شعر عن جفاء الحبيب

جفاء الحبيب

ذاك الشعور الذي يضني الفؤاد، تهتز أركان الفتى من الجفاء، البعد والرحيل، فتصبح كل الأيام هو وبعده ومحاولة الإتيان بسبب واحد لهذا ويستمر العقل بل القلب الذي ما هدأ مذ اول مشاعر الجفاء، بالتفكير بالحيرة والمغادرة عندما تتيه الأسباب وتُضني.

شعر الجواهري عن الجفاء

أمنعمَ القلب الخلي

تركتني حِلْفَ المحنْ

لم ترع عهد فتى رعاك

على السريرة وأتمن

سل جفنك الوسنان هل

علمت جُفوني ما الوسن

لحظ الحبيب آثار

بين النوم واللحظ الفتن

ان كان لا بد الرِّهانُ

فرحمةً بالمرتهن

رفقاً بقلب ما درى

غيرَ الشجى بك والشجن

يصبو لذكرك كلما

ناح الحمام على فنن

اخشى يطول على الصراط

عذاب مطلعك الحسن

ما ضرَّ من ضمن الحشا

لو كان يرعى ما ضمن

طَرْفٌ قرير كان فيك

رماه هجرك بالدَّرَن

الله ماذا حَمَّلت

كفُّ النوى هذا البدن

لا تحسبوا ماءَ الفرات

كعهدكمْ فلقد أجَن

حسد الزمان ليالياً

سَمَح الوصال بها فضن

أعذَرْتُمُ لولا النوى

ووَفَيْتُمُ لو لا الزمن

لو تشترى بالروح

أيام الصبا قل الثمن

ولقد وقفتُ بداركمْ

وكأنها بطن المِجَنْ

يا مألف الأحباب حُلْتَ

وحال عهدُك بالسَّكن

واعتضتَ آراماً سوانحَ

فيك عن ريمي الأغن

وذَعْرتَ سِربي بالفراق

فليت سربَك لا أمِن

ويحَ المعذب بالبِعاد

تَهيِجُه حتى الدِّمن

ماذا على العُذّال إن

وجد المقيم بمن ظعن

أيلام إلْفٌ بان عنه

أليفُه فبكى وحن

لو لم يشُفِ القوس

مرمى سهمه ما كان رن

جفاء أهل الهوى

أحمد شوقي

عَلى قَدرِ الهَوى يَأتي العِتابُ

وَمَن عاتَبتُ يَفديهِ الصِحابُ

أَلومُ مُعَذِبي فَأَلومُ نَفسي

فَأُغضِبُها وَيُرضيها العَذابُ

وَلَو أَنّي اِستَطَعتُ لَتُبتُ عَنهُ

وَلَكِن كَيفَ عَن روحي المَتابُ

وَلي قَلبٌ بِأَن يَهوى يُجازى

وَمالِكُهُ بِأَن يَجني يُثابُ

وَلَو وُجِدَ العِقابُ فَعَلتُ لَكِن

نِفارُ الظَبيِ لَيسَ لَهُ عِقابُ

يَلومُ اللائِمونَ وَما رَأَوهُ

وَقِدماً ضاعَ في الناسِ الصَوابُ

صَحَوتُ فَأَنكَرَ السُلوانَ قَلبي

عَلَيَّ وَراجَعَ الطَرَبَ الشَبابُ

كَأَنَّ يَدَ الغَرامِ زِمامُ قَلبي

فَلَيسَ عَلَيهِ دونَ هَوىً حِجابُ

كَأَنَّ رِوايَةَ الأَشواقِ عَودٌ

عَلى بَدءٍ وَما كَمُلَ الكِتابُ

كَأَنِّيَ وَالهَوى أَخَوا مُدامٍ

لَنا عَهدٌ بِها وَلَنا اصطِحابُ

إِذا ما اِعتَضتُ عَن عِشقٍ بِعِشقِ

أُعيدَ العَهدُ وَاِمتَدَّ الشَرابُ

هكذا يكون الجفاء

يا أيها الطيف البعيد

في القلب شيء من عتاب

ودعت أيامي وودعني الشباب

لم يبق شيء من وجودي غير ذرات التراب

وغدوت يا دنياي وحدي لا أنام

الصمت ألحان أرددها هنا وسط الظلام

لا شيء عندي لا رفيق.. ولا كتاب

لم يبق شيء في الحنايا غير حزن واكتئاب

فلقد غدوت اليوم جزءاً من تراب

بالرغم من هذا أحن إلى العتاب..

أعطيتك الحب الذي يرويك من ظمأ الحياة

أعطيتك الأشواق من عمر تداعى.. في صباه

قد قلت لي يوماً:

سأظل رمزاً للوفاء

فإذا تلاشى العمر يا عمري

ستجمعنا السماء

ورحلت يوماً للسماء

وبنيت قصراً من ظلال الحب

في قلب العراء

وأخذت أنسج من حديث الصمت

ألحاناً جميلة..

وأخذت أكتب من سطور العشق

أزجالاً طويلة

ودعوت للقصر الطيور

وجمعت من جفن الأزاهر

كلّ أنواع العطور

وفرشت أرض القصر

أثواب الأمل

وبنيت أسواراً من الأشواق

تهفو للقبل

وزرعت حول القصر زهر الياسمين

قد كنت دوماً تعشقين الياسمين

وجمعت كلّ العاشقين

فتعلموا مني الوفاء

وأخذت أنتظر اللقاء..

الموج يجذبني إلى شيء بعيد

وأنا أخاف من البحار

فيها الظلام

ولقد قضيت العمر أنتظر النهار

أترى سترجع قصة الأحزان في درب الحياة

فلقد سلكت الدرب ثمّ بلغت يوماً.. منتهاه

وحملت في الأعماق قلباً علة

ما زال يسبح.. في دماه

فتركت هذا الدرب من زمن وودعت الحنين

ونسيت جرحي من سنين

الموج يجذبني إلى شيء بعيد

حبّ جديد

إني تعلمت الهوى وعشقته منذ الصغر

وجعلته حلم العمر

وكتبت للأزهار للدنيا

إلى كل البشر

الحب واحة عمرنا

ننسى به الآلام في ليل السفر

وتسير فوق جراحنا بين الحفر..

الموج يجذبني إلى شيء بعيد

يا شاطئ الأحلام

يوماً من الأيام جئت إليك

كالطفل ألتمس الأمان

كالهارب الحيران أبحث عن مكان

كالكهل أبحث في عيون الناس

عن طيف الحنان

وعلى رمالك همت في أشعاري

فتراقصت بين الربا أوتاري

ورأيت أيامي بقربك تبتسم

فأخذت أحلم بالأماني المقبلة

بيت صغير في الخلاء

حب ينير الدرب في ليل الشقاء

طفل صغير

أنشودة تنساب سكرى كالغدير

وتحطمت أحلامنا الحيرى وتاهت في الرمال

ورجعت منك وليس في عمري سوى

أشباح ذكرى أو ظلال

وعلى ترابك مات قلبي وانتهى..

والآن عدت إليك

الموج يحملني إلى حب جديد

ولقد تركت الحب من زمن بعيد

لكنني سأزور فيك

منازل الحب القديم

سأزور أحلام الصبا

تحت الرمال تبعثرت فوق الربى

قد عشت فيها وانتهت أطيافها

ورحلت عنها.. من سنين

بالرغم من هذا فقد خفقت لها

في القلب أوتار الحنين

فرجعت مثل العاشقين

محمود درويش وانتظار الحبيب

بكأس الشراب المرصّع باللازرود

أنتظرها

على بركة الماء حول المساء وزهر الكولونيا

أنتظرها

بصبر الحصان المعدّ لمنحدرات الجبال

أنتظرها

بسبع وسائد محشوة بالسحاب الخفيف

أنتظرها

بنار البخور النسائي ملء المكان

أنتظرها

برائحة الصندل الذكرية حول ظهور الخيول

أنتظرها

ولا تتعجل فإن اقبلت بعد موعدها

فأنتظرها

وإن أقبلت قبل موعدها

فأنتظرها

ولا تُجفل الطير فوق جدائلها

وأنتظرها

لتجلس مرتاحة كالحديقة فى أوج زينتها

وأنتظرها

لكي تتنفس هذا الهواء الغريب على قلبها

وأنتظرها

لترفع عن ساقها ثوبها غيمة غيمة

وأنتظرها

وخذها إلى شرفة لترى قمراً غارقاً فى الحليب

أنتظرها

وقدم لها الماء، قبل النبيذ، ولا

تتطلع إلى توأمي حجل نائمين على صدرها

وأنتظرها

ومسّ على مهل يدها عندما

تضع الكأس فوق الرخام

كأنك تحمل عنها الندى

وأنتظرها

تحدث اليها كما يتحدث ناي

إلى وتر خائف فى الكمان

كأنكما شاهدان على ما يعد غد لكما

وأنتظرها

ولمّع لها ليلها خاتماً خاتماً

وأنتظرها

إلى أن يقول لك الليل:

لم يبق غيركما فى الوجود

فخذها برفق إلى موتك المشتهى

وأنتظرها