أشعار الغدر والخيانة
دهتني صروف الدهر وانتشب الغدر
يقول عنترة بن شداد:
- دَهَتني صُروفُ الدَهرِ وَاِنتَشَبَ الغَدرُ
- وَمَن ذا الَّذي في الناسِ يَصفو لَهُ الدَهرُ
وَكَم طَرَقَتني نَكبَةٌ بَعدَ نَكبَةٍ
- فَفَرَّجتُها عَنّي وَما مَسَّني ضُرُّ
وَلَولا سِناني وَالحُسامُ وَهِمَّتي
- لَما ذُكِرَت عَبسٌ وَلا نالَها فَخرُ
بَنَيتُ لَهُم بَيتاً رَفيعاً مِنَ العُل
- تَخُرُّ لَهُ الجَوزاءُ وَالفَرغُ وَالغَفرُ
وَها قَد رَحَلتُ اليَومَ عَنهُم وَأَمرُن
- إِلى مَن لَهُ في خَلقِهِ النَهيُ وَالأَمرُ
سَيَذكُرُني قَومي إِذا الخَيلُ أَقبَلَت
- وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
يَعيبونَ لَوني بِالسَوادِ جَهالَةً
- وَلَولا سَوادُ اللَيلِ ما طَلَعَ الفَجرُ
وَإِن كانَ لَوني أَسوَداً فَخَصائِلي
- بَياضٌ وَمِن كَفَّيَّ يُستَنزَلُ القَطرُ
مَحَوتُ بِذِكري في الوَرى ذِكرَ مَن مَضى
- وَسُدتُ فَلا زَيدٌ يُقالُ وَلا عَمروُ
الغدر فينا طباع لا ترى أحداً
يقول أبو العلاء المعري:
- الغَدرُ فينا طِباعٌ لا تَرى أَحَداً
- وَفاءُهُ لَكَ خَيرٌ مِن تَوافيهِ
أَينَ الَّذي هُوَ صافٍ لا يُقالُ لَهُ
- لَو أَنَّهُ كانَ أَو لَولا كَذا فيهِ
وَتِلكَ أَوصافُ مَن لَيسَت جِبِلَّتُهُ
- جِبِلَّةَ الإِنسِ بَل كُلٌّ يُنافيهِ
وَلَو عَلِمناهُ سِرنا طالِبينَ لَهُ
- لَعَلَّنا بِشِفا عَمرٍ نُوافيهِ
وَالدَهرُ يُفقِدُ يَوماً بِهِ كَدَرٌ
- وَيَعوزُ الخِلَّ باديهِ كَخافيهِ
وَقَلَّما تُسعِفُ الدُنيا بِلا تَعَبٍ
- وَالدُرُّ يُعدَمُ فَوقَ الماءِ طافيهِ
وَمَن أَطالَ خِلاجاً في مَوَدَّتِهِ
- فَهَجرُهُ لَكَ خَيرٌ مِن تَلافيهِ
سلني بالله عن فلان
يقول ابن سناء الملك:
- سَلِّني بالله عن فلانِ
- فقد تسلَّيت عَنْ فُلانَهْ
وعشقُها راح من زَمانٍ
- لأَنَّ عِشْقَ النِّسا زَمَانَه
فليس فيهنَّ لا وفاءٌ
- ولا حفاظٌ ولا أَمَانَه
من كلِّ مَهْتومَةِ الثنايا
- وكلِّ مَحْلُولَةِ المثَانَه
مائِلة السُّفْل من مُنَاهَا
- لو دَعَمتْه بأُسْطوانه
تَودُّ يومَ الوَغَى وتَبْغي
- لو طعنوها بأَلْفِ زَانَهْ
جمالُها الدَّهرَ مستعارٌ
- وحسنُها داخِلُ الخِزَانه
وكل شيءٍ تنساهُ إلا
- المَلالَ والغَدرَ والخِيانَه
وتسلبُ العقلَ بالتجنِّي
- وتدّعي أَنَّه مَجانَهْ
يدل على أن ليس في الدهر رحمة
يقول محمود سامي البارودي:
- يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي الدَّهْرِ رَحْمَةٌ
- خِيَانَةُ شِمْرٍ بَعْدَ غَدْرِ ابْنِ مُلْجَمِ
هُمَا مَنْجَما شَرٍّ وَصِنْوَا ضَلالَةٍ
- وَكُلُّ امْرِئٍ فِي الدَّهْرِ يُعْزَى لِمَنْجَمِ
شَقِيَّانِ هَامَا فِي الضَّلالِ فَأَصْبَحَا
- دَرِيئَةَ لَعْنٍ مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمِ
لَقَدْ فَوَّقَا سَهْمَيْهِمَا وَتَطَاوَلا
- إِلَى فَلَكٍ عَالٍ مُحَاطٍ بِأَنْجُمِ
لَعَمْرِي لَقَدْ بَاءا بِخِزْيٍ وَلَعْنَةٍ
- وَمَنْ يَحْتَقِبْ خِزْيَاً مِنَ اللَّهِ يُرْجَمِ
دع اللوم إنّ اللوم عون النوائب
يقول ابن الرومي:
- تَطامَنُ حتى تطمئنَّ قلوبُنا
- وتغضبُ من مزحِ الرياح اللواعبِ
وأَجرافُها رهْنٌ بكلِّ خيانةٍ
- وغَدْرٍ ففيها كُلُّ عَيْبٍ لِعائبِ
ترانا إذا هاجتْ بها الرِّيحُ هَيْجةً
- نُزَلزَلُ في حَوماتها بالقواربِ
نُوائِلُ من زلزالها محو خسفها
- فلا خيرَ في أوساطها والجوانبِ
زلازلُ موجٍ في غمارٍ زواخرٍ
- وهدَّاتُ خَسْفٍ في شطوطٍ خواربِ
ولليمِّ إعذارٌ بعرضِ متونِهِ
- وما فيه من آذيِّهِ المتراكبِ
ولستَ تراهُ في الرياحِ مزلزلاً
- بما فيه إِلّا في الشداد الغوالبِ
صبرت على غدر الزمان وحقده
يقول ابن جبير الشاطبي:
- صبرتُ على غدرِ الزمانِ وحقدهِ
- وشابَ لي السُّمَ الزعافَ بشهده
وجربتُ إخوان الزمان فلم أَجد
- صَديقاً جميلَ الغيب في حال بعده
وكم صَاحِبٍ عَاشَرتُه وألفتُه
- فما دَام لي يوماً على حُسنِ عهده
وأغربُ من عنقاءَ في الدّهر مغرب
- أَخو ثقة يسقيك صافي ودِّه
بنفسك صادِم كل امرٍ تُريده
- فليسَ مضاءُ السّيف الا بحده
وعَزمك جرِّد عِند كلِّ مهمةٍ
- فما نافعٌ مكثُ الحسامِ بغمدهِ
وشَاهدتُ في الأسفار كلَّ عجيبةٍ
- فلم أَرَ من نالَ جِدا بجدِّه
فكُن ذا اقتصادٍ في امورك كلها
- فأحسنُ أحوال الفتَى حسن قصده
وما يُحرمُ الانسانُ رزقاً لعجزه
- كما لا ينال الرِّزقَ يوماً بكَدِّه
حُظوظُ الفَتَى من شقوةٍ وسعادة
- جَرَت بقضاءٍ لا سبيلَ لردِّه
وما زال ينوي الغدر والنكث راكباً
يقول الأحوص الأنصاري:
- وَما زالَ يَنوي الغَدرَ والنَّكثَ راكِباً
- لِعَمياءَ حَتَّى استَكَّ مِنهُ المَسامِعُ
وَحَتّى أُبِيدَ الجَمعُ مِنهُ فَأَصبَحوا
- كَبَعضِ الأُلى كانَت تُصيبُ القَوارِعُ
فَأَضحَوا بِنَهرَي بابِلٍ ورُؤوسُهُم
- تَخُبُّ بِها فيما هُناكَ الخَوامِعُ
لا تغدروا إن هذا الغدر منقصة
تقول أخت الأسود بن غفار:
- لا تَغدُروا إنَ هذا الغدرَ مَنقصةٌ
- وَكلّ عيبٍ يرى عيباً وَإِن صغرا
إِنّي أَخافُ عَليكم مثلَ تلك غداً
- وَفي الأمورِ تَدابيرٌ لِمَن نَظرا
شَتّان باغٍ علينا غير متّئدٍ
- يَغشى الظلامةَ لَن تبقي وَلن تذرا
ألم تر أن الغدر واللؤم والخنى
يقول حسان بن ثابت:
- أَلَم تَرَ أَنَّ الغَدرَ وَاللُؤمَ وَالخِنى
- بَنى مَسكَناً بَينَ المَعينِ إِلى عَردِ
فَغَزَّةَ فَالمَروتِ فَالخَبتِ فَالمُنى
- إِلى بَيتِ زَمّاراءَ تُلداً عَلى تُلدِ
فَقُلتُ وَلَم أَملِك أَعَمروُ بنِ عامِرٍ
- لِفَرخِ بَني العَنقاءِ يُقتَلُ بِالعَبدِ
لَقَد شابَ رَأسي أَو دَنا لِمَشيبِهِ
- وَما عَتَقَت سَعدُ بنِ زَرِّ وَلا هِندُ
أتخون يا سكني فقال نعم
يقول ابن سناء الملك:
- أَتخون يا سَكَني فقال نعم
- لي في الخيانة نِسْبةٌ عليا
لِمَ لا أَخون ولم أَفِ أَبداً
- وأَبي الزّمانُ وأُميَ الدُّنْيا
رويد الليالي كم تصر على الغدر
يقول ابن الأبار البلنسي:
- رُوَيْدَ الليالِي كَم تُصِرُّ عَلَى الغَدْر
- أتَجْهلُ إتْلافَ النّفائِس أمْ تَدرِي
تَدبُّ بِفَجْعِ الخِلِّ بالخِلِّ دَائِباً
- وتَسرِي لشتِّ الشَملِ في السِرِّ والجَهرِ
وَما أَنْشَبَتْ في ضَيْغَم الغَاب نَابَها
- فأفْلَتَها يَوْماً ولا ظَبْيَة الخِدْرِ
فَيا لَيتَها والهَجْرُ مُودٍ بِوصْلِها
- كَفَتْنا سُرُورَ الوَصْل أوْ حَزنَ الهجرِ
وَيا لَيتَها كانَت كأَشْعَبَ في الذي
- تَعَلَّمَ دون الطَّيِّ مِن صَنعَةِ النَّشْرِ
فَلَم يَسْتَفِد لُطف التهدِّي إلى الأذى
- ولم يعْتَمد عُنْف التَصدِّي إلى الضُّرِّ
لَقد أَثْكلَتْني خُلّةً طَعَنَتْ بِها
- ولَكِن أَقامَتْ بعدَها لَوْعَة الصّدْرِ
ذَوَتْ غُصناً مَاءُ النّعيم يُميلُه
- بِملْء الحَشايا والحَشا وَقدة الجَمرِ