أشعار القدماء

يا ليت شعري هل أسيب ضمرا

يا لَيْتَ شِعرِي هلْ أُسَيِّبُ ضُمَّراً

أُكلَتْ عَرَائِكُهُنّ بِالأكْوَارِ

مِثْلَ الذّئَابِ، إذا غَدَتْ رُكبانُها

يَعْسِفْنَ بَينَ صَرَايِمٍ وَصَحارِي

أُعْطي خَلِيفَتُنا، بِقُوّةِ خَالِدٍ،

نَهْراً يَفِيضُ لَهُ على الأنْهَارِ

إنّ المُبَارَكَ كَاسْمِهِ يُسْقَى بِهِ

حَرْثُ الطّعَامِ وَلاحِقُ الجَبّارِ

أسْقَاهُ مِنْ سَيْحِ الفُرَاتِ وَغَيْرِهِ

كُدْراً غَوَارِبُهُ مِنَ التّيّارِ

لَما تَدَارَكَ لِلْمُبَارَكِ مَدُّهُ

رَخُصَ الطّعَامُ لِمَايِحٍ وَتِجَارِ

ولَوْ أنّ دِجْلَةَ أُنْبِئَتْ عَنْ خَالِدٍ

بَاتَتْ مَخافَتُهُ عَلى الأقْتَارِ

يا دِجْلَ إنّكِ لَوْ عَصَيتِ لِخَالِدٍ

أمْراً سُقِيتِ بِأمْلَحِ الأمْرَارِ

إنْ كَانَ أثْخَنَ مَدَّ دِجْلَةَ خالِدٌ

فَلَطالَما غَلَبَتْ بَني الأحْرَارِ

يا دِجْلَ كُنتِ عَزِيزَةً فِيما مَضَى،

فَلَقَدْ أصَابَكِ خَالِدٌ بِصَغَارِ

الله سَخّرَهَا بِكَفَّيْ خَالِدٍ،

وَلَقَدْ تَكُونُ عَزِيزَةَ الأضْرَارِ

حَتى رَأيْتُ تُرَابَ دِجْلَةَ خَارِجاً

تَخِدُ الرِّكَابُ عَلَيْهِ بِالأوْقَارِ

يَجْتَازُ دِجْلَةَ لا يَخَافُ خِيَاضَها

مَنْ كانَ يَقْطَعُهَا على المِعْبَارِ

إني هَتَفْتُ بخَالِدٍ، ولَقَدْ دَنَتْ

نَفْسِي لِثُغْرَةِ نَحْرِهَا لحِظارِ

أنْتَ المُجِيرُ وَمَنْ تُجِرْ تَعْقِدْ لَهُ

عِنْدَ الجِوَارِ أشَدّ عَقْدِ جِوَارِ

مَا زِلْتُ في لهَوَاتِ لَيْثٍ مُخْدِرٍ

حَتى تَدَارَكَني أبُو سَيّارِ

ألْقَى إليّ على شَقَائِقِ هُوّةٍ،

حَبْلاً شَدِيداً، غَارَةَ الإمْرَارِ

حَبْلاً أخَذْتُ بِهِ، فَنَجّاني بِهِ

رَبّي بِنِعْمَةِ مُدْرِكٍ غَفّارِ

أرْجُو الخُرُوج بخَالِدٍ، وَبخَالِدٍ

يُجْلى العَشَا لِكَوَاسِفِ الأبْصَارِ

إني وَجَدْتُ لِخَالِدٍ في قَوْمِهِ

ضَوْءَيَنِ قَدْ ذَهَبَا بِكُلّ نَهَارِ

في الشِّرْكِ قَدْ سَبَقَا بكُلّ كَرِيمَةٍ

تَعْلُو القَبَائِلَ كُلَّ يَوْمِ فَخارِ

أمّا البُيُوتُ، فَقَدْ بَنَيْتُمْ فَوْقَها

بَيْتاً بِأطْولِ أدْرُعٍ وَسَوارِي

بَيْتاً بِهِ رَفَعَ المُعَلّى مَجْدَهُمْ

لِبَنِيهِ، يَوْمَ تَفَاضُلِ الأخْطارِ

هون عليك، ولا تبال بحادث

  • يقول أبو علاء المعري:

هَوّنْ عليكَ، ولا تُبالِ بحادِثٍ

يُشجيكَ، فالأيّامُ سائرَةٌ بِنَا

أعدَى عدوٍّ لابنِ آدَمَ نَفسُهُ،

ثمّ ابنُهُ وافاهُ يَهدِمُ ما بَنَى

هاتيك تأمرُهُ بكلّ قَبيحةٍ،

ودَعاهُ ذاكَ لأنْ يَضَنّ ويَجبُنا

والغَبنُ كَوني في الحَياةِ مصوَّراً،

فمنَ الغَباوَة خِيفَتي أن أُغبَنا

وأقَلُّ عِبئاً من جلوسِ ممدَّحٍ،

للوَفْدِ يقصدُ، أن يروحَ مُؤبِّنا

طرقْتكَ زينَبُ

  • يقول يزيد بن معاوية:

طرقْتكَ زينَبُ والرِّكَـابُ مُناخَـةٌ

بِجنوبِ خَبٍت والنَّـدى يَتَصَبَّـبُ

بثنيّـة العَلَمَيْـنِ وهْنـاً بَعـدَمـا

خَفَقَ السِّماكُ وجَاوزَتْـهُ العَقـرَبُ

فَتَحيَّـةٌ وسَـلامَـةٌ لِخَـيـالِهَـا

ومَعَ التَّحِيَّـةِ والسَّلامـةِ مَرْحَـبُ

أَنَّى اهتَدَيْتِ ، وَمَنْ هَـدَاكِ وَبَيْنَنـا

فَلْـجٌ فَقُلَّـةُ مَنْعِـجٍ فالـمَرْقَـبُ

وزَعَمْتِ أَهلكِ يَمنَعُـونكِ رَغبَـةً

عَنِّي ، وأَهلِي بِي أَضَـنُّ وَأَرغَـبُ

أَوَليـسَ لِي قُرَنَـاءُ إِنْ أَقْصَيْتنِـي

حَدِبُوا عَلَـيَّ وفِيهـمُ مُسْتَعْتِـبُ

يَأبَـى وجَـدِّك أَنْ أَلِيـنَ لِلَوعَـةٍ

عَقلٌ أَعيـشُ بِـهِ وَقَلـبٌ قُلَّـبُ

وأَنَا ابنُ زَمزَمَ والحَطِيـمِ ومَولِـدِي

بَطحَـاءُ مَكَّـةَ والمَحلَّـةُ يَثـرِبُ

وإلى أَبِي سُفيَانَ يُعْـزَى مَولِـدِي

فَمَنِ المُشاكِـلُ لِي إِذَا مَا أُنْسَـبُ

وَلَـوَ انَّ حيًّـا لارتفَـاعِ قَبِيلَـةٍ

ولجَ السَّمَاءَ ولَجْتُهَـا لاَ أُحْجَـبُ

أحاد أم سداس في أحاد

أُحادٌ أمْ سُداسٌ في أُحَادِ

لُيَيْلَتُنَا المَنُوطَةُ بالتّنادِي

كأنّ بَناتِ نَعْشٍ في دُجَاهَا

خَرائِدُ سافراتٌ في حِداد

أُفَكّرُ في مُعاقَرَةِ المَنَايَا

وقَوْدِ الخَيْلِ مُشرِفةَ الهَوادي

زَعيمٌ للقَنَا الخَطّيّ عَزْمي

بسَفكِ دمِ الحَواضرِ والبَوادي

إلى كمْ ذا التخلّفُ والتّواني

وكمْ هذا التّمادي في التّمادي

وشُغلُ النّفسِ عن طَلَبِ المَعالي

ببَيعِ الشّعرِ في سوقِ الكَسادِ

وما ماضي الشّبابِ بمُسْتَرَدٍّ

ولا يَوْمٌ يَمُرّ بمُسْتَعادِ

متى لحظَتْ بَياضَ الشّيبِ عيني

فقد وَجَدَتْهُ منها في السّوَادِ

متى ما ازْدَدْتُ من بعدِ التّناهي

فقد وقَعَ انْتِقاصي في ازْدِيَادي

أأرْضَى أنْ أعيشَ ولا أُكافي

على ما للأميرِ مِنَ الأيادي

جَزَى الله المَسيرَ إلَيْهِ خَيْراً

وإنْ تَرَكَ المَطَايا كالمَزادِ

فَلَمْ تَلقَ ابنَ إبْراهيمَ عَنْسِي

وفيها قُوتُ يَوْمٍ للقُرادِ

ألَمْ يَكُ بَيْنَنا بَلَدٌ بَعيدٌ

فَصَيّرَ طُولَهُ عَرْضَ النِّجادِ

وأبْعَدَ بُعْدَنا بُعْدَ التّداني

وقَرّبَ قُرْبَنا قُرْبَ البِعَادِ

فَلَمّا جِئْتُهُ أعْلَى مَحَلّي

وأجلَسَني على السّبْعِ الشِّدادِ

تَهَلّلَ قَبْلَ تَسليمي علَيْهِ

وألْقَى مالَهُ قَبْلَ الوِسَادِ

نَلُومُكَ يا عَليّ لغَيرِ ذَنْبٍ

لأنّكَ قد زَرَيْتَ على العِبَادِ

وأنّكَ لا تَجُودُ على جَوادٍ

هِباتُكَ أنْ يُلَقَّبَ بالجَوادِ

كأنّ سَخاءَكَ الإسلامُ تَخشَى

إذا ما حُلتَ عاقِبَةَ ارتِدادِ

كأنّ الهَامَ في الهَيْجَا عُيُونٌ

وقد طُبِعتْ سُيُوفُكَ من رُقادِ

وقد صُغتَ الأسِنّةَ من هُمومٍ

فَما يَخْطُرْنَ إلاّ في الفُؤادِ

ويوْمَ جَلَبْتَها شُعْثَ النّواصِي

مُعَقَّدَةَ السّباسِبِ للطّرادِ

وحامَ بها الهَلاكُ على أُنَاسٍ

لَهُمْ باللاّذِقِيّة بَغْيُ عَادِ

فكانَ الغَرْبُ بَحْراً مِن مِياهٍ

وكانَ الشّرْقُ بَحراً من جِيادِ

وقد خَفَقَتْ لكَ الرّاياتُ فيهِ

فَظَلّ يَمُوجُ بالبِيضِ الحِدادِ

لَقُوكَ بأكْبُدِ الإبِلِ الأبَايَا

فسُقْتَهُمُ وحَدُّ السّيفِ حادِ

وقد مزّقتَ ثَوْبَ الغَيّ عنهُمْ

وقَد ألْبَسْتَهُمْ ثَوْبَ الرّشَادِ

فَما تَرَكُوا الإمارَةَ لاخْتِيارٍ

ولا انتَحَلوا وِدادَكَ من وِدادِ

ولا اسْتَفَلُوا لزُهْدٍ في التّعالي

ولا انْقادوا سُرُوراً بانْقِيادِ

الموعد المنتظر

  • طاهر زمخشري:

حديث عينيكِ قد أفضى به الخَفَرُ

لما تأوَّد في أعطافك الخَفَرُ

يا منية النفس قد طاف المراح بنا

فراح ينشر من أفراحنا السمر

فبادليني الهوى فالبحر موجته

عنا تُحدِّث لا ما ينقل الخبر

وفي الشواطئ للأصداء هينمةٌ

يضمها في شُفوفِ الفتنة السَّحَر

والليل أغفى فأرخى من غدائره

سودًا تهادى على أطرافها العمر

والصمت يسكب في سمع الدجى نغمًا

الحب صدَّاحه والخافق الوتر

وإن أحلامنا في الشط غافية

وفي الحنايا لهيب الشوق يستعر

والذكريات رؤاها كلما هتفتْ

بنا استراحت إلى آمالنا الصور

فيا طيوف المنى.. فاض الحنين بنا

وزادنا شجنًا أن النوى قدر

ولا نزال على الأثباج من لهب

يسري بنا شوقنا والوعد ينتظر