أشعار طويلة
معلقة عمرو بن كلثوم
أَلاَ هُبِّي بِصَحنِكِ فَاصبَحِينَـا
- وَلاَ تُبقِي خُمُـورَ الأَندَرِينَـا
مُشَعشَعَة كَأَنَّ الحُصَّ فِيهَـا
- إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِينَـا
تَجُورُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَن هَـوَاهُ
- إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِينَـا
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ إِذَا أُمِرَّت
- عَلَيـهِ لِمَـالِهِ فِيهَـا مُهِينَـا
صَبَنتِ الكَأسَ عَنَّا أُمَّ عَمـرٍو
- وَكَانَ الكَأسُ مَجرَاهَا اليَمِينَـا
وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمـرٍو
- بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصبَحِينَـا
وَكَأسٍ قَد شَـرِبتُ بِبَعلَبَـكٍّ
- وَأُخرَى فِي دِمَشقَ وَقَاصرِينَـا
وَإِنَّا سَـوفَ تُدرِكُنَا المَنَـايَا
- مُقَـدَّرَة لَنَـا وَمُقَـدِّرِينَـا
قِفِـي قَبلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِينـَا
- نُخَبِّـركِ اليَقِيـنَ وَتُخبِرِينَـا
قِفِي نَسأَلكِ هَل أَحدَثتِ صَرما
- لِوَشكِ البَينِ أَم خُنتِ الأَمِينَـا
بِيَـومِ كَرِيهَةٍ ضَربا وَطَعنـا
- أَقَـرَّ بِـهِ مَوَالِيـكِ العُيُونَـا
وَأنَّ غَـدا وَأنَّ اليَـومَ رَهـنٌ
- وَبَعـدَ غَـدٍ بِمَا لاَ تَعلَمِينَـا
تُرِيكَ إِذَا دَخَلَت عَلَى خَـلاَءٍ
- وَقَد أَمِنتَ عُيُونَ الكَاشِحِينَـا
ذِرَاعِـي عَيطَلٍ أَدَمَـاءَ بِكـرٍ
- هِجَـانِ اللَّونِ لَم تَقرَأ جَنِينَـا
وثَديا مِثلَ حُقِّ العَاجِ رَخِصـا
- حَصَـانا مِن أُكُفِّ اللاَمِسِينَـا
ومَتنَى لَدِنَةٍ سَمَقَت وطَالَـت
- رَوَادِفُهَـا تَنـوءُ بِمَا وَلِينَـا
وَمأكَمَة يَضِيـقُ البَابُ عَنهَـا
- وكَشحا قَد جُنِنتُ بِهِ جُنُونَـا
وسَارِيَتِـي بَلَنـطٍ أَو رُخَـامٍ
- يَرِنُّ خَشَـاشُ حَلِيهِمَا رَنِينَـا
فَمَا وَجَدَت كَوَجدِي أُمُّ سَقبٍ
- أَضَلَّتـهُ فَرَجَّعـتِ الحَنِينَـا
ولاَ شَمطَاءُ لَم يَترُك شَقَاهَـا
- لَهـا مِن تِسعَـةٍ إلاَّ جَنِينَـا
تَذَكَّرتُ الصِّبَا وَاشتَقتُ لَمَّـا
- رَأَيتُ حُمُـولَهَا أصُلا حُدِينَـا
فَأَعرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشمَخَـرَّت
- كَأَسيَـافٍ بِأَيـدِي مُصلِتِينَـا
أَبَا هِنـدٍ فَلاَ تَعجَـل عَلَينَـا
- وَأَنظِـرنَا نُخَبِّـركَ اليَقِينَــا
بِأَنَّا نُـورِدُ الـرَّايَاتِ بِيضـا
- وَنُصـدِرُهُنَّ حُمرا قَد رُوِينَـا
وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِــوَالٍ
- عَصَينَـا المَلِكَ فِيهَا أَن نَدِينَـا
وَسَيِّـدِ مَعشَـرٍ قَد تَوَّجُـوهُ
- بِتَاجِ المُلكِ يَحمِي المُحجَرِينَـا
تَرَكـنَ الخَيلَ عَاكِفَة عَلَيـهِ
- مُقَلَّـدَة أَعِنَّتَهَـا صُفُـونَـا
وَأَنزَلنَا البُيُوتَ بِذِي طُلُـوحٍ
- إِلَى الشَامَاتِ نَنفِي المُوعِدِينَـا
وَقَد هَرَّت كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّـا
- وَشَـذَّبنَا قَتَـادَةَ مَن يَلِينَـا
مَتَى نَنقُـل إِلَى قَومٍ رَحَانَـا
- يَكُونُوا فِي اللِّقَاءِ لَهَا طَحِينَـا
يَكُـونُ ثِقَالُهَا شَرقِيَّ نَجـدٍ
- وَلُهـوَتُهَا قُضَـاعَةَ أَجمَعِينَـا
نَزَلتُـم مَنزِلَ الأَضيَافِ مِنَّـا
- فَأَعجَلنَا القِرَى أَن تَشتِمُونَـا
قَرَينَاكُـم فَعَجَّلنَـا قِرَاكُـم
- قُبَيـلَ الصُّبحِ مِردَاة طَحُونَـا
نَعُـمُّ أُنَاسَنَـا وَنَعِفُّ عَنهُـم
- وَنَحمِـلُ عَنهُـمُ مَا حَمَّلُونَـا
نُطَـاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّـا
- وَنَضرِبُ بِالسِّيُوفِ إِذَا غُشِينَـا
بِسُمـرٍ مِن قَنَا الخَطِّـيِّ لُـدنٍ
- ذَوَابِـلَ أَو بِبِيـضٍ يَختَلِينَـا
كَأَنَّ جَمَـاجِمَ الأَبطَالِ فِيهَـا
- وُسُـوقٌ بِالأَمَاعِـزِ يَرتَمِينَـا
نَشُـقُّ بِهَا رُؤُوسَ القَومِ شَقّـا
- وَنَختَلِـبُ الرِّقَـابَ فَتَختَلِينَـا
وَإِنَّ الضِّغـنَ بَعدَ الضِّغنِ يَبـدُو
- عَلَيـكَ وَيُخرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَـا
وَرِثنَـا المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَـدٌّ
- نُطَـاعِنُ دُونَهُ حَـتَّى يَبِينَـا
وَنَحنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَـرَّت
- عَنِ الأَحفَاضِ نَمنَعُ مَن يَلِينَـا
نَجُـذُّ رُؤُوسَهُم فِي غَيرِ بِـرٍّ
- فَمَـا يَـدرُونَ مَإذَا يَتَّقُونَـا
كَأَنَّ سُيُـوفَنَا منَّـا ومنهُــم
- مَخَـارِيقٌ بِأَيـدِي لاَعِبِينَـا
كَـأَنَّ ثِيَابَنَـا مِنَّـا وَمِنهُـم
- خُضِبـنَ بِأُرجُوَانِ أَو طُلِينَـا
إِذَا مَا عَيَّ بِالإِسنَـافِ حَـيٌّ
- مِنَ الهَـولِ المُشَبَّهِ أَن يَكُونَـا
نَصَبنَـا مِثلَ رَهوَةِ ذَاتَ حَـدٍّ
- مُحَافَظَـة وَكُـنَّا السَّابِقِينَـا
بِشُبَّـانٍ يَرَونَ القَـتلَ مَجـدا
- وَشِيـبٍ فِي الحُرُوبِ مُجَرَّبِينَـا
حُـدَيَّا النَّـاسِ كُلِّهِمُ جَمِيعـا
- مُقَـارَعَة بَنِيـهِم عَـن بَنِينَـا
فَأَمَّا يَـومَ خَشيَتِنَـا عَلَيهِـم
- فَتُصبِـحُ خَيلُنَـا عُصَبا ثُبِينَـا
وَأَمَّا يَـومَ لاَ نَخشَـى عَلَيهِـم
- فَنُمعِــنُ غَـارَة مُتَلَبِّبِينَــا
بِـرَأسٍ مِن بَنِي جُشمٍ بِن بَكـرٍ
- نَـدُقُّ بِهِ السُّـهُولَةَ وَالحُزُونَـا
أَلاَ لاَ يَعلَـمُ الأَقـوَامُ أَنَّــا
- تَضَعضَعنَـا وَأَنَّـا قَـد وَنِينَـا
أَلاَ لاَ يَجهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَينَـا
- فَنَجهَـلَ فَوقَ جَهلِ الجَاهِلِينَـا
بِاَيِّ مَشِيئَـةٍ عَمـرُو بنَ هِنـدٍ
- نَكُـونُ لِقَيلِكُـم فِيهَا قَطِينَـا
بِأَيِّ مَشِيئَـةٍ عَمـرَو بنَ هِنـدٍ
- تُطِيـعُ بِنَا الوُشَـاةَ وَتَزدَرِينَـا
تَهَـدَّدُنَـا وَتُوعِـدُنَا رُوَيـدا
- مَتَـى كُـنَّا لأُمِّـكَ مَقتَوِينَـا
فَإِنَّ قَنَاتَنَـا يَا عَمـرُو أَعيَـت
- عَلى الأَعـدَاءِ قَبَلَكَ أَن تَلِينَـا
إِذَا عَضَّ الثَّقَافُ بِهَا اشمَـأَزَّت
- وَوَلَّتـهُ عَشَـوزَنَة زَبُـونَـا
عَشَـوزَنَة إِذَا انقَلَبَت أَرَنَّـت
- تَشُـجُّ قَفَا المُثَقِّـفِ وَالجَبِينَـا
فَهَل حُدِّثتَ فِي جُشَمٍ بِن بَكـرٍ
- بِنَقـصٍ فِي خُطُـوبِ الأَوَّلِينَـا
وَرِثنَـا مَجدَ عَلقَمَةَ بِن سَيـفٍ
- أَبَـاحَ لَنَا حُصُونَ المَجدِ دِينَـا
وَرَثـتُ مُهَلهِـلا وَالخَيرَ مِنـهُ
- زُهَيـرا نِعمَ ذُخـرُ الذَّاخِرِينَـا
وَعَتَّـابا وَكُلثُـوما جَمِيعــا
- بِهِـم نِلنَـا تُرَاثَ الأَكرَمِينَـا
وَذَا البُـرَةِ الذِي حُدِّثتَ عَنـهُ
- بِهِ نُحمَى وَنَحمِي المُلتَجِينَــا
وَمِنَّـا قَبلَـهُ السَّاعِي كُلَيـبٌ
- فَـأَيُّ المَجـدِ إِلاَّ قَـد وَلِينَـا
مَتَـى نَعقِـد قَرِينَتَنَـا بِحَبـلٍ
- تَجُـذَّ الحَبلَ أَو تَقصِ القَرِينَـا
وَنُوجَـدُ نَحنُ أَمنَعَهُم ذِمَـارا
- وَأَوفَاهُـم إِذَا عَقَـدُوا يَمِينَـا
وَنَحنُ غَدَاةَ أَوقِدَ فِي خَـزَازَى
- رَفَـدنَا فَـوقَ رِفدِ الرَّافِدِينَـا
وَنَحنُ الحَابِسُونَ بِذِي أَرَاطَـى
- تَسَـفُّ الجِلَّـةُ الخُورُ الدَّرِينَـا
وَنَحنُ الحَاكِمُـونَ إِذَا أُطِعنَـا
- وَنَحنُ العَازِمُـونَ إِذَا عُصِينَـا
وَنَحنُ التَّارِكُونَ لِمَا سَخِطنَـا
- وَنَحنُ الآخِـذُونَ لِمَا رَضِينَـا
وَكُنَّـا الأَيمَنِيـنَ إِذَا التَقَينَـا
- وَكَـانَ الأَيسَـرِينَ بَنُو أَبَينَـا
فَصَالُـوا صَـولَة فِيمَن يَلِيهِـم
- وَصُلنَـا صَـولَة فِيمَن يَلِينَـا
فَـآبُوا بِالنِّـهَابِ وَبِالسَّبَايَـا
- وَأُبـنَا بِالمُلُـوكِ مُصَفَّدِينَــا
إِلَيكُـم يَا بَنِي بَكـرٍ إِلَيكُـم
- أَلَمَّـا تَعـرِفُوا مِنَّـا اليَقِينَـا
أَلَمَّـا تَعلَمُـوا مِنَّا وَمِنكُـم
- كَتَـائِبَ يَطَّعِـنَّ وَيَرتَمِينَـا
عَلَينَا البَيضُ وَاليَلَبُ اليَمَانِـي
- وَأسيَـافٌ يَقُمـنَ وَيَنحَنِينَـا
عَلَينَـا كُـلُّ سَابِغَـةٍ دِلاَصٍ
- تَرَى فَوقَ النِّطَاقِ لَهَا غُضُونَـا
إِذَا وَضِعَت عَنِ الأَبطَالِ يَومـا
- رَأَيـتَ لَهَا جُلُودَ القَومِ جُونَـا
كَأَنَّ غُضُـونَهُنَّ مُتُونُ غُـدرٍ
- تُصَفِّقُهَـا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَينَـا
وَتَحمِلُنَـا غَدَاةَ الرَّوعِ جُـردٌ
- عُـرِفنَ لَنَا نَقَـائِذَ وَافتُلِينَـا
وَرَدنَ دَوَارِعا وَخَرَجنَ شُعثـا
- كَأَمثَـالِ الرِّصَائِـعِ قَد بَلَينَـا
وَرِثنَـاهُنَّ عَن آبَـاءِ صِـدقٍ
- وَنُـورِثُهَـا إِذَا مُتنَـا بَنِينَـا
عَلَـى آثَارِنَا بِيـضٌ حِسَـانٌ
- نُحَـاذِرُ أَن تُقَسَّمَ أَو تَهُونَـا
أَخَـذنَ عَلَى بُعُولَتِهِنَّ عَهـدا
- إِذَا لاَقَـوا كَتَـائِبَ مُعلِمِينَـا
لَيَستَلِبُـنَّ أَفـرَاسـا وَبِيضـا
- وَأَسـرَى فِي الحَدِيدِ مُقَرَّنِينَـا
تَـرَانَا بَارِزِيـنَ وَكُلُّ حَـيٍّ
- قَـد اتَّخَـذُوا مَخَافَتَنَا قَرِينـا
إِذَا مَا رُحـنَ يَمشِينَ الهُوَينَـا
- كَمَا اضطَرَبَت مُتُونُ الشَّارِبِينَـا
يَقُتـنَ جِيَـادَنَا وَيَقُلنَ لَستُـم
- بُعُولَتَنَـا إِذَا لَـم تَمنَعُـونَـا
ظَعَائِنَ مِن بَنِي جُشَمِ بِن بِكـرٍ
- خَلَطـنَ بِمِيسَمٍ حَسَبا وَدِينَـا
وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثلُ ضَـربٍ
- تَـرَى مِنهُ السَّوَاعِدَ كَالقُلِينَـا
كَـأَنَّا وَالسُّـيُوفُ مُسَلَّـلاَتٌ
- وَلَـدنَا النَّـاسَ طُرّا أَجمَعِينَـا
يُدَهدِهنَ الرُّؤُوسِ كَمَا تُدَهـدَي
- حَـزَأوِرَةٌ بِأَبطَحِـهَا الكُرِينَـا
وَقَـد عَلِمَ القَبَـائِلُ مِن مَعَـدٍّ
- إِذَا قُبَـبٌ بِأَبطَحِـهَا بُنِينَــا
بِأَنَّـا المُطعِمُـونَ إِذَا قَدَرنَــا
- وَأَنَّـا المُهلِكُـونَ إِذَا ابتُلِينَــا
وَأَنَّـا المَانِعُـونَ لِمَـا أَرَدنَـا
- وَأَنَّـا النَّـازِلُونَ بِحَيثُ شِينَـا
وَأَنَّـا التَـارِكُونَ إِذَا سَخِطنَـا
- وَأَنَّـا الآخِـذُونَ إِذَا رَضِينَـا
وَأَنَّـا العَاصِمُـونَ إِذَا أُطِعنَـا
- وَأَنَّـا العَازِمُـونَ إِذَا عُصِينَـا
وَنَشرَبُ إِن وَرَدنَا المَاءَ صَفـوا
- وَيَشـرَبُ غَيرُنَا كَدِرا وَطِينَـا
أَلاَ أَبلِـغ بَنِي الطَّمَّـاحِ عَنَّـا
- وَدُعمِيَّـا فَكَيفَ وَجَدتُمُونَـا
إِذَا مَا المَلكُ سَامَ النَّاسَ خَسفـا
- أَبَينَـا أَن نُقِـرَّ الـذُّلَّ فِينَـا
مَـلأنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا
- وَظَهرَ البَحـرِ نَملَـؤُهُ سَفِينَـا
إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ
- تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِدينَـا[١]
جفون العذارى من خلال البراقع
- وتغزل عنترة بن شداد بمحبوبته عبلة قائلاً:
جُفونُ العَذارى مِن خِلالِ البَراقِعِ
- أَحَدُّ مِنَ البيضِ الرِقاقِ القَواطِعِ
إِذا جُرِّدَت ذَلَّ الشُجاعُ وَأَصبَحَت
- مَحاجِرُهُ قَرحى بِفَيضِ المَدامِعِ
سَقى اللَهُ عَمّي مِن يَدِ المَوتِ جَرعَةً
- وَشُلَّت يَداهُ بَعدَ قَطعِ الأَصابِعِ
كَما قادَ مِثلي بِالمُحالِ إِلى الرَدى
- وعَلَّقَ آمالي بِذَيلِ المَطامِعِ
لَقَد وَدَّعَتني عَبلَةٌ يَومَ بَينِه
- وَداعَ يَقينٍ أَنَّني غَيرُ راجِعِ
وَناحَت وَقالَت كَيفَ تُصبِحُ بَعدَن
- إِذا غِبتَ عَنّا في القِفارِ الشَواسِعِ
وَحَقِّكَ لا حاوَلتُ في الدَهرِ سَلوَةً
- وَلا غَيَّرَتني عَن هَواك مَطامِعي
فَكُن واثِقاً مِنّي بِحسنِ مَوَدَّةٍ
- وَعِش ناعِماً في غِبطَةٍ غَيرِ جازِعِ
فَقُلتُ لَها يا عَبلَ إِنّي مُسافِرٌ
- وَلَو عَرَضَت دوني حُدودُ القَواطِعِ
خُلِقنا لِهَذا الحب مِن قَبلِ يَومِن
- فَما يَدخُلُ التَفنيدُ فيهِ مَسامِعي
أَيا عَلَمَ السَعدِي هَل أَنا راجِعٌ
- وَأَنظُرُ في قُطرَيكَ زَهرَ الأَراجِعِ
وَتُبصِرُ عَيني الرَبوَتَينِ وَحاجِر
- وَسُكّانَ ذاكَ الجِزعِ بَينَ المَراتِعِ
وَتَجمَعُنا أَرضُ الشَرَبَّةِ وَاللِوى
- وَنَرتَعُ في أَكنافِ تِلكَ المَرابِعِ
فَيا نَسَماتِ البانِ بِاللَهِ خَبِّري
- عُبيلَةَ عَن رَحلي بِأَي المَواضِعِ
وَيا بَرقُ بَلِّغها الغَداةَ تَحِيَّتي
- وَحَيِّ دِياري في الحِمى وَمَضاجِعي
أَيا صادِحاتِ الأَيكِ إِن مُتُّ فَاِندُبي
- عَلى تُربَتي بَينَ الطُيورِ السَواجِعِ
وَنوحي عَلى مَن ماتَ ظُلماً وَلَم يَنَل
- سِوى البُعدِ عَن أَحبابِهِ وَالفَجائِعِ
وَيا خَيلُ فَاِبكي فارِساً كانَ يَلتَقي
- صُدورَ المَنايا في غُبار المَعامِعِ
فَأَمسى بَعيداً في غَرامٍ وَذِلَّةٍ
- وَقَيدٍ ثَقيلٍ مِن قُيودِ التَوابِعِ
وَلَستُ بِباكٍ إِن أَتَتني مَنِيَّتي
- وَلَكنَّني أَهفو فَتَجري مَدامِعي
وَلَيسَ بِفَخرٍ وَصفُ بَأسي وَشِدَّتي
- وَقَد شاعَ ذِكري في جَميعِ المَجامِعِ
بِحقِّ الهَوى لا تَعذلوني وَأَقصِرو
- عَنِ اللَومِ إِن اللَومَ لَيس بِنافِعِ
وَكَيفَ أُطيقُ الصَبرَ عَمَّن أُحِبُّهُ
- وَقَد أُضرِمَت نارُ الهَوى في أَضالِعي[٢]
لعمرك ما الدنيا بدار بقاء
- يقول أبو العتاهية:[٣]
لعَمْرُكَ ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ
- كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ
فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما
- يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ
حَلاَوَتُهَا ممزَوجَة ٌ بمرارة ٍ
- ورَاحتُهَا ممزوجَة ٌ بِعَناءِ
فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَة ٍ
- فإنَّكَ من طينٍ خلقتَ ومَاءِ
لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً
- وقلَّ امرؤٌ يرضَى لهُ بقضَاءِ
وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَة
- وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ
ومَا الدهرُ يوماً واحداً في اختِلاَفِهِ
- ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ
ومَا هُوَ إلاَّ يومُ بؤسٍ وشدة ٍ
- ويومُ سُرورٍ مرَّة ً ورخاءِ
وما كلّ ما لم أرْجُ أُحرَمُ نَفْعَهُ
- وما كلّ ما أرْجوهُ أهلُ رَجاءِ
أيَا عجبَا للدهرِ لاَ بَلْ لريبِهِ
- يخرِّمُ رَيْبُ الدَّهْرِ كُلَّ إخَاءِ
وشَتّتَ رَيبُ الدّهرِ كلَّ جَماعَة ٍ
- وكَدّرَ رَيبُ الدّهرِ كُلَّ صَفَاءِ
إذا ما خَليلي حَلّ في بَرْزَخِ البِلى
- فَحَسْبِي بهِ نأْياً وبُعْدَ لِقَاءِ
أزُورُ قبورَ المترفينَ فَلا أرَى
- بَهاءً، وكانوا، قَبلُ،أهل بهاءِ
وكلُّ زَمانٍ واصِلٌ بصَريمَة ٍ
- وكلُّ زَمانٍ مُلطَفٌ بجَفَاءِ
يعِزُّ دفاعُ الموتِ عن كُلِّ حيلة ٍ
- ويَعْيَا بداءِ المَوْتِ كلُّ دَواءِ
ونفسُ الفَتَى مسرورَة ٌ بنمائِهَا
- وللنقْصِ تنْمُو كُلُّ ذاتِ نمَاءِ
وكم من مُفدًّى ماتَ لم يَرَ أهْلَهُ
- حَبَوْهُ، ولا جادُوا لهُ بفِداءِ
أمامَكَ، يا نَوْمانُ، دارُ سَعادَة ٍ
- يَدومُ البَقَا فيها، ودارُ شَقاءِ
خُلقتَ لإحدى الغايَتينِ، فلا تنمْ،
- وكُنْ بينَ خوفٍ منهُمَا ورَجَاءُ
وفي النّاسِ شرٌّ لوْ بَدا ما تَعاشَرُوا
- ولكِنْ كَسَاهُ اللهُ ثوبَ غِطَاءِ
المراجع
- ↑ الحسين بن أحمد الحسين الزوزني (1983)، شرح المعلقات العشر، بيروت : دار مكتبة الحياة، صفحة 200-224.
- ↑ عنترة بن شداد، “جفون العذارى من خلال البراقع”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-25.
- ↑ أبو العتاهية، “لعمرك ما الدّنيا بدار بقاء”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-3-25.