أشعار حب وشوق للحبيب

قصيدة بالله أحلف أيمانا مغلظة

يقول أبو اليمن الكندي:

بالله أحلفُ أيماناً مغلَّظةً

وبالكتاب الذي يُتلى ويُعتقدُ

لو أنّ ألف لسان لي أبثُّ به

شوقي إليك لما استوعبَت ما أجدُ

وإن تكن أبطأت يوما مكاتبتي

فما على ودّ مثلي ذاك ينتقدُ

أنا الذي ليس يُحصي ما أكابده

من الصبابة لا وصف ولا عددٌ

الصُحف لا تَسعُ الشكوى فأذكرها

ولا المطايا بأعباء الهوى تخِد

لم يخلُ ربعك من رسلي ومن كتبي

إلا وذكرك مملوء به الخَلَد

ولستُ أنكر تقصيري على شغَفي

لكن على حسن ظني فيك أعتمد

قصيدة سقى الله أيام الصبابة والهوى

يقول أبو الحسن بن حريق:

سَقَى اللهُ أيَّامَ الصَّبَابَةِ وَالهَوَى

وَعًصرَ الشّبابِ الغَضِّ أكرِم بِهِ عَصرَا

سَحَاباً يدِرّ المَاءَ في مَحلِ رَوضِهَا

وَيُنبِتُ فِي أَغصَانِهَا الوَرَقَ الخُضرَا

وَجَادَ أَصِيلاً بالقصيبَة لَم يُضَف

إِلَى حُسنِهِ عَيبٌ سِوَى أنَّهُ مَرّا

إِذِ الشَّمسُ تَحكِينِي وَتَحكِي مُعَذِّبي

بِما احمَرَّ مِنهَا لِلغُرُوبِ وَمَا اصفَرّا

وراحَةُ مَن أهوَى وبَارِقُ ثَغرِهِ

وَلَحظَتُهُ الوَطفَاءُ تَمزِج لِي خَمرَا

فَقَامَت بِهِ حَولِي سقاةٌ كَثِيرَةٌ

مُنَى كُلِّ ساقٍ أن أمِيدَ لَهُ سُكرَا
فَلَم أدرِ مِمَّا كنت أُسقَى هَل الهَوَى 
شَرِبتُ أمِ الصَّهبَاءَ صِرفاً أمِ السِّحرَا

سلامٌ عَلَى ذَاكَ الأَصِيلِ وَطِيبِهِ

يُرَدَّدُ مَا مَرَّ الأصِيلُ وَمَا مَرَّا

قصيدة أهاج لك الشوق القديم خياله

يقول الفرزدق:

أهاجَ لَكَ الشّوْقَ القَدِيمَ خَبالُهُ،

مَنَازِلُ بَيْنَ المُنْتَضَى فالمَصَانِعِ

عَفَتْ بَعدَ أسْرَابِ الخَليطِ وَقد ترَى

بِها بَقَراً حُوراً حِسانَ المَدامِعِ

يُرِينَ الصِّبَا أصْحابَهُ في خِلابَةٍ،

وَيَأبَيْنَ أنْ يَسْقينَهمْ بالشّرَائِعِ

إذا مَا أتَاهُنّ الحَبِيبُ رَشَفْنَهُ،

كرَشْفِ الهِجانِ الأدمِ ماءَ الوَقائعِ

يَكُنّ أحَادِيثَ الفُؤادِ نَهَارَهُ،

وَيَطْرُقْنَ بالأهْوَالِ عندَ المَضَاجعِ

إلَيْكَ ابنَ عَبدِ الله حَملّتُ حاجَتي

على ضُمرِ الأحقابِ خُوصِ المَدامعِ

نَوَاعِجَ، كُلّفْنَ الذّمِيلَ، فلم تزَلْ

مُقَلَّصَةً أنْضَاؤها كالشّرَاجِعِ

تَرَى الحاديَ العَجلانَ يُرْقِصُ خَلفها

وَهُنّ كحَفّانِ النّعامِ الخَوَاضِعِ

إذا نَكّبَتْ خُرْقاً من الأرْضِ قابلَتْ،

وَقَد زَالَ عَنْها، رَأسَ آخرَ، تابعِ

بَدَأنَ بهِ خُدْلَ العِظامِ، فُأُدْخِلَتْ

عَلَيْهِنّ أيّامُ العِتَاقِ النّزَائِعِ

جَهِيضَ فَلاةٍ أعْجَلَتْهُ تَمامَهُ

هَبُوعُ الضّحى خَطّارَةٌ أُمُّ رَابِعِ

تَظَلّ عِتاقُ الطّيرِ تَنْفي هَجِينَها

جُنُوحاً على جُثمان آخَرَ نَاصِعِ

وَما ساقَها من حاجَةٍ أجْحَفَتْ بهَا

إلَيْكَ، وَلا مِنْ قِلّةٍ في مُجاشِعِ

وَلَكِنّها اخْتَارَتْ بِلادَكَ رَغْبَةً

عَلى ما سِوَاها مِنْ ثَنايا المَطالِعِ

أتَيْنَاكَ زُوّاراً، وَوَفْداً، وَشَامَةً،

لخالك خالِ الصّدقِ مُجدٍ وَنافِعِ

إلى خَيْرِ مَسْؤولَينِ يُرْجَى نَداهُما

إذا اخْتيرَ الأفْوَاهِ قَبلَ الأصَابِعِ

قصيدة أحوم على حسنكم ما أحوم

يقول أحمد شوقي:

أحوم على حسنكم ما أحوم

وأذكركم بطلوع النجوم

وأصبو إليكم وأشتاقكم

كما اشتاق طيب الشفاء السقيم

وما بيننا غير هذا الفناء

وهذا الجدار وهذى الحريم

وهذى الرياض وهذا الحياض

وهذا النخيل وهذى الكروم

ونحن كمن فرت بينهم

ممالك في الحرب تحمى التخوم

إذا شئت لقياك خنت الملي

ك وإن لم اشأ خنت قلبي الكليم

ويا ليل طلت وطال الأسى

فما لك حد ولا للهموم

فماذا تريد بهذا السكون

وماذا تريد بهذا الوجوم

ويا ماء ما تبتغى بالخرير

ويا نجم بالخفق ماذا تروم

ويا زهر لا حسدتك القلوب

فشملك في العاشقين النظيم

ويا طير يهنيك طيب الكرى

وطول العناق وفرط النعيم

سما بك غصن على كثرة

وضاق عن أثنين قصر عظيم

قصيدة ألا أسعديني بالدموع السواكب

يقول البحتري:

أَلا أَسعِديني بِالدُموعِ السَواكِبِ

عَلى الوَجدِ مِن صَرمِ الحَبيبِ المُغاضِبِ

وَسُحّي دُموعاً هامِلاتٍ كَأَنَّما

لَها آمِرٌ يَرفَضُّ مِن تَحتِ حاجِبي

أَلا وَاِستَزيريها إِلَينا تَطَلُّعاً

وَقولي لَها في السِرِّ يا أُمَّ طالِبِ

لِماذا أَرَدتِ الهَجرَ مِنّي وَلَم أَكُن

لِعَهدِكُمُ لي بِالمَذوقِ المُوارِبِ

فَإِن كانَ هَذا الصَرمُ مِنكُم تَدَلُّلاً

فَأَهلاً وَسَهلاً بِالدَلالِ المُخالِبِ

وَإِن كُنتِ قَد بُلِّغتِ يا عَلوَ باطِلاً

بِقَولِ عَدُوٍّ فَاِسأَلي ثُمَّ عاقِبي

وَلا تَعجَلي بِالصَرمِ حَتّى تَبَيَّني

أَمُبلِغَ حَقٍّ كانَ أَم قَولَ كاذِبِ

كَأَنَّ جَميعَ الأَرضِ حَتّى أَراكُمُ

تُصَوَّرُ في عَيني بِسودِ العَقارِبِ

وَلَو زُرتُكُم في اليَومِ سَبعينَ مَرَّةً

لَكُنتُ كَذي فَرخٍ عَنِ الفَرخِ غائِبِ

أَراني أَبيتُ اللَيلَ صاحِبَ عَبرَةٍ

مَشوقاً أُراعي مُنجِداتِ الكَواكِبِ

أُراقِبُ طولَ اللَيلِ حَتّى إِذا اِنقَضى

رَقَبتُ طُلوعَ الشَمسِ حَتّى المَغارِبِ

إِذا ذَهَبا هَذانِ مِنّي بِلَذَّتي

فَما أَنا في الدُنيا لِعَيشٍ بِصاحِبِ

فَيا شُؤمَ جَدّي كَيفَ أَبكي تَلَهُّفاً

عَلى ما مَضى مِن وَصلِ بَيضاءَ كاعِبِ

رَأَت رَغبَتي فيها فَأَبدَت زَهادَةً

أَلا رُبَّ مَحرومٍ مِنَ الناسِ راغِبِ

أُريدُ لِأَدعو غَيرَها فَيَرُدُّني

لِساني إِلَيها بِاسمِها كَالمُغالِبِ

يَظَلُّ لِساني يَشتَكي الشَوقَ وَالهَوى

وَقَلبي كَذي حَبسٍ لِقَتلٍ مُراقَبِ

وَإِنَّ بِقَلبي كُلَّما هاجَ شَوقُهُ

حَراراتِ أَقباسٍ تَلوحُ لِراهِبِ

فَلَو أَنَّ قَلبي يَستَطيعُ تَكَلُّماً

لَحَدَّثَكُم عَنّي بِجَمِّ العَجائِبِ

كَتَبتُ فَأَكثَرتُ الكِتابَ إِلَيكُمُ

كَذي رَغبَةٍ حَتّى لَقَد مَلَّ كاتِبي

أَما تَتَّقينَ اللَهَ في قَتلِ عاشِقٍ

صَريعٍ قَريحِ القَلبِ كَالشَنِّ ذائِبِ

فَأُقسِمُ لَو أَبصَرتِني مُتَضَرِّعاً

أُقَلَّبُ طَرفي نَحوَكُم كُلَّ جانِبِ

وَحَولي مِنَ العُوّادِ باكٍ وَمُشفِقٌ

أَباعِدُ أَهلي كُلَّهُم وَأَقارِبي

لَأَبكاكِ مِنّي ما تَرينَ تَوَجُّعاً

كَأَنَّكَ بي يا عَلوُ قَد قامَ نادِبي

وَقَد قالَ داعي الحُبِّ هَل مِن مُجاوِبِ

فَأَقبَلتُ أَسعى قَبلَ كُلِّ مُجاوِبِ

فَما إِن لَهُ إِلّا إِلَيَّ مَذاهِبٌ

تَكونُ وَلا إِلّا إِلَيهِ مَذاهِبي

قصيدة حمى الشوق

يقول جورج جريس فرح:

مرَرْتُ مُرورَ مُلتاعٍ

وظمآنٍ

قُبَيلَ العصْرِ،

أغترِفُ…

فما روّى الظَّما منّي

ظهورٌ مِنكِ يُختطَفُ

كوَمضِ البرْقِ

في ليلٍ بهيمٍ،

غيمُهُ الصَّلِفُ

يواري في الدُّجى نجمي

يعاكسُني

ويحترِفُ..

فحِصْتُ

وحِرْتُ في أمري

أأمضي عنهُ أم أقفُ؟

فأعياني…

وأبقاني مكاني

ذلكَ اللَّهَفُ…

بلوعةِ عاشقٍ آتي

وحمّى الشوقِ تنهشني

فأرتجفُ …

تدثّرُني خُيوطُ الوَهْمِ

أنسجُها وألتحِفُ…

ومَرَّ الوقتُ،

كادَ الليلُ ينتصِفُ…

فهل ساءلتِ مَن شُغِفوا

بوجهِ البدْرِ كم وقَفوا،

وكم مِن عُمرِهم صَرفوا

وهل ظفِروا

وهل قطفوا؟!

وكم مثلي

كما جاؤوا بلوعَتِهم

كذا انصرَفوا…

ولم يدْروا بخيبتهم،

فلا عرفوا

ولا اعترفوا!!!