من شعر الفروسية

طال الثَّواء على رسوم المنزل

يقول عنترة بن شدّاد:[١]

طال الثَّواءُ على رُسوم المنْزل

بين اللَّكيكِ وبين ذَاتِ الحَرْمل

فوقفت في عرصاتها متحيراً

أسلُ الديارَ كفعل من لم يذهلِ

لَعِبَتْ بها الأَنْواءُ بعد أنيسها

والرَّامساتُ وكل جونٍ مسبل

أفَمِنْ بكاءِ حمامة ٍ في أيكة ٍ

ذرفتْ دموعكَ فوق ظهر المحمل

كالدرِّ أو فضض الجمانِ تقطعت

منهُ عَقائِدُ سِلْكهِ لم يُوصل

لما سمعتُ دعاءَ مرَّة إذ دعا

ودُعاءَ عبْسٍ في الوَغى ومُحلِّلِ

ناديتَ عبساً فاستجابوا بالقنا

وبكلّ أبيضَ صارمٍ لم يَنْجَلِ

حتى استباحوا آلَ عوفٍ عنوة ً

بالمَشْرَفيِّ وبالوشيج الذُّبَّل

إني امرؤُ منْ خير عبسٍ منصباً

شطري وأحمي سائري بالمنصل

إنْ يُلحَقُوا أكْرُرْ وإنْ يُسْتلحَمُوا

أشددْ وإنْ يلفوا بضنكٍ أنزِل

حين النزول يكونُ غاية َ مثلنا

ويَفرُّ كلُّ مُضَلَّلٍ مُستَوْهِلِ

ولقد أبيتُ على الطَّوى وأظلهُ

حتى أنال به كريمَ المأكلِ

وإذا الكَتيبة ُ أحْجَمتْ وتلاحظَتْ

ألفيتُ خيراً منْ معمَّ مخول

والخيلُ تَعلمُ والفَوارسُ أنني

فرَّقْتُ جمعهم بطعنة ِ فيصل

إذ لاَ أبادرُ في المضيق فوارسي

ولاَ أُوكلُّ بالرعيل الأوَّل

ولقد غدوت أمامَ راية ِ غالبٍ

يوْمَ الهياج وما غَدَوْتُ بأَعْزل

بكَرتْ تخوفني الحتوفَ كأنني

أَصْبحْتُ عن غَرض الحَتوفِ بِمَعْزِل

فأَجَبْتُهَا إنْ المَنيَّة مَنْهلٌ

لا بدَّ أنْ أُسْقَى بكأْس المنْهل

فاقني حياءك لا أبالكِ واعلمي

أني امرؤ سأموتُ إنُ لم أقتل

إنَّ المنيَّة لو تُمثَّلُ مُثِّلتْ

مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل

والخيلُ ساهِمة ُ الوجُوهِ كأَنَّما

تسقى فوارسها نقيع الحنظل

وإذا حملتُ على الكريهِة لم أقلْ

بعد الكريهة ِ ليتني لم أفعل

أيّها الفارس الشجاع ترجّل

يقول خليل مطران:[٢]

أَيُّهَا الفَارِسُ الشُّجَاعُ تَرَجَّلْ

قَدْ كَبَا مُهْرُكَ الأَغَرُّ المُحَجَّلْ

شَدَّ مَا خَبَّ مُوجِفاً كُلَّ يَوْمٍ

فِي طِلاَبٍ مِنَ الفَخَارِ مُعَجَّلْ

دَمِيَتْ بِالرِّكَابِ شَاكِلَتَاهُ

فَهَوَى رَازِحاً بِهِ مَا تَحَمَّل

هُزِلَتْ سُوقُهُ إِلَى أَنْ تَثَنَّتْ

وَدنَا عُنْقُهُ إِلَى أَنْ تَسَفَّلْ

وَخَبَا مِنْ جَبِينهِ نَجْمُ سَعْدٍ

طَالَمَا كَانَ ضَاحِكاً يَتَهلَّلْ

هَكَذَا رُحْتَ تُرْهِقُ العُمْرَ حَثّاً

فَتَلاَشَى وَمَجْدُهُ بِكَ أَمْثَلْ

نَادِبِي أَدْهَم وَنَاعِي عُلاَهُ

كَانَ مِنْ خِيرَةِ الْعُلَى أَنْ تَرَحل

لَمْ يَبِتْ فِي الثَّرَى فَتَى الْخَيْلِ لَكِنْ

آثَرَ الأفْقَ صَهْوَةً فَتَحَوَّلْ

أغالب فيك الشوق والشوق أغلب

يقول المتنبي:[٣]

ويوم كليل العاشقين كمنته

أراقب فيه الشمسَ أيان تغربُ

وعيني إلى أذني أغر كأنه

من الليل باقٍ بين عينيه كوكب

له فضلة من جسمه في إهابه

تجيء على صدر رحيب وتذهب

شققت به الظلماء أدني عنانه

فيطغى وأرخيه مرارًا فيلعب

وأصرع أي الوحش قفيته به

وأنزل عنه مثله حين أركب

وما الخيل إلا كالصديق قليلة

وإن كثرت في عين من لا يجرب

إذا لم تشاهد غير حسن شياتها

وأعضائها فالحسن عنك مغيب

هل بان قلبك من سليمى فاشتفى

يقول الأسعر الجعفي:[٤]

وَلَقَد عَلِمتُ عَلى تَجَنُّبِيَ الرَدى

أَنَّ الحُصونَ الخَيلُ لا مَدَرُ القُرى

راحوا بَصائِرُهُم عَلى أَكتافِهِم

وَبَصيرَتي يَعدو بِها عَتَدٌ وَأى

نَهدُ المَراكِلِ لا يَزالُ زَميلُهُ

فَوقَ الرِحالَةِ ما يُبالي ما أَتى

أَمّا إِذا اِستَدبَرتَهُ فَتَسوقُهُ

رِجلٌ قَموصُ الوَقعِ عارِيَةُ النَسا

أَمّا إِذا اِستَعرَضتَهُ مُتَمَطِّراً

فَتَقولُ هَذا مِثلُ سِرحانِ الغَضا

أَمّا إِذا اِستَقبَلتَهُ فَكَأَنَّهُ

بازٌ يُكَفكِفُ أَن يَطيرَ وَقَد رَأى

إِنّي وَجَدتُ الخَيلَ عِزّاً ظاهِراً

تَنجي مِنَ الغُمّى وَيَكشِفنَ الدُجى

وَيَبِتنَ بِالثَغرِ المَخوفِ طَوالِعاً

وَيُثِبنَ لِلصُعلوكِ جَمَّةَ ذي الغِنى

وَإِذا رَأَيتَ مُحارِباً وَمُسالِماً

فَليَبِني عِندَ المُحارِبِ مَن بَغى

وَخصاصَةُ الجُعفِيِّ ما صاحَبتَهُ

لا تَنقَضي أَبَداً وَإِن قيلَ اِنقَضى

إِخوانُ صِدقٍ ما رَأَوكَ بِغِبطَةٍ

فَإِنِ اِفتَقَرَت فَقَد هَوى بِكَ ما هَوى

مَسَحوا لِحاهُم ثُمَّ قالوا سالِموا

يا لَيتَني في القَومِ إِذا مَسَحوا اللِحى

وكَتيبَةٍ لَبَّستُها بِكَتيبَةٍ

حَتّى تَقولَ سَراتُهُم هَذا الفَتى

لا يَشتَكونَ المَوتَ غَير تَغَمغُمٍ

حَكَّ الجِمالِ جُنوبَهُنَّ مِنَ الشَذا

يَخرُجنَ مِن خَلَلِ الغُبارِ عَوابِساً

كَأَصابِعِ المَقرورِ أَقعى فَاِصطَلى

يَتَخالَسونَ نُفوسَهُم بِنَوافِذٍ

فَكَأَنَّما عَضَّ الكُماةُ عَلى الحَصى

فَإِذا شَدَدتُ شَدَدتُ غَيرَ مُكَذِّبٍ

وَإِذا طَعَنتُ كَسَرتُ رُمحي أَو مَضى

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

يقول امرؤ القيس:[٥]

وَقَد أَغتَدي وَالطَيرُ في وُكُناتِها

بِمُنجَرِدٍ قَيدِ الأَوابِدِ هَيكَلِ

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعاً

كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ

كُمَيتٍ يَزِلُّ اللِبدُ عَن حالِ مَتنِهِ

كَما زَلَّتِ الصَفواءُ بِالمُتَنَزَّلِ

مسحٍّ إذا ما السابحاتُ على الونى

أثرنَ غباراً بالكديد المركل

على العقبِ جيَّاش كأن اهتزامهُ

إذا جاش فيه حميُه غَليُ مِرْجلِ

يطيرُ الغلامُ الخفُّ على صهواته

وَيُلْوي بأثْوابِ العَنيفِ المُثقَّلِ

دَريرٍ كَخُذْروفِ الوَليدِ أمَرّهُ

تقلبُ كفيهِ بخيطٍ مُوصلِ

لهُ أيطلا ظبيٍ وساقا نعامة

وإرخاء سرحانٍ وتقريبُ تنفلِ

كأن على الكتفين منه إذا انتحى

مَداكَ عَروسٍ أوْ صَلاية َ حنظلِ

وباتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلجامُهُ

وباتَ بعيني قائماً غير مرسل

فعنَّ لنا سربٌ كأنَّ نعاجَه

عَذارَى دَوارٍ في مُلاءٍ مُذَيَّلِ

فأدبرنَ كالجزع المفصل بينه

بجيدِ مُعَمٍّ في العَشيرَة ِ مُخْوَلِ

فألحَقَنا بالهادِياتِ وَدُونَهُ

جواحِرها في صرة ٍ لم تزيَّل

نحا فارس الشهباء والخيل جنح

يقول عنترة بن شدّاد:[٦]

نحا فارسُ الشهباءِ والخيلُ جنحُ

على فارسٍ بين الأسِنَّة ِ مُقْصَدِ

ولولا يدٌ نالَتْهُ مِنَّا لأَصْبَحَتْ

سِباعٌ تهادَى شِلْوَهُ غيرَ مُسْنَدَ

فلا تَكْفُر النّعْمى وأثْن بفَضلِها

ولا تأمننْ مايحدثُ الله في غدِ

فإنْ يَكُ عبدُ الله لاقى فوَارساً

يردُّون خالَ العارض المتوقدِ

فقدْ أمكَنَتْ مِنْكَ الأَسِنَّة ُ عانياً

فلم تجز إذ تسعى قتيلاً بمعبد

يا فارس الخيل تردي في أعنتها

يقول الحيص بيص:[٧]

يا فارس الخيل تَردي في أعِنَّتها

والشَّاهدان بها حربٌ وميدانُ

اِنْ لَقَّبوكَ لدين المصطفى أسداً

فانَّ فعلك للتَّلقيبِ بُرهانُ

تُغادر البطل الجحجاح في رهجٍ

شِلْواً تناهبهُ طيرٌ وسيدانُ

وتفضلُ الغيث والأيامُ مُجدبَةٌ

بأنَّ جودكَ في العافينَ تَهْتانُ

حُبِّي ذوي الهمم العلياءِ أنْطقني

بمدح ذي همَّةٍ فيها له شأنُ

الخيول

يقول أمل دنقل:[٨]

الفتوحات فى الأرض – مكتوبة بدماء الخيول

وحدودُ الممالك

رسمتها السنابك

والركابان : ميزان عدل يميل مع السيف

حيث يميل

اركضى أو قفى الآن .. أيتها الخيلُ :

لستِ المغيرات صبحا

ولا العاديات – كما قيل – ضبحا

ولاخضرة فى طريقك تُمحى

ولاطفل أضحى

إذا مامررت به … يتنحَّى

وهاهى كوكبة الحرس الملكى..

تجاهد أن تبعث الروح فى جسد الذكريات

بدقِّ الطبول

اركضى كالسلاحف

نحو زوايا المتاحف..

صيرى تماثيل من حجرٍ فى الميادين

صيرى أراجيح من خشبٍ للصغار – الرياحين

صيرى فوارس حلوى بموسمك النبوى

وللصبية الفقراء حصاناً من الطينِ

صيرى رسوماً … ووشماً

تجف الخطوط به

مثلما حفَّ – فى رئتيك – الصهيل !

(2)

كانت الخيلُ – فى البدءِ – كالناس

برِّيَّةً تتراكضُ عبر السهول

كانت الخيلُ كالناس فى البدءِ

تمتلكُ الشمس والعشب

والملكوتِ الظليل

ظهرها… لم يوطأ لكى يركب القادة الفاتحون

ولم يلنِ الجسدُ الحُرُّ تحت سياطِ المروِّض

والفمُ لم يمتثل للجام

ولم يكن … الزاد بالكاد

لم تكن الساق مشكولة

والحوافر لم يك يثقلها السنبك المعدنى الصقيل

كانت الخيلُ برِّيَّة

تتنفس حرية

مثلما يتنفسها الناس

فى ذلك الزمن الذهبى النبيل

اركضى … أو قفى

زمنٌ يتقاطعُ

واخترتِ أن تذهبى فى الطريق الذى يتراجعُ

تنحدرُ الشمس

ينحدرُ الأمس

تنحدر الطرق الجبلية للهوَّة اللانهائية

الشهب المتفحمة

الذكريات التى أشهرت شوكها كالقنافذِ

والذكريات التى سلخ الخوفُ بشرتها

كل نهر يحاول أن يلمس القاع –

كل الينابيع إن لمست جدولاً من جداولها

تختفى

وهى … لاتكتفى

فاركضى أو قفى

كل دربٍ يقودك من مستحيل إلى مستحيل !!

المراجع

  1. “طال الثَّواءُ على رُسوم المنْزل”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2019.
  2. “أَيُّهَا الفَارِسُ الشُّجَاعُ تَرَجَّلْ .. خليل مطران”، poetsgate، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2019.
  3. “أبيات للمتنبي في وصف جواد (ت 345)”، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2019.
  4. “هل بان قلبك من سليمى فاشتفى”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2019.
  5. امرؤ القيس، كتاب ديوان امرئ القيس، صفحة 110.
  6. “نحا فارسُ الشهباءِ والخيلُ جنحُ”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2019.
  7. “يا فارس الخيل تردي في أعنتها”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2019.
  8. “الخيول”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2019.