أشعار الغزل الجاهلي

قصيدة برد نسيم الحجاز في السحر

بَردُ نَسيمِ الحِجازِ في السَحَرِ

إِذا أَتاني بِريحِهِ العَطِرِ

أَلَذُّ عِندي مِمّا حَوَتهُ يَدي

مِنَ اللَآلي وَالمالِ وَالبِدَرِ

وَمُلكُ كِسرى لا أَشتَهيهِ إِذ

ما غابَ وَجهُ الحَبيبِ عَن نَظَري

سَقى الخِيامَ الَّتي نُصِبنَ عَلى

شَرَبَّةِ الأُنسِ وابِلُ المَطَرِ

مَنازِلٌ تَطلُعُ البُدورُ بِه

مُبَرقَعاتٍ بِظُلمَةِ الشَعَرِ

بيضٌ وَسُمرٌ تَحمي مَضارِبَه

أَسادُ غابٍ بِالبيضِ وَالسُمُرِ

صادَت فُؤادي مِنهُنَّ جارِيَةٌ

مَكحولَةُ المُقلَتَينِ بِالحَوَرِ

تُريكَ مِن ثَغرِها إِذا اِبتَسَمَت

كَأسَ مُدامٍ قَد حُفَّ بِالدُرَرِ

أَعارَتِ الظَبيَ سِحرَ مُقلَتِه

وَباتَ لَيثُ الشَرى عَلى حَذَرِ

حَودٌ رَداحٌ هَيفاءُ فاتِنَةٌ

تُخجِلُ بِالحُسنِ بَهجَةَ القَمَرِ

يا عَبلَ نارُ الغَرامِ في كَبدي

تَرمي فُؤادي بِأَسهُمِ الشَرَرِ

يا عَبلَ لَولا الخَيالُ يَطرُقُني

قَضَيتُ لَيلي بِالنَوحِ وَالسَهَرِ

يا عَبلَ كَم فِتنَةٍ بُليتُ بِه

وَخُضتُها بِالمُهَنَّدِ الذَكَرِ

وَالخَيلُ سودُ الوُجوهِ كالِحَةٌ

تَخوضُ بَحرَ الهَلاكِ وَالخَطَرِ

أُدافِعُ الحادِثاتِ فيكِ وَل

أُطيقُ دَفعَ القَضاءِ وَالقَدَرِ

قصيدة ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي

أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الطَلَلُ البالي

وَهَل يَعِمَن مَن كانَ في العُصُرِ الخالي

وَهَل يَعِمَن إِلّا سَعيدٌ مُخَلَّدٌ

قَليلُ الهُمومِ ما يَبيتُ بِأَوجالِ

وَهَل يَعِمَن مَن كانَ أَحدَثُ عَهدِهِ

ثَلاثينَ شَهراً في ثَلاثَةِ أَحوالِ

دِيارٌ لِسَلمى عافِياتٌ بِذي خالٍ

أَلَحَّ عَلَيها كُلُّ أَسحَمَ هَطّالِ

وَتَحسِبُ سَلمى لا تَزالُ تَرى طَلّ

مِنَ الوَحشِ أَو بَيضاءً بِمَيثاءِ مِحلالِ

وَتَحسِبُ سَلمى لا نَزالُ كَعَهدِن

بِوادي الخُزامى أَو عَلى رَسِ أَوعالِ

لَيالِيَ سَلمى إِذ تُريكَ مُنَصَّب

وَجيداً كَجيدِ الرِئمِ لَيسَ بِمِعطالِ

أَلا زَعَمَت بَسباسَةُ اليَومَ أَنَّني

كَبِرتُ وَأَن لا يُحسِنُ اللَهوَ أَمثالي

كَذَبتِ لَقَد أَصبى عَلى المَرءِ عِرسُهُ

وَأَمنَعُ عِرسي أَن يُزَنَّ بِها الخالي

وَ يا رُبَّ يَومٍ قَد لَهَوتُ وَلَيلَةٍ

بِآنِسَةٍ كَأَنَّها خَطُّ تِمثالِ

يُضيءُ الفِراشُ وَجهَها لِضَجيعِه

كَمِصباحِ زَيتٍ في قَناديلِ ذَبّالِ

كَأَنَّ عَلى لَبّاتِها جَمرَ مُصطَلٍ

أَصابَ غَضىً جَزلاً وَكَفَّ بِأَجذالِ

وَهَبَّت لَهُ ريحٌ بِمُختَلَفِ الصَو

صَباً وَشِمالاً في مَنازِلِ قَفّالِ

وَمِثلُكِ بَيضاءَ العَوارِضِ طِفلَةٍ

لَعوبٍ تُنَسّيني إِذا قُمتُ سِربالي

إِذا ما الضَجيعُ اِبتَزَّها مِن ثِيابِه

تَميلُ عَلَيهِ هَونَةً غَيرَ مِجبالِ

كَحَقفِ النَقا يَمشي الوَليدانِ فَوقَهُ

بِما اِحتَسَبا مِن لينِ مَسٍّ وَتَسهالِ

لَطيفَةُ طَيِّ الكَشحِ غَيرُ مُفاضَةٍ

إِذا اِنفَلَتَت مُرتَجَّةً غَيرَ مِتفالِ

تَنَوَّرتُها مِن أَذرُعاتٍ وَأَهلُه

بِيَثرِبَ أَدنى دارَها نَظَرٌ عالِ

نَظَرتُ إِلَيها وَالنُجومُ كَأَنَّه

مَصابيحُ رُهبانٍ تَشُبُّ لِقَفّالِ

سَمَوتُ إِلَيها بَعدَ ما نامَ أَهلُه

سُموَّ حَبابِ الماءِ حالاً عَلى حالِ

فَقالَت سَباكَ اللَهُ إِنَّكَ فاضِحي

أَلَستَ تَرى السُمّارَ وَالناسَ أَحوالي

فَقُلتُ يَمينَ اللَهِ أَبرَحُ قاعِد

وَلَو قَطَعوا رَأسي لَدَيكِ وَأَوصالي

حَلَفتُ لَها بِاللَهِ حِلفَةَ فاجِرٍ

لَناموا فَما إِن مِن حَديثٍ وَلا صالِ

قصيدة صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو

صَحا القَلبُ عَن سَلمى وَقَد كادَ لا يَسلو

وَأَقفَرَ مِن سَلمى التَعانيقُ فَالثِقلُ

وَقَد كُنتُ مِن سَلمى سِنينَ ثَمانِياً

عَلى صيرِ أَمرٍ ما يَمُرُّ وَما يَحلو

وَكُنتُ إِذا ما جِئتُ يَوماً لِحاجَةٍ

مَضَت وَأَجَمَّت حاجَةُ الغَدِ ما تَخلو

وَكُلُّ مُحِبٍّ أَحدَثَ النَأيُ عِندَهُ

سَلُوَّ فُؤادٍ غَيرَ حُبِّكِ ما يَسلو

تَأَوَّبَني ذِكرُ الأَحِبَّةِ بَعدَما

هَجَعتُ وَدوني قُلَّةُ الحَزنِ فَالرَملُ

فَأَقسَمتُ جَهداً بِالمَنازِلِ مِن مِنىً

وَما سُحِقَت فيهِ المَقادِمُ وَالقَملُ

لَأَرتَحِلَن بِالفَجرِ ثُمَّ لَأَدأَبَن

إِلى اللَيلِ إِلّا أَن يُعَرِّجَني طِفلُ

إِلى مَعشَرٍ لَم يورِثِ اللُؤمَ جَدُّهُم

أَصاغِرَهُم وَكُلُّ فَحلٍ لَهُ نَجلُ

تَرَبَّص فَإِن تُقوِ المَرَوراةُ مِنهُمُ

وَداراتُها لا تُقوِ مِنهُم إِذاً نَخلُ

فَإِن تُقوِيا مِنهُم فَإِنَّ مُحَجِّراً

وَجِزعَ الحِسا مِنهُم إِذاً قَلَّما يَخلو

بِلادٌ بِها نادَمتُهُم وَأَلِفتُهُم

فَإِن تُقوِيا مِنهُم فَإِنَّهُما بَسلُ

إِذا فَزِعوا طاروا إِلى مُستَغيثِهِم

طِوالَ الرِماحِ لا ضِعافٌ وَلا عُزلُ

بِخَيلٍ عَلَيها جِنَّةٌ عَبقَرِيَّةٌ

جَديرونَ يَوماً أَن يَنالوا فَيَستَعلوا

وَإِن يُقتَلوا فَيُشتَفى بِدِمائِهِم

وَكانوا قَديماً مِن مَناياهُمُ القَتلُ

عَلَيها أُسودٌ ضارِياتٌ لَبوسُهُم

سَوابِغُ بيضٌ لا تُخَرِّقُها النَبلُ

إِذا لَقِحَت حَربٌ عَوانٌ مُضِرَّةٌ

ضَروسٌ تُهِرُّ الناسَ أَنيابُها عُصلُ

قُضاعِيَّةٌ أَو أُختُها مُضَرِيَّةٌ

يُحَرَّقُ في حافاتِها الحَطَبُ الجَزلُ

تَجِدهُم عَلى ما خَيَّلَت هُم إِزائَها

وَإِن أَفسَدَ المالَ الجَماعاتُ وَالأَزلُ

يَحُشّونَها بِالمَشرَفِيَّةِ وَالقَنا

وَفِتيانِ صِدقٍ لا ضِعافٌ وَلا نُكلُ

تَهامونَ نَجدِيّونَ كَيداً وَنُجعَةً

لِكُلِّ أُناسٍ مِن وَقائِعِهِم سَجلُ

هُمُ ضَرَبوا عَن فَرجِها بِكَتيبَةٍ

كَبَيضاءِ حَرسٍ في طَوائِفِها الرَجلُ

مَتى يَشتَجِر قَومٌ تَقُل سَرَواتُهُم

هُمُ بَينَنا فَهُم رِضاً وَهُمُ عَدلُ

هُمُ جَدَّدوا أَحكامَ كُلِّ مُضِلَّةٍ

مِنَ العُقمِ لا يُلفى لِأَمثالِها فَصلُ

بِعَزمَةِ مَأمورٍ مُطيعٍ وَآمِرٍ

مُطاعٍ فَلا يُلفى لِحَزمِهِمُ مِثلُ

وَلَستُ بِلاقٍ بِالحِجازِ مُجاوِراً

وَلا سَفَراً إِلّا لَهُ مِنهُمُ حَبلُ

بِلادٌ بِها عَزّوا مَعَدّاً وَغَيرَها

مَشارِبُها عَذبٌ وَأَعلامُها ثَملُ

هُمُ خَيرُ حَيٍّ مِن مَعَدٍّ عَلِمتُهُم

لَهُم نائِلٌ في قَومِهِم وَلَهُم فَضلُ

فَرِحتُ بِما خُبِّرتُ عَن سَيِّدَيكُمُ

وَكانا اِمرَأَينِ كُلُّ أَمرِهِما يَعلو

رَأى اللَهُ بِالإِحسانِ ما فَعَلا بِكُم

فَأَبلاهُما خَيرَ البَلاءِ الَّذي يَبلو

تَدارَكتُما الأَحلافَ قَد ثُلَّ عَرشُها

وَذُبيانَ قَد زَلَّت بِأَقدامِها النَعلُ

فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ

سَبيلُكُما فيهِ وَإِن أَحزَنوا سَهلُ

إِذا السَنَةُ الشَهباءُ بِالناسِ أَجحَفَت

وَنالَ كِرامَ المالِ في الجَحرَةِ الأَكلُ

رَأَيتُ ذَوي الحاجاتِ حَولَ بُيوتِهِم

قَطيناً بِها حَتّى إِذا نَبَتَ البَقلُ

هُنالِكَ إِن يُستَخبَلوا المالَ يُخبِلوا

وَإِن يُسأَلوا يُعطوا وَإِن يَيسِروا يُغلوا

وَفيهِم مَقاماتٌ حِسانٌ وُجوهُهُم

وَأَندِيَةٌ يَنتابُها القَولُ وَالفِعلُ

عَلى مُكثِريهِم رِزقُ مَن يَعتَريهِمُ

وَعِندَ المُقِلّينَ السَماحَةُ وَالبَذلُ

وَإِن جِئتَهُم أَلفَيتَ حَولَ بُيوتِهِم

مَجالِسَ قَد يُشفى بِأَحلامِها الجَهلُ

وَإِن قامَ فيهِم حامِلٌ قالَ قاعِدٌ

رَشَدتَ فَلا غُرمٌ عَلَيكَ وَلا خَذلُ

سَعى بَعدَهُم قَومٌ لِكَي يُدرِكوهُمُ

فَلَم يَفعَلوا وَلَم يُليموا وَلَم يَألوا

فَما يَكُ مِن خَيرٍ أَتَوهُ فَإِنَّما

تَوارَثَهُ آباءُ آبائِهِم قَبلُ

وَهَل يُنبِتُ الخَطِّيَّ إِلّا وَشيجُهُ

وَتُغرَسُ إِلّا في مَنابِتِها النَخلُ

قصيدة أمن آل مية رائح أو مغتد

نَظَرَت بِمُقلَةِ شادِنٍ مُتَرَبِّبٍ

أَحوى أَحَمِّ المُقلَتَينِ مُقَلَّدِ

وَالنَظمُ في سِلكٍ يُزَيَّنُ نَحرَها

ذَهَبٌ تَوَقَّدُ كَالشِهابِ الموقَدِ

صَفراءُ كَالسِيَراءِ أُكمِلَ خَلقُها

كَالغُصنِ في غُلَوائِهِ المُتَأَوِّدِ

وَالبَطنُ ذو عُكَنٍ لَطيفٌ طَيُّهُ

وَالإِتبُ تَنفُجُهُ بِثَديٍ مُقعَدِ

مَحطوطَةُ المَتنَينِ غَيرُ مُفاضَةٍ

رَيّا الرَوادِفِ بَضَّةُ المُتَجَرَّدِ

قامَت تَراءى بَينَ سَجفَي كِلَّةٍ

كَالشَمسِ يَومَ طُلوعِها بِالأَسعُدِ

أَو دُرَّةٍ صَدَفِيَّةٍ غَوّاصُها

بَهِجٌ مَتى يَرَها يُهِلَّ وَيَسجُدِ

أَو دُميَةٍ مِن مَرمَرٍ مَرفوعَةٍ

بُنِيَت بِآجُرٍّ تُشادُ وَقَرمَدِ

سَقَطَ النَصيفُ وَلَم تُرِد إِسقاطَهُ

فَتَناوَلَتهُ وَاِتَّقَتنا بِاليَدِ

بِمُخَضَّبٍ رَخصٍ كَأَنَّ بَنانَهُ

عَنَمٌ يَكادُ مِنَ اللَطافَةِ يُعقَدِ

نَظَرَت إِلَيكَ بِحاجَةٍ لَم تَقضِها

نَظَرَ السَقيمِ إِلى وُجوهِ العُوَّدِ

تَجلو بِقادِمَتَي حَمامَةِ أَيكَةٍ

بَرَداً أُسِفَّ لِثاتُهُ بِالإِثمِدِ

كَالأُقحُوانِ غَداةَ غِبَّ سَمائِهِ

جَفَّت أَعاليهِ وَأَسفَلُهُ نَدي

زَعَمَ الهُمامُ بِأَنَّ فاها بارِدٌ

عَذبٌ مُقَبَّلُهُ شَهِيُّ المَورِدِ

زَعَمَ الهُمامُ وَلَم أَذُقهُ أَنَّهُ

عَذبٌ إِذا ما ذُقتَهُ قُلتَ اِزدُدِ

زَعَمَ الهُمامُ وَلَم أَذُقهُ أَنَّهُ

يُشفى بِرَيّا ريقِها العَطِشُ الصَدي

أَخَذَ العَذارى عِقدَها فَنَظَمنَهُ

مِن لُؤلُؤٍ مُتَتابِعٍ مُتَسَرِّدِ

لَو أَنَّها عَرَضَت لِأَشمَطَ راهِبٍ

عَبَدَ الإِلَهِ صَرورَةٍ مُتَعَبِّدِ

لَرَنا لِبَهجَتِها وَحُسنِ حَديثِها

وَلَخالَهُ رُشداً وَإِن لَم يَرشُدِ

بِتَكَلُّمٍ لَو تَستَطيعُ سَماعَهُ

لَدَنَت لَهُ أَروى الهِضابِ الصُخَّدِ

وَبِفاحِمٍ رَجلٍ أَثيثٍ نَبتُهُ

كَالكَرمِ مالَ عَلى الدِعامِ المُسنَدِ

فَإِذا لَمَستَ لَمَستَ أَجثَمَ جاثِماً

مُتَحَيِّزاً بِمَكانِهِ مِلءَ اليَدِ

وَإِذا طَعَنتَ طَعَنتَ في مُشَهدِفٍ

رابي المَجَسَّةِ بِالعَبيرِ مُقَرمَدِ

وَإِذا نَزَعتَ نَزَعتَ عَن مُستَحصِفٍ

نَزعَ الحَزَوَّرِ بِالرَشاءِ المُحصَدِ

وَإِذا يَعَضُّ تَشُدُّهُ أَعضائُهُ

عَضَّ الكَبيرِ مِنَ الرِجالِ الأَدرَدِ

وَيَكادُ يَنزِعُ جِلدَ مَن يُصلى بِهِ

بِلَوافِحٍ مِثلِ السَعيرِ الموقَدِ

لا وارِدٌ مِنها يَحورُ لِمَصدَرٍ

عَنها وَلا صَدِرٌ يَحورُ لِمَورِدِ