أشعار صوفية عن الحب

سقتني حميّا الحب راحة مقلتي

من قصائد ابن الفارض في الحب:[١]

سقتني حميَّا الحبِّ راحةَ مقلتي

وكأسي محيَّا منْ عنِ الحسن جلَّتِ

فأوهمْتُ صَحبي أنّ شُرْبَ شَرَابهِم

بهِ سرَّ سرِّي في انتشائي بنظرة ِ

وبالحدقِ استغنيتُ عنْ قدحي ومنْ

شمائلها لا منْ شموليَ نشوتي

ففي حانِ سكري، حانَ شُكري لفتية ٍ،

بهمْ تمَّ لي كتمُ الهوى مع شهرتي

ولمَّا انقضى صحوي تقاضيتُ وصلها

ولمْ يغْشَني، في بسْطِها، قبضُ خَشيتي

وأبْثَثْتُها ما بي، ولم يكُ حاضِري

رقيبٌ لها حاظٍ بخلوة ِ جلوتي

وقُلْتُ، وحالي بالصّبابَة ِ شاهدٌ،

ووجدي بها ماحيَّ والفقدُ مثبتي

هَبي، قبلَ يُفني الحُبُّ مِنّي بقِيّة ً

أراكَ بها، لي نظرَة َ المتَلَفّتِ

ومِنّي على سَمعي بلَنْ، إن منَعتِ أن

أراكِ فمنْ قبلي لغيريَ لذَّتِ

فعندي لسكري فاقة ُ لإفاقة ٍ

لها كبدي لولا الهوى لمْ تفتّتِ

ولوْ أنَّ ما بي بالجبال وكانَ طو

رُسينا بها قبلَ التَّجلِّي لدكَّتِ

هوى عبرة ٌ نمَّتْ بهِ وجوى ً نمتْ

به حرقٌ أدواؤها بي أودتِ

فطوفانُ نوحٍ، عندَ نَوْحي، كأدْمَعي؛

وإيقادُ نيرانِ الخليلِ كلوعتي

ولولا زفيري أغرقتني أدمعي

ولولا دموعي أحرقتني زفرتي

وحزني ما يعقوبُ بثَّ أقلَّهُ

وكُلُّ بِلى أيوبَ بعْضُ بَلِيّتي

وآخرُ مالاقى الألى عشقوا إلي الرَّ

ـرّدى ، بعْضُ ما لاقيتُ، أوّلَ محْنَتي

وفي ساعة ٍ، أو دونَ ذلكَ، مَن تلا

لآلامِ أسقامٍ، بجِسمي، أضرّتِ

لأَذكَرَهُ كَرْبي أَذى عيشِ أزْمَة ٍ

بمُنْقَطِعي ركْبٍ، إذا العيسُ زُمّتِ

وقدْ برَّحَ التَّبريحُ بي وأبادني

ومَدْحُ صِفاتي بي يُوَفّقُ مادِحي

فنادمتُ في سكري النحولَ مراقبي

بجملة ِ أسراري وتفصيلِ سيرتي

ظهرتُ لهُ وصفاً وذاتي بحيثُ لا

يراها لبلوى منْ جوى الحبِّ أبلتِ

فأبدتْ ولمْ ينطقْ لساني لسمعهِ

هواجِسُ نفسي سِرَّ ما عنهُ أخْفَتِ

وظَلّتْ لِفِكْري، أُذْنُهُ خَلَداً بها

يَدُورُ بهِ، عن رُؤْيَة ِ العينِ أغنَتِ

أحَبّنيَ اللاّحي، وغارَ، فلامَني،

مُجيباًإلَيها، عن إنابَة ِ مُخْبِتِ

كأنَّ الكرامَ الكاتبينَ تنزَّلوا

على قَلْبِهِ وحْياً، بِما في صحيفَتي

وما كانَ يدري ما أجنُّ وماالَّذي

حَشايَ منَ السِّرّ المَصونِ، أَكَنَّت

وكشفُ حجابِ الجسمِ أبرزَ سرَّ ما

بهِ كانَ مستوراً لهُ منْ سريرتي

فكنتُ بسرِّي عنهُ في خفية ٍ وقدْ

خفتهُ لوهنٍ منْ نحولي أنَّتي

لَقيلَ كنَى ، أو مسّهُ طَيْفُ جِنّة ِ

له والهوى يأتي بكلِّ غريبة ِ

عجبت منك ومني

من قصائد الحلّاج في الحب:[٢]

عجبتُ منك ومنـّـي

يا مُنـْيـَةَ المُتـَمَنّـِي

أدنيتـَني منك حتـّـى

ظننتُ أنـّك أنـّــي

وغبتُ في الوجد حتـّى

أفنيتنـَي بك عنـّــي

يا نعمتي في حياتــي

وراحتي بعد دفنـــي

ما لي بغيرك أُنــسٌ

من حيث خوفي وأمنـي

يا من رياض معانيـهْ

قد حويْـت كل فنـّـي

وإن تمنيْت شيْئاً

فأنت كل التمنـّـــي

والله ما طلعت شمس ولا غربت

من قصائد الحلاج في الغزل الصوفي:[٣]

والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت

إلا و حبّـك مقـرون بأنفاسـي

ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم

إلا وأنت حديثي بين جلاســي

ولا ذكرتك محزوناً و لا فَرِحا

إلا وأنت بقلبي بين وسواســـي

ولا هممت بشرب الماء من عطش

إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـــأس

ولو قدرتُ على الإتيان جئتـُكم

سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس

ويا فتى الحيّ إن غنيت لي طربا

فغنـني وأسفا من قلبك القاسي

ما لي وللناس كم يلحونني سفها

ديني لنفسي ودين الناس للنـــاس

قلبي يحدثني بأنك متلفي

من قصائد ابن الفارض في الحب الصوفي:[٤]

قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي،

روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ

لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي

لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي مَن يَفي

ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ،

في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ

فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛

يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ

يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي

ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ

عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي

منْ جِسميَ المُضْنى ، وقلبي المُدنَفِ

فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي،

والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي

لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلاتُضعْ

سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ

واسألْ نُجومَ اللّيلِ:هل زارَ الكَرَى

جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟

لا غَروَ إنْ شَحّتْ بِغُمضِ جُفونها

عيني وسحَّتْ بالدُّموعِ الدُّرَّفِ

وبماجرى في موقفِ التَّوديعِ منْ

ألمِ النّوى ، شاهَدتُ هَولَ المَوقِفِ

إن لم يكُنْ وَصْلٌ لَدَيكَ، فَعِدْ بهِ

أملي وماطلْ إنْ وعدتَ ولاتفي

فالمطلُ منكَ لديَّ إنْ عزَّ الوفا

يحلو كوصلٍ منْ حبيبٍ مسعفِ

أهفو لأنفاسِ النَّسيمِ تعلَّة ً

ولوجهِ منْ نقلتْ شذاهُ تشوُّفي

فلَعَلَ نارَ جَوانحي بهُبوبِها

أنْ تَنطَفي، وأوَدّ أن لا تنطَفي

يا أهلَ ودِّي أنتمُ أملي ومنْ

ناداكُمُ يا أهْلَ وُدّي قد كُفي

عُودوا لَما كُنتمْ عليهِ منَ الوَفا،

كرماً فإنِّي ذلكَ الخلُّ الوفي

وحياتكمْ وحياتكمْ قسماً وفي

عُمري، بغيرِ حياتِكُمْ، لم أحْلِفِ

لوْ أنَّ روحي في يدي ووهبتها

لمُبَشّري بِقَدومِكُمْ، لم أنصفِ

لا تحسبوني في الهوى متصنِّعاً

كلفي بكمْ خلقٌ بغيرِ تكلُّفِ

أخفيتُ حبَّكمُ فأخفاني أسى ً

حتى ، لعَمري، كِدتُ عني أختَفي

وكَتَمْتُهُ عَنّي، فلو أبدَيْتُهُ

لَوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْفِ الخَفي

ولقد أقولُ لِمن تَحَرّشَ بالهَوَى :

عرَّضتَ نفسكَ للبلا فاستهدفِ

أنتَ القتيلُ بأيِّ منْ أحببتهُ

فاخترْ لنفسكَ في الهوى منْ تصطفي

قلْ للعذولِ أطلتَ لومي طامعاً

أنَّ الملامَ عنِ الهوى مستوقفي

دعْ عنكَ تعنيفي وذقْ طعمَ الهوى

فإذا عشقتَ فبعدَ ذلكَ عنِّفِ

بَرَحَ الخَفاءَبحُبّ مَن لو، في الدّجى

سفرَ الِّلثامَ لقلتُ يا بدرُ اختفِ

المراجع

  1. “سقتني حميَّا الحبِّ راحة َ مقلتي”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2019.
  2. الحلاج، ديوان الحلاج، صفحة 10.
  3. الحلاج، ديوان الحلاج، صفحة 20.
  4. “قلبي يحدثني بأنك متلفي”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2019.