قصيدة حكمة قوية
الحكمة
الحكمة هي وليدة المعرفة والتجارب ولكلّ منا تجاربه وحكمه الخاصة، ولكن ما يميز الحكماء أنّهم يستخرجون الحكم من طيات التعب واليأس والحزن، فقد تجد شاباً يحمل من الحكمة ما لا يحمله عجوز، وربما تأخذ الحكمة من تجاربك اليومية، فمصادر الحكمة متعددة فقد تأخذ الحكمة من طفل أو صديق أو عابر سبيل ولكن ما يميز الحكمة أنّ هدفها واحد؛ لذا سنقد لكم في هذه المقالة أجمل الحكم الشعرية المتنوعة حول الحياة.
نظر الليث إلى عجل سمين
الشاعر أحمد شوقي، ولد الشاعر أحمد شوقي عام 1868م في القاهرة، أتم الثانوية ودرس الحقوق ثمّ أرسله الخديوي إلى فرنسا ليستكمل دراسته، وبقي هناك ثلاث سنوات ثمّ عاد إلى مصر عام 1894م، وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى نفى الإنجليز أحمد شوقي إلى الأندلس، ألف العديد من المسرحيات أهمها قمبيز، ومصرع كليوباترا، وعلى بك الكبير، ومجنون ليلى، توفي أحمد شوقي عام 1932م، أمّا قصيدته فقال فيها:[١]
نظرَ الليثُ إلى عجلٍ سمينْ
- كان بالقربِ على غيْطٍ أَمينْ
فاشتهتْ من لحمه نفسُ الرئيس
- وكذا الأنفسُ يصبيها النفيس
قال للثعلبِ: يا ذا الاحتيال
- رأسكَ المحبوبُ، أو ذاك الغزال!
فدعا بالسعدِ والعمرِ الطويل
- ومضى في الحالِ للأمرِ الجليل
وأتى الغيظَ وقد جنَّ الظلام
- فأرى العجلَ فأهداهُ السلام
قائلاً: يا أيها الموْلى الوزيرْ
- أنت أهلُ العفوِ والبرِّ الغزير
حملَ الذئبَ على قتلي الحسد
- فوشَى بي عندَ مولانا الأَسد
فترامَيْتُ على الجاهِ الرفيع
- وهْوَ فينا لم يزَل نِعمَ الشَّفيع!
فبكى المغرورُ من حالِ الخبيث
- ودنا يسأَلُ عن شرح الحديث
قال: هل تَجهلُ يا حُلْوَ الصِّفات
- أَنّ مولانا أَبا الأَفيالِ مات؟
فرأَى السُّلطانُ في الرأْس الكبير
- ولأَمْرِ المُلكِ ركناً يُذخر
ولقد عدُّوا لكم بين الجُدود
- مثل آبيسَ ومعبودِ اليهود
فأَقاموا لمعاليكم سرِير
- عن يمين الملكِ السامي الخطير
واستَعدّ الطير والوحشُ لذاك
- في انتظار السيدِ العالي هناك
فإذا قمتمْ بأَعباءِ الأُمورْ
- وانتَهى الأُنسُ إليكم والسرورْ
برِّئُوني عندَ سُلطانِ الزمان
- واطلبوا لي العَفْوَ منه والأمان
وكفاكم أنني العبدُ المطيع
- أخدمُ المنعمَ جهدَ المستطيع
فأحدَّ العجلُ قرنيه، وقال:
- أَنت مُنذُ اليومِ جاري، لا تُنال!
فامْضِ واكشِفْ لي إلى الليثِ الطريق
- أنا لا يشقى لديه بي رفيق
فمَضى الخِلاَّنِ تَوّاً للفَلاه
- ذا إلى الموتِ، وهذا للحياه
وهناك ابتلعَ الليثُ الوزير
- وحبا الثعلبَ منه باليسير
فانثنى يضحكُ من طيشِ العُجولْ
- وجَرى في حَلْبَة ِ الفَخْر يقولْ:
سلمَ الثعلبُ بالرأسِ الصغير
- فقداه كلُّ ذي رأسٍ كبير!
حكم سيوفك في رقاب العذل
عنترة بن شَدّاد واسمه عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي، وهو من أشهر الشعراء والفرسان بالجاهيلة، وكان مغرماً بابنة عمه عبلة وكان يذكرها دائماً في شعره، وقد شهد حرب الغبراء وداحس، ومات قتلاً على يد جبار بن عمرو الطائي أمّا قصيدته فقال فيها:[٢]
حكّمْ سيُوفَكَ في رقابِ العُذَّل
- واذا نزلتْ بدار ذلَّ فارحل
وإذا بُليتَ بظالمٍ كُنْ ظالماً
- واذا لقيت ذوي الجهالة ِ فاجهل
وإذا الجبانُ نهاكَ يوْمَ كريهة ٍ
- خوفاً عليكَ من ازدحام الجحفل
فاعْصِ مقالَتهُ ولا تَحْفلْ بها
- واقْدِمْ إذا حَقَّ اللِّقا في الأَوَّل
واختَرْ لِنَفْسِكَ منْزلاً تعْلو به
- أَوْ مُتْ كريماً تَحْتَ ظلِّ القَسْطَل
فالموتُ لا يُنْجيكَ منْ آفاتِهِ
- حصنٌ ولو شيدتهُ بالجندل
موتُ الفتى في عزهِ خيرٌ له
- منْ أنْ يبيتَ أسير طرفٍ أكحل
إنْ كُنْتُ في عددِ العبيدِ فَهمَّتي
- فوق الثريا والسماكِ الأعزل
أو أنكرتْ فرسانُ عبس نسبتي
- فسنان رمحي والحسام يقرُّ لي
وبذابلي ومهندي نلتُ العلاَ
- لا بالقرابة ِ والعديدِ الأَجزل
ورميتُ مهري في العجاجِ فخاضهُ
- والنَّارُ تقْدحُ منْ شفار الأَنْصُل
خاضَ العجاجَ محجلاً حتى إذا
- شهدَ الوقعية َ عاد غير محجل
ولقد نكبت بني حريقة َ نكبة ً
- لما طعنتُ صميم قلب الأخيل
وقتلْتُ فارسَهُمْ ربيعة َ عَنْوَة ً
- والهيْذُبانَ وجابرَ بْنَ مُهلهل
وابنى ربيعة َ والحريسَ ومالكا
- والزّبْرِقانُ غدا طريحَ الجَنْدل
وأَنا ابْنُ سوْداءِ الجبين كأَنَّها
- ضَبُعٌ تَرعْرَع في رُسومِ المنْزل
الساق منها مثلُ ساق نعامة ٍ
- والشَّعرُ منها مثْلُ حَبِّ الفُلْفُل
والثغر من تحتِ اللثام كأنه
- برْقٌ تلأْلأْ في الظّلامَ المُسدَل
يا نازلين على الحِمَى ودِيارِهِ
- هَلاَّ رأيتُمْ في الدِّيار تَقَلْقُلي
قد طال عزُّكُم وذُلِّي في الهوَى
- ومن العَجائبِ عزُّكم وتذَلُّلي
لا تسقيني ماءَ الحياة ِ بذلة ٍ
- بل فاسقني بالعزَّ كاس الحنظل
ماءُ الحياة ِ بذلة ٍ كجهنم
- وجهنم بالعزَّ أطيبُ منزل
فديناك من ربع وإن زدتنا كربا
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي أبو الطيب المتنبي وهو أحد مفاخر الأدب العربي، ولد بالكوفة في كندة، وقد وفد إلى سيف الدولة ابن حمدان فمدحه، ومدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي، ومدح كافور الإخشيدي وطلب منه الولاية فرفض وهجاه، وقد نظم قصيدة بعنوان فديناك من ربع وإن زدتنا كربا وقال فيها:
فَدَيناكَ مِن رَبعٍ وَإِن زِدتَنا كَربا
- فَإِنَّكَ كُنتَ الشَرقَ لِلشَمسِ وَالغَربا
وَكَيفَ عَرَفنا رَسمَ مَن لَم يَدَع لَنا
- فُؤاداً لِعِرفانِ الرُسومِ وَلا لُبّا
نَزَلنا عَنِ الأَكوارِ نَمشي كَرامَةً
- لِمَن بانَ عَنهُ أَن نُلِمَّ بِهِ رَكبا
نَذُمُّ السَحابَ الغُرَّ في فِعلِها بِهِ
- وَنُعرِضُ عَنها كُلَّما طَلَعَت عَتبا
وَمَن صَحِبَ الدُنيا طَويلاً تَقَلَّبَت
- عَلى عَينِهِ حَتّى يَرى صِدقَها كِذبا
وَكَيفَ اِلتِذاذي بِالأَصائِلِ وَالضُحى
- إِذا لَم يَعُد ذاكَ النَسيمُ الَّذي هَبّا
ذَكَرتُ بِهِ وَصلاً كَأَن لَم أَفُز بِهِ
- وَعَيشاً كَأَنّي كُنتُ أَقطَعُهُ وَثبا
وَفَتّانَةَ العَينَينِ قَتّالَةَ الهَوى
- إِذا نَفَحَت شَيخاً رَوائِحُها شَبّا
لَها بَشَرُ الدُرِّ الَّذي قُلِّدَت بِهِ
- وَلَم أَرَ بَدراً قَبلَها قُلِّدَ الشُهبا
فَيا شَوقِ ما أَبقى وَيالي مِنَ النَوى
- وَيا دَمعِ ما أَجرى وَيا قَلبِ ما أَصبى
لَقَد لَعِبَ البَينُ المُشِتُّ بِها وَبي
- وَزَوَّدَني في السَيرِ ما زَوَّدَ الضِبّا
وَمَن تَكُنِ الأُسدُ الضَواري جُدودَهُ
- يَكُن لَيلُهُ صُبحاً وَمَطعَمُهُ غَصبا
وَلَستُ أُبالي بَعدَ إِدراكِيَ العُلا
- أَكانَ تُراثاً ما تَناوَلتُ أَم كَسبا
فَرُبَّ غُلامٍ عَلَّمَ المَجدَ نَفسَهُ
- كَتَعليمِ سَيفِ الدَولَةِ الطَعنَ وَالضَربا
إِذا الدَولَةُ اِستَكفَت بِهِ في مُلِمَّةٍ
- كَفاها فَكانَ السَيفَ وَالكَفَّ وَالقَلبا
تُهابُ سُيوفُ الهِندِ وَهيَ حَدائِدٌ
- فَكَيفَ إِذا كانَت نِزارِيَّةً عُربا
وَيُرهَبُ نابُ اللَيثِ وَاللَيثُ وَحدَهُ
- فَكَيفَ إِذا كانَ اللُيوثُ لَهُ صَحبا
وَيُخشى عُبابُ البَحرِ وَهوَ مَكانَهُ
- فَكَيفَ بِمَن يَغشى البِلادَ إِذا عَبّا
عَليمٌ بِأَسرارِ الدِياناتِ وَاللُغى
- لَهُ خَطَراتٌ تَفضَحُ الناسَ وَالكُتبا
فَبورِكتَ مِن غَيثٍ كَأَنَّ جُلودَنا
- بِهِ تُنبِتُ الديباجَ وَالوَشيَ وَالعَصبا
وَمِن واهِبٍ جَزلاً وَمِن زاجِرٍ هَلاً
- وَمِن هاتِكٍ دِرعاً وَمِن ناثِرٍ قُصبا
هَنيئاً لِأَهلِ الثَغرِ رَأيُكَ فيهِمِ
- وَأَنَّكَ حِزبَ اللَهِ صِرتَ لَهُم حِزبا
وَأَنَّكَ رُعتَ الدَهرَ فيها وَرَيبَهُ
- فَإِن شَكَّ فَليُحدِث بِساحَتِها خَطبا
فَيَوماً بِخَيلٍ تَطرُدُ الرومَ عَنهُمُ
- وَيَوماً بِجودٍ يَطرُدُ الفَقرَ وَالجَدبا
سَراياكَ تَترى وَالدُمُستُقُ هارِبٌ
- وَأَصحابُهُ قَتلى وَأَموالُهُ نُهبى
أَرى مَرعَشاً يَستَقرِبُ البُعدَ مُقبِلاً
- وَأَدبَرَ إِذ أَقبَلتَ يَستَبعِدُ القُربا
كَذا يَترُكُ الأَعداءَ مَن يَكرَهُ القَنا
- وَيَقفُلُ مَن كانَت غَنيمَتُهُ رُعبا
وَهَل رَدَّ عَنهُ بِاللُقانِ وُقوفُهُ
- صُدورَ العَوالي وَالمُطَهَّمَةَ القُبّا
مَضى بَعدَما اِلتَفَّ الرِماحانِ ساعَةً
- كَما يَتَلَقّى الهُدبُ في الرَقدَةِ الهُدبا
وَلَكِنَّهُ وَلّى وَلِلطَعنِ سَورَةٌ
- إِذا ذَكَرَتها نَفسُهُ لَمَسَ الجُنبا
وَخَلّى العَذارى وَالبَطاريقَ وَالقُرى
- وَشُعثَ النَصارى وَالقَرابينَ وَالصُلبا
أَرى كُلَّنا يَبغي الحَياةَ لِنَفسِهِ
- حَريصاً عَلَيها مُستَهاماً بِها صَبّا
فَحُبُّ الجَبانِ النَفسَ أَورَدَهُ التُقى
- وَحُبُّ الشُجاعِ النَفسَ أَورَدَهُ الحَربا
وَيَختَلِفُ الرِزقانِ وَالفِعلُ واحِدٌ
- إِلى أَن يُرى إِحسانُ هَذا لِذا ذَنبا
فَأَضحَت كَأَنَّ السورَ مِن فَوقِ بَدئِهِ
- إِلى الأَرضِ قَد شَقَّ الكَواكِبَ وَالتُربا
تَصُدُّ الرِياحُ الهوجُ عَنها مَخافَةً
- وَتَفزَعُ مِنها الطَيرُ أَن تَلقُطَ الحَبّا
وَتَردي الجِيادُ الجُردُ فَوقَ جِبالِها
- وَقَد نَدَفَ الصِنَّبرُ في طُرقِها العُطبا
كَفى عَجَباً أَن يَعجَبَ الناسُ أَنَّهُ
- بَنى مَرعَشاً تَبّاً لِآرائِهِم تَبّا
وَما الفَرقُ ما بَينَ الأَنامِ وَبَينَهُ
- إِذا حَذِرَ المَحذورَ وَاِستَصعَبَ الصَعبا
لِأَمرٍ أَعَدَّتهُ الخِلافَةُ لِلعِدا
- وَسَمَّتهُ دونَ العالَمِ الصارِمَ العَضبا
وَلَم تَفتَرِق عَنهُ الأَسِنَّةُ رَحمَةً
- وَلَم يَترُكِ الشامَ الأَعادي لَهُ حُبّا
وَلَكِن نَفاها عَنهُ غَيرَ كَريمَةٍ
- كَريمُ الثَنا ما سُبَّ قَطُّ وَلا سَبّا
وَجَيشٌ يُثَنّي كُلَّ طَودٍ كَأَنَّهُ
- خَريقُ رِياحٍ واجَهَت غُصُناً رَطبا
كَأَنَّ نُجومَ اللَيلِ خافَت مُغارَهُ
- فَمَدَّت عَلَيها مِن عَجاجَتِهِ حُجبا
فَمَن كانَ يُرضي اللُؤمَ وَالكُفرَ مُلكُهُ
- فَهَذا الَّذي يُرضي المَكارِمَ وَالرَبّا[٣]
المراجع
- ↑ أحمد شوقي، ديوان أحمد شوقي ، صفحة 335-336.
- ↑ عنترة بن شداد، “حكّمْ سيُوفَكَ في رقابِ العُذَّل”، www.adab.com.
- ↑ المتنبي، “فديناك من ربع وإن زدتنا كربا”، www.aldiwan.net.