أبيات شعر حب قديمة

صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو

يقول زهير بن أبي سلمى:[١]

صَحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو

وَأقْفَرَ مـن سَلمـى التّعانيـقُ فالثّقْـلُ

وقد كنتُ مِن سَلمَـى سِنيـنَ ثَمانيـاً

على صيرِ أمرٍ ما يمرُّ، ومـا يحلُـو

وكنتُ إذا ما جئـتُ، يومـاً لحاجـة

مضَتْ وأجَمّتْ حاجة ُ الغدِ ما تخلـو

وكـلُّ محـبٍّ أعقـبَ النـأيُ لـبـهُ

سلوَّ فـؤادٍ، غيـر لبـكَ مـا يسلُـو

تَأوّبَـي ذِكْــرُ الأحِـبّـةِ بَعـدَمـا

هَجعتُ ودوني قُلّةُ الحَـزْن فالرّمْـلُ

فأقسمتُ جهداً بالمنـازلِ مـن منـىً

وما سحفتْ فيـهِ المقاديـمُ والقمـلُ

لأرْتَحِلَـنْ بالفَجْـرِ ثــمّ لأدأبَــنْ

إلـى اللَّيْـلِ إلاّ أنْ يُعْرّجَنـي طِفْـلُ

إلى مَعشَرٍ لم يُـورِثِ اللّـؤمَ جَدُّهُـمْ

أصاغرهُم، وكـلُّ فحـلٍ لـهُ نجـلُ

تربصْ، فإنْ تقـوِ المـروراةُ منهـمُ

وداراتُهـا لا تُقْـوِ مِنْهُـمْ إذاً نـخْـلُ

ومـا يَـكُ مِـنْ خَيـرٍ أتَـوْهُ فإنّمَـا

وجِزْعَ الحِسا منهُمْ إذا قَلّ مـا يخلـو

بــلادٌ بـهـا نادَمْتُـهُـمْ وألِفْتُـهُـمْ

فـإنْ تُقْوِيَـا مِنْهُـمْ فإنّهُمـا بَسْـلُ

إذا فزعوا طـاروا، إلـى مستغيثهـم،

طوالَ الرماحِ، لا قصـارٌ، لا عـزلُ

بخيـلٍ، عليهـا جـنـةٌ، عبقـريـة

جَديرونَ يَوْمـاً أن يَنالُـوا فيَستَعلُـوا

وإنْ يُقْتَـلُـوا فيُشْتَـفَـى بدِمائِـهِـمْ

وكانُوا قَديمـاً مِـنْ مَنَاياهُـمُ القَتـلُ

عَلَيهـا أُسُـودٌ ضارِيـاتٌ لَبُوسُـهُـمْ

سوابـغُ بيـضٌ، لا يخرقُهـا النبـلُ

إذا لَقِحَـتْ حَـرْبٌ عَـوَانٌ مُضِـرّة

ضروسٌ تهرُّ الناسَ أنيابهـا عصـلُ

قُضاعِيّـةٌ أوْ أُخْتُـهـا مُضَـرِيّـة

يحرقُ في حافاتها الحطـبُ الجـزلُ

تَجِدْهُمْ على ما خَيّلَـتْ هـمْ إزاءهـا

وَإنْ أفسَدَ المـالَ الجماعـاتُ والأزْلُ

يحشونهـا، بالمشرفـيـةِ والقـنـا

وَفِتيانِ صِـدْقٍ لا ضِعـافٌ ولا نُكـلُ

تِهامـونَ نَجْدِيّـونَ كَيْـداً ونُجـعَـة

لكُـلّ أُنـاسٍ مِـنْ وَقائِعهـمْ سَجْـلُ

هُـمُ ضَرَبُـوا عَـن فَرْجِهـا بكَتيبَـة

كبيضاءِ حرسٍ، في طوائفها الرجـلُ

مَتى يَشتَجـرْ قـوْمٌ تقُـلْ سرَواتُهُـمْ

هُمُ بَيْنَنا فهُمْ رِضًـى وَهُـمُ عـدْلُ

هـمُ جـددوا أحكـامَ كـلِّمضـلـة

منَ العُقْمِ لا يُلْفـى لأمثالِهـا فَصْـلُ

بعزمـةِ مأمـورٍ، مطيـعٍ، وآمــرٍ

مطـاعٍ فـلا يلفَـى لحزمهـمُ مثـلُ

ولستُ بـلاقٍ، بالحجـازِ، مجـاوراً

ولا سفـراً إلاَّ لـهُ منـهـمُ حـبـلُ

بـلادٌ بهَـا عَـزّوا مَعَـدّاً وغَيْرَهَـا،

مَشارِبُهـا عـذْبٌ وأعلامُهـا ثَـمْـلُ

وهم خير حيٍّ، مـن معـدٍّ، علمتهـمْ

لهم نائلٌ فـي قومهـم ولهـم فضـلُ

فَرِحْتُ بمـا خُبّـرْتُ عـن سيّدَيكُـمُ

وكانـا امرأيـنِ كـلُّ شأنهمـا يعلـو

رأى اللهُ، بالإحسانِ، مـا فعـلا بكـمُ

فأبْلاهُما خَيـرَ البَـلاءِ الـذي يَبْلُـو

تَدارَكْتُما الأحلافَ قـد ثُـلّ عَرْشُهـا

وذبيانَ قـد زلـت بأقدامهـا النعـلُ

فأصْبَحتُما منهَا علـى خَيـرِ مَوطِـنٍ

سَبيلُكُما فيـهِ، وإن أحزَنـوا، سَهـلُ

إذا السنةُ الشهباءُ بالنـاس أجحفـتْ

وَنالَ كِرامَ المالِ في الجَحرَةِ الأَكلُ

رأيتُ ذوي الحاجاتِ، حـولَ بيوتهـم

قطينـاً لهـم حتّـى إذا أنبـتَ البقـلُ

هنالكَ إنْ يستخبلـوا المـالَ يخبلـوا

وإنْ يسألوا يعطوا، وإنْ ييسروا يغلوا

وفيهـمْ مقامـاتٌ، حسـانٌ وجوههـا

وأنديـةٌ، ينتابهـا القـولُ، والفعـلُ

وإنْ جئتهـم ألفيـتَ حـولَ بيوتهـم،

مجَالسَ قد يُشفَـى بأحلامِهـا الجَهـلُ

وإنْ قامَ فيهِـمْ حامِـلٌ قـال قاعِـدٌ:

رَشَدْتَ فلا غُـرْمٌ عليـكَ وَلا خَـذْلُ

على مكثريهـم حـقُّ مـنيعتريهـمُ

وعنـدَ المقليـنَ السماحـةُ، والبـذلُ

سعى بعدهـم قـومٌ، لكـي يدركوهـمُ

فلَمْ يَفعَلُـوا ولـم يُليمـوا ولـم يألُـوا

فما كـانَ، مـن خيـرٍ، أتـوه فإنَّمـا

تَوَارَثَـهُـمْ آبَــاءُ آبَائِـهِـمْ قَـبْـلُ

هـل ينبـتُ الخطـيَّ إلاَّ وشيـجـهُ

وتُغـرَسُ، إلاّ فـي مَنابِتِهـا، النّخْـلُ

عجبت عبيلة من فتى متبذل

يقول عنترة بن شداد:[٢]

عجبت عبيلة من فتى متبذل

عاري الأشاجع شاحب كالمنصل

شعث المفارق منهج سرباله

لم يدهن حولا ولم يترجل

لا يكتسي إلا الحديد إذا اكتسى

وكذاك كل مغاور مستبسل

قد طال ما لبس الحديد فإنما

صدأ الحديد بجلده لم يغسل

فتضاحكت عجبا وقالت قولة

لا خير فيك كأنها لم تحفل

فعجبت منها كيف زلت عينها

عن ماجد طلق اليدين شمردل

لا تصرميني يا عبيل وراجعي

في البصيرة نظرة المتأمل

فلرب أملح منك دلا فاعلمي

وأقر في الدنيا لعين المجتلي

وصلت حبالي بالذي أنا أهله

من ودها وأنا رخي المطول

يا عبل كم من غمرة باشرتها

بالنفس ما كادت لعمرك تنجلي

فيها لوامع لو شهدت زهاءها

لسلوت بعد تخضب وتكحل

إما تريني قد نحلت ومن يكن

غرضا لأطراف الأسنة ينحل

فلرب أبلج مثل بعلك بادن

ضخم على ظهر الجواد مهيل

غادرته متعفرا أوصاله

والقوم بين مجرح ومجدل

فيهم أخو ثقة يضارب نازلا

بالمشرفي وفارس لم ينزل

ورماحنا تكف النجيع صدورها

وسيوفنا تخلي الرقاب فتختل

والهام تندر بالصعيد كأنما

تلقي السيوف بها رؤوس الحنظل

ولقد لقيت الموت يوم لقيته

متسربلا والسيف لم يتسربل

فرأيتنا ما بيننا من حاجز

إلا المجن ونصل أبيض مقصل

ذكر أشق به الجماجم في الوغى

وأقول لا تقطع يمين الصيقل

ولرب مشعلة وزعت رعالها

بمقلص نهد المراكل هيكل

سلس المعذر لاحق أقرابه

متقلب عبثا بفأس المسحل

نهد القطاة كأنها من صخرة

ملساء يغشاها المسيل بمحفل

وكأن هاديه إذا استقبلته

جذع أذل وكان غير مذلل

وكأن مخرج روحه في وجهه

سربان كانا مولجين لجيأل

وكأن متنيه إذا جردته

ونزعت عنه الجل متنا إيل

وله حوافر موثق تركيبها

صم النسور كأنها من جندل

وله عسيب ذو سبيب سابغ

مثل الرداء على الغني المفضل

سلس العنان إلى القتال فعينه

قبلاء شاخصة كعين الأحول

وكأن مشيته إذا نهنهته

بالنكل مشية شارب مستعجل

فعليه أقتحم الهياج تقحما

فيها وأنقض انقضاض الأجدل

رمت الفؤاد مليحة عذراء

يقول عنترة بن شداد في قصيدته رمت الفؤاد مليحة عذراء:[٣]

رمتِ الفؤادَ مليحة ٌ عذراءُ

بسهامِ لحظٍ ما لهنَّ دواءُ

مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ

مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ

فاغتالني سقمِى الَّذي في باطني

أخفيتهُ فأذاعهُ الإخفاءُ

خطرتْ فقلتُ قضيبُ بانٍ حركت

أعْطَافَه ُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ

ورنتْ فقلتُ غزالة ٌ مذعورةٌ

قدْ راعهَا وسطَ الفلاةِ بلاءُ

وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَة َ تِمِّهِ

قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ

بسمتْ فلاحَ ضياءُ لؤلؤ ثغرِها

فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ

سَجَدَتْ تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايلَتْ

لجلالهِا أربابنا العظماءُ

يَا عَبْلَ مِثْلُ هَواكِ أَوْ أَضْعَافُهُ

عندي إذا وقعَ الإياسُ رجاءُ

إن كَانَ يُسْعِدُنِي الزَّمَانُ فإنَّني

في هَّمتي لصروفهِ أرزاءُ

زار الخيال خيال عبلة في الكرى

كما يقول عنترة بن شداد:[٤]

زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَة َ في الكَرى

لمتِّيم نشوانَ محلول العرى

فنهضتُ أشكو ما لقيتُ لبعدها

فتنفَّسَتْ مِسكاً يخالطُ عَنْبَرا

فضَممتُها كيما أقبِّلَ ثغرَها

والدَّمعُ منْ جَفنيَّ قد بلَّ الثرى

وكشفتُ برقعها فأشرقَ وجهها

حتى أعادَ اللَّيلَ صُبحاً مُسفِراً

عربية ٌ يهتزُّ لين قوامها

فيخالُه العشَّاقُ رُمحاً أسمرا

محجوبة ٌ بصوارمٍ وذوابل

سمرٌ ودونَ خبائها أسدُ الشرى

يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى

وأنا المعنى فيكِ من دون الورى

يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي مَعَ دَمي

لمَّا جرت روحي بجسمي قدْ جرَى

وَلقد عَلِقْتُ بذَيلِ مَنْ فَخُرتْ به

عبسٌ وسيفُ أبيهِ أفنى حميرا

يا شأْسُ جرْني منْ غرامٍ قاتلٍ

أبداً أزيدُ به غراماً مسعرا

يا ساشُ لولا أنْ سلطانَ الهوى

ماضي العزيمة ِ ما تملكَ عنترا

المراجع

  1. “صَحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو”، al-hakawati.la.utexas، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2019.
  2. “عجبت عبيلة من فتى متبذل”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2019.
  3. عنترة بن شداد بن قراد العبسي، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 7.
  4. عنترة بن شداد بن قراد العبسي، ديوان عنترة بن شداد، صفحة 49.