنكَ خيفَةً

إِذا خَفَّ كُلٌّ نَحوَهُ يَتَعَرَّفُ

فَكَيفَ اِحتِيالي بِاللَيالي وَصَرفُها

بِضِدِّ مُرادي دائِماً يَتَصَرَّفُ

أُحاوِلُ أَن أَمشي إِلى الغَربِ راجِلاً

وَأَحداثُها بي في فَمِ الشَرقِ تَقذِفُ

أهاج لك الشوق القديم خياله

  • يقول الفرزدق:

أَهاجَ لَكَ الشَوقَ القَديمَ خَيالُهُ

مَنازِلُ بَينَ المُنتَضى وَمُنيمِ

وَقَد حالَ دوني السِجنُ حَتّى نَسيتُها

وَأَذهَلَني عَن ذِكرِ كُلِّ حَميمِ

عَلى أَنَّني مِن ذِكرِها كُلَّ لَيلَةٍ

كَذي حُمَةٍ يَعتادُ داءَ سَليمِ

إِذا قيلَ قَد ذَلَّت لَهُ عَن حَياتِهِ

تُراجِعُ مِنهُ خابِلاتِ شَكيمِ

إِذا ما أَتَتهُ الريحُ مِن نَحوِ أَرضِها

فَقُل في بَعيدِ العائِلاتِ سَقيمِ

فَإِن تُنكِري ما كُنتِ قَد تَعرِفينَهُ

فَما الدَهرُ مِن حالٍ لَنا بِذَميمِ

لَهُ يَومُ سَوءٍ لَيسَ يُخطِئُ حَظُّهُ

وَيَومٌ تَلاقى شَمسُهُ بِنَعيمِ

وَقَد عَلِمَت أَنَّ الرِكابَ قَدِ اِشتَكَت

مَواقِعَ عُريانٍ مَكانَ كُلومِ

تُقاتِلُ عَنها الطَيرَ دونَ ظُهورِها

بِأَفواهِ شُدقٍ غَيرِ ذاتِ شُحومِ

أَضَرَّ بِهِنَّ البُعدُ مِن كُلِّ مَطلَبٍ

وَحاجاتُ زَجّالٍ ذَواتُ هُمومِ

وَكَم طَرَّحَت رَحلاً بِكُلِّ مَفازَةٍ

مِنَ الأَرضِ في دَوِّيَّةٍ وَحُزومِ

كَأَحقَبَ شَحّاجٍ بِغَمرَةِ قارِبٍ

بِليتَيهِ آثارٌ ذَواتُ كُدومِ

إِذا زَخَرَت قَيسٌ وَخِندِفُ وَاِلتَقى

صَميماهُما إِذ طاحَ كُلُّ صَميمِ

وَما أَحَدٌ مِن غَيرِهِم بِطَريقِهِم

مِنَ الناسِ إِلّا مِنهُمُ بِمُقيمِ

وَكَيفَ يَسيرُ الناسُ قَيسٌ وَرائَهُم

وَقَد سُدَّ ما قُدّامَهُم بِتَميمِ

سَيَلقى الَّذي يَلقى خُزَيمَةُ مِنهُمُ

لَهُم أُمُّ بَذّاخينَ غَيرَ عَقيمِ

هُما الأَطيَبانِ الأَكثَرانِ تَلاقَيا

إِلى حَسَبٍ عِندَ السَماءِ قَديمِ

فَمَن يَرَ غارَينا إِذا ما تَلاقَيا

يَكُن مَن يَرى طَودَيهِما كَأَميمِ

أَبَت خِندِفٌ إِلّا عُلُوّاً وَقَيسُها

إِذا فَخَرَ الأَقوامُ غَيرَ نُجومِ

وَنَحنُ فَضَلنا الناسَ في كُلِّ مَشهَدٍ

لَنا بِحَصىً عالٍ لَهُم وَحُلومِ

فَإِن يَكُ هَذا الناسُ حَلَّفَ بَينَهُم

عَلَينا لَهُم في الحَربِ كُلَّ غَشومِ

فَإِنّا وَإِيّاهُم كَعَبدٍ وَرَبِّهِ

إِذا فَرَّ مِنهُ رَدَّهُ بِرُغومِ

وَقَد عَلِمَ الداعي إِلى الحَربِ أَنَّني

بِجَمعِ عِظامِ الحَربِ غَيرُ سَؤومِ

إِذا مُضَرُ الحَمراءُ يَوماً تَعَطَّفَت

عَلَيَّ وَقَد دَقَّ اللِجامَ شَكيمي

أَبَوا أَن أَسومَ الناسَ إِلّا ظُلامَةً

وَكُنتُ اِبنَ ضِرغامِ العَدُوِّ ظَلومِ

سيل أشواقي

  • يقول عبدالرحمن العشماوي:

مُقِلٌ ولكن بهمَّتي الأغنى

فما أشتكي نقصاً ولا أشتكي غَبْنا

أميرةَ قلبي لستُ بالشاعرِ الذي

يُقدِّمُ باليُسرى ويأخُذُ باليُمنى

ولستُ الذي أصغي لكلِّ ناعقٍ

إذا سمعَ الأبواقَ أصغى لها الأُذُنا

ولستُ الذي يخلو من الحبِّ قلبُهُ

ويطعنُ ظهرَ الواثقينَ بهِ طعْنا

تعلَّمتُ من صفو الحياةِ وبؤسه

دروساً عليها ظهرُ طالبها يُحنى

فَطِنتُ إليها منذُ أنْ غرَّد الصِّب

وحرَّكَ أشواقاً غدوتُ بهام ُضنى

وأجرى بحارالشوقِ في نبضِ خاطري

فلا تسألي ماذا رأينا وما ذُقنا

أُحبُّكِ لو أنَّ البلابلَ أدْركتْ

حقيقةَ هذا الحبِّ ما ادَّخرتْ لحْنَا

ولو أنَّ حبي مدَّ للكونِ كفَّهُ

لما قدَّرتْ ليلى هواها ولا لُبنى

ولو أنَّ تياراً منَ السيلِ جارف

تحدَّرَ منْ أعلى الجبالِ إلى الأدْنى

ووطَّأ أكنافَ الهضابِ وساقه

وحوَّلها من بعدِ شدَّتها عِهْنا

وسارَ إلى طول البلادِ وعرْضه

ولمْ يُبقِ سقفاً للبيوتِ ولا رُكنا

ولم يُبقِ للأقدامِ فيها مواضِع

ولمْ يُبقِ للناجينَ من سيلِهِ سُكْنى

وحوَّلَ آثار البلادِ ولم يدعْ

لأحْسنها في مُقْلتيّ ناظرٍ حُسْنا

وغيَّرها سهلاً وتلاًّ وروضةً

ولمْ يُبقِ للأشجارِ جِذعاً ولا غُصنا

شوق يروح مع الزمان ويغتدي

  • يقول إيليا ابو ماضي:

شَوقٌ يَروحُ مَعَ الزَمانِ وَيَغتَدي

وَالشَوقُ إِن جَدَّدتَهُ يَتَجَدَّدِ

دَع عَنكَ نُصحي بِالتَبَلُّدِ ساعَةً

يا صاحِ قَد ذَهَبَ الأَسى بِتَبَلُّدي

ما زادَ في أَسَفِ الحَزين وَشَجوِهِ

شَيءٌ كَقَولِكَ لِلحَزينِ تَجَلَّدِ

ما زُلتُ أَعصيهِ إِلى أَن هاجَني

ذِكرُ الحِمى فَعَصَيتُ كُلَّ مُفَنَّدِ

وَأَطارَ عَن جَفني الكَرى وَأَطارَني

عَن مَرقَدي مَشيُ الهُمومِ بِمَرقَدي

في جُنحِ لَيلٍ مِثلِ حَظّي حالِكٍ

كَالبَحرِ ساجٍ مُقفِرٍ كَالفَدفَدِ

أَقبَلتُ أَنظُرُ في النُجومِ مُصَعِّداً

عَينَيَّ بَينَ مُصَوِّب وَمُصَعِّدِ

أَو واجِفٍ أَو راجِفٍ مُتَرَجرِجِ

أَو نافِرٍ أَو حائِرٍ مُتَرَدِّدِ

يَمشينَ في هَذا الفَضاء وَفَوقَهُ

يَمشينَ فَوقَ الأَكبُدَ

وَالبَدرُ مُنبَعِثُ الشُعاعِ لَطيفُهُ

صافٍ كَذِهنِ الشاعِرِ المُتَوَقِّدِ

ما زالَ يَنفُذُ في الدُجى حَتّى اِستَوى

فيهِ فَيا لَكَ أَبيَضاً في أَسوَدِ

وَالشُهبُ تَلمَعُ في الرَفيعِ كَأَنَّها

أَحلامُ أَرواحِ الصِغارِ الهُجَّدِ