أشعار الجواهري الغزلية

عاطفات الحب

عاطفات الحبِّ ما أبْدَعَها

هذّبتْ طبعي وصفَّتْ خُلُقي

حُرَقٌ تملاء روحي رقةٍ

أنا لا أُنكِرُ فضلِ الحُرَق

أنا باهَيْتُ في الهوى

لا بشوقي أين من لم يَشْتَق

ثق بأن القلبَ لا تشغَلُهُ

ذكرياتٌ غيرُ ذكراك ثق

لستَ تدري بالذي قاسيتُهُ

كيف تدري طعمَ ما لم تَذُق

لم تدعْ مِنّيَ إلا رَمَقاً

وفداءٌ لك حتى رمقي

مُصبحي في الحزن لا أكرهُهُ

إنما أطيبُ منه مَغْبَقي

إن هذا الشعر يشجي نقلُهُ

كيف لو تسمعُه من منطقي

ربّ بيتٍ كسرت نبرته

زفرات أخذت في مخنقي

أنا ما عشت على دين الهوى

فهواكم بَيْعةٌ في عنقي

بديعة

هُزِّي بنصفِكِ واتركي نصفا

لا تحذَري لقَوامكِ القصفا

فبحَسْبِ قدِّكِ أنْ تُسنِّدَه

هذي القلوبُ، وإنْ شكتْ ضَعفا

أُعجبتُ منكِ بكلِّ جارحةٍ

وخصَصتُ منكِ جفونَك الوَطفا

عشررنَ طرفاً لو نُجمِّعها

ما قُسِّمتْ تقسيمَكِ الطرفا

تُرضينَ مُقترباً ومُبتعِداً

وتُخادعِينَ الصفَّ فالصفّا

أبديعةٌ ولأنتِ مُقبِلةً

تستجمعينَ اللُّطفَ والظَّرفا

ولأنتِ إنْ أدبرتِ مُبديةٌ

للعينِ أحسنَ ما ترى خَلْفا

هُزِّي لهم رِدفاً إذا رغِبوا

ودعي لنا ما جاورَ الرِّدفا

ملءُ العيونِ هما وخيرُهما

ما يملأُ العينينِ والكفّا

وكلاهما حسنٌ وخيرُهما

ما خفَّ محمِلُه وما شفّا

هذا يرفُّ فلا نُحِسُّ بهِ

ويهزُّنا هذا إذا رَفّا

وتصوّري أنْ قد أتتْ فُرَصٌ

تقضي بخطفِ كليهما خطفا

فبدفَّتَيهِ ذاكَ يُبهضنا

في حينَ ذاكَ لرقةٍ يخفى

ونَكِلُّ عن هذا فنَطْرَحُهُ

ونُحِلُّ هذا الجيبَ والرفا

ونزورُه صبحاً فنلثِمُهُ

ونَضُمُّهُ ونَشَمُّهُ ألفا

ونَبُلُّهُ بدمِ القلوبِ ، وإنْ

عزَّتْ ، ونُنعِشُهُ إذا جفا

إليها

تَهَضَّمَني قَدُّكِ الأهيفُ

وألهَبَني حُسنُك المُترَفُ

وضايَقَني أنَّ ذاك المِشَّدَ

يضيقُ به خَصرُك المُرهَف

وقد جُنَّ وركُكِ من غَيظِه

سَمينٌ يُناهِضُه أعجَف

فداءً لعَينَيك كلُّ العيون

أخالَط جفنيهِما قَرْقفَ

كأنّي أرى القُبَلَ العابثاتِ

من بينِ مُوقَيهِما تَنْطِف

ورعشةَ أهدابِك المثقلاتِ

على فرْط ما حُمِّلَت تَحْلِف

كما الليلُ صَبَّ السَوادَ المُخيفَ

صَبَّ الهوى شعرُك الأغدَف

تَلَبَّدَ مِثلَ ظَليلِ الغمام

وراحتْ به غُمَمٌ تُكْشَف

أطار الغرورَ نثيرُ الجديلِ على

دَورة البَدر اذ يُعقفَ

وراحَ الحُلُي على المِعصمَين

على قَدَمَيكِ وتَستَعطِف

وطوعَ يَدَيك كما تَشْتَهين

حياةٌ تجَدَّدُ او تَتْلَف

مُنى النفسِ إنّ على وَجنَتيكِ

من رَغبةٍ ظُلَلاً تزحف

تَعالي نَصُنْ مقلةً يرتمي

بها شَرَرٌ وفماً يَرجِف

ونُطاقْ من الاسر رُوحاً

تجيشُ في قفصٍ من دمٍ ترسِف

تعالي أُذقْكِ فكلُّ الثمار

تَرفُّ ونوارُها يقطَف

صِراعٌ يطولُ فكمْ تهدفين إلى

الروح مني وكم أهدِف

إلى الجسم مِنكِ وكم تَعرِفين

أين المَحَزُّ وكم أعرِف

وما بينَ هذينِ يمشي الزمانُ

ويُفنى مُلوكاً ويستخلِف

وميطي الرِداء عن البُرعُمَين

يَفِضْ عَسلٌ منهما يَرعُف

ومُرِّي بكفي تَشُقُّ الطريقَ

لعاصفةٍ بهما تعصِف

أميلى فيَنبوعُ هذا الجمالِ

إلى أمَدٍ ثم يُستَنزَف

وهذا الشبابُ الطليقُ العنان

سيُكْبَحُ منه ويُستوقَف

أميلي فسيفُ غدٍ مُصلَتٌ

علينا وسمْعُ القَضا مُرهَف

عِدي ثُمَّ لا تُخلِفي فالحمام

صُنوك في العنفِ لا يُخلِف

خَبَرتُ العنيفَ من الطارئات

ما يَستميلُ وما يقصِف

وذُقتُ من الغِيد شرَّ السُموم

طعْماً يُميتُ ويُستَلْطَف

وخضتُ من الحُبِّ لُجِّيه

على مَتن جِنيَّة أُقذَف

فلا والهوى ما استَفزَّ الفؤادَ

الطفُ منكِ ولا أعنَف

الأحاديث شجون

جَدِّدي ريحَ الصبَا عهد الصِبا

وأعيدي فالأحاديثُ شُجونُ

إن أباحتْ لكِ أربابُ الهَوى

سِرَّه فالحكمُ عندي أن يصونوا

جدِّدي عهدَ أمانيه التي

قُرِنَ العيشُ بِها نِعمَ القرين

يومَ كنّا والهوى غضٌّ وما

فُتِحَتْ إلاّ على الطُهْر العُيون

ما عَلِمنا كيفَ كُنّا ، وكذا

دينُ اهلِ الحبِّ والحبُّ جُنون

أشرقَ البدرُ على هذي الرُبى

أفلا يُخسِفُه منكُمْ جَبين

جَلَّ هذا الجِرمْ قدراً فلقد

كادَ يهتزُّ له الصخرُ الرزين

كل أوقاتيَ رهنٌ عندَه

الدجُى الفجرُ الصبحُ المبين

سَألونا كيف كنتم ْ؟ إن مَنْ

دأبُه ذكرُكمُ كيفِ يكون

هوَّن الحبَّ على اهل الهَوى

أن تَركَ الحبِّ خطبٌ لا يهون

ما لهُمْ فيه مُعينونَ وما

لذَّةُ الحب إذا كان مُعين

ميَّزَت ما بين أرباب الهوى

ودَعاويهم : وجوٌ وجُفون

وهواكُمْ لا نَقَضْنا عهَدكُمْ

وَضمينٌ لكُمُ هذا اليمين

ايفى النجمَ فيبقى ساهراً

مُحيياً سودَ الليالي ونخون

ليلة معها

لا أكذبَنّكِ إنّني بَشَرٌ

جَمُّ المساوي آثِمٌ أشِرُ

لا الحبُّ ظمآناً يُطامِنُ مِنْ

نفسي وليس رفيقيَ النظَر

ولكم بَصُرْتُ بما أضيقُ به

فودِدْتُ أنّي ليس لي بصر

أو أنني حجر وربتَّمَا

قد بات أرْوَحَ منّيَ الحَجَر

لا الشيءُ يُعْجِبُهُ فَيَمْنَعُهُ

فإذا عداه فكلّهُ ضَجر

ولكم ظَفِرتُ بما بصرتُ به

فحَمِدْت مرأى بعدَهُ ظفَر

شفتاي مُطْبْقَتَانِ سيدتي

والخُبْرُ في العينينِ والخَبَر

فاستشهِدِي النظراتِ جاحِمَةً

حمراءَ لا تُبْقي ولا تَذر

ولرغبة في النفس حائرة

مكبوتة يتطايرُ الشرر

إنا كلينا عارفان بما

حَوَتِ الثّيابُ وضَمَّتِ الأزُر

فعلى مَ تَجتهدين مُرْغَمَةً

أن تَسْتري ما ليس يَنْسَتِر

كذب المنافقُ . لا اصطبارَ على

قدٍّ كَقَدِّكِ حينَ يُهتَصَر

ومُغَفَّلٌ من راح يُقنِعُه

منك الحديثُ الحلوُ والسمر

يُوهي الحجى ويُذيبُ كلَّ تُقىً

من مُدّعيهِ شبابُك النَّضِر

ويَرُدُّ حلمَ الحالمين على

أعقابِهِ التفتيرُ والخَفَر

النَّفْسُ شامخةٌ إذا سعُدَتْ

بك ساعةً والكونُ مُحْتَقَر

وفداء ” محتضن ” سمحتِ به

ما تفجع الاحداثُ والغير

حلم أخو اللذاتِ مفتقد

امثالُهُ وإليه مفتقِر

وسويعة لا أستطيعُ لها

وصفاً فلا أمْنٌ ولا حَذَر

يدها بناصيتي ومحْزَمُها

بيدي . فمنتَصِرٌ ومندَحِر

فلئن غَلَبْتٌ فَخَيْرُ متَّسَدٍ

للشاعرِ الأعكانُ والسُرَر

ولئن غُلِبْتُ فغالبي مَلَك

زاهٍ . بهِ صافحٌ عني ومغتفر

النشيد الخالد

تزاحمت الآمال حولكِ وانبرتْ

قلوب عليهنَّ العُيون شواهدُ

مشت مهجتي في إثرِ طرفِكِ واقتفت

دليل الهوى والكلُّ منهنَّ شارد

حُشاشةُ نفسٍ أجهدت فيك والهوى

يطاردها عن قصدها وتطارد

أجابت نفوسٌ فيك وهي عصية

ولانت قلوب منك وهي جلامد

أعلَّ السُّها مسرى هواك وأوشكت

تَنازَلُ عن أفلاكهنَّ الفراقد

ورغبَني في الحب ان ليس خالياً

من الحب إلا بارد الطبع جامد

إذا كان وحي الطرف للطرف مدليا

بأسرار قلبينا فأين التباعد

خليلي ما العين في الحب ريبةٌ

إذا كُرمت للناظرين المقاصد

ولي نزعات أبعدتها عن الخنا

سجية نفس هّذبتها الشدائد

أقاويل أهل الحب يفنى نشيُدها

وأما الذي تُملي الدموع فخالد

وما الشعر إلا ما يزان به الهوى

كما زَيّنت عطلّ النحور القلائد