أهم قصائد أحمد شوقي

اختلاف النهار والليل ينسي

عبّر أحمد شوقي عن شوقه لوطنه في القصيدة الآتية:[١]

اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي

اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي

وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ

صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ

عصفتْ كالصَّبا اللعوبِ ومرّت

سِنة ً حُلوة ً، ولذَّة ُ خَلْس

وسلا مصرَ : هل سلا القلبُ عنها

أَو أَسا جُرحَه الزمان المؤسّي؟

كلما مرّت الليالي عليه

رقَّ ، والعهدُ في الليالي تقسِّي

مُستَطارٌ إذا البواخِرُ رنَّتْ

أَولَ الليلِ، أَو عَوَتْ بعد جَرْس

راهبٌ في الضلوع للسفنِ فَطْن

كلما ثُرْنَ شاعَهن بنَقسْ

يا ابنة َ اليمِّ ، ما أبوكِ بخيلٌ

ما له مولَعًا بمنعٍ وحبس ؟

أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَو

حُ حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ

كُلُّ دارٍ أَحَقُّ بِالأَهلِ إِلّا

في خَبيثٍ مِنَ المَذاهِبِ رِجسِ

نَفسي مِرجَلٌ وَقَلبي شِراعٌ

بِهِما في الدُموعِ سيري وَأَرسي

وَاِجعَلي وَجهَكِ الفَنارَ وَمَجرا

كِ يَدَ الثَغرِ بَينَ رَملٍ وَمَكسِ

وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ

نازَعَتني إِلَيهِ في الخُلدِ نَفسي

وَهَفا بِالفُؤادِ في سَلسَبيلٍ

ظَمَأٌ لِلسَوادِ مِن عَينِ شَمسِ

شَهِدَ اللَهُ لَم يَغِب عَن جُفوني

شَخصُهُ ساعَةً وَلَم يَخلُ حِسّي

يُصبِحُ الفِكرُ وَالمَسَلَّةُ نادي

هِ وَبِالسَرحَةِ الزَكِيَّةِ يُمسي

وَكَأَنّي أَرى الجَزيرَةَ أَيكاً

نَغَمَت طَيرُهُ بِأَرخَمَ جَرسِ

هِيَ بَلقيسُ في الخَمائِلِ صَرحٌ

مِن عُبابٍ وَصاحَبٌ غَيرُ نِكسِ

حَسبُها أَن تَكونَ لِلنيلِ عِرساً

قَبلَها لَم يُجَنَّ يَوماً بِعِرسِ

لَبِسَت بِالأَصيلِ حُلَّةَ وَشيٍ

بَينَ صَنعاءَ في الثِيابِ وَقَسِّ

قَدَّها النيلُ فَاِستَحَت فَتَوارَت

مِنهُ بِالجِسرِ بَينَ عُريٍ وَلُبسِ

وَأَرى النيلَ كَالعَقيقِ بَوادي

هِ وَإِن كانَ كَوثَرَ المُتَحَسّي

اِبنُ ماءِ السَماءِ ذو المَوكِبِ الفَخمِ

الَّذي يَحسُرُ العُيونَ وَيُخسي

لا تَرى في رِكابِهِ غَيرَ مُثنٍ

بِخَميلٍ وَشاكِرٍ فَضلَ عُرسِ

وَأَرى الجيزَةَ الحَزينَةَ ثَكلى

لَم تُفِق بَعدُ مِن مَناحَةِ رَمسي

أَكثَرَت ضَجَّةَ السَواقي عَلَيهِ

وَسُؤالَ اليَراعِ عَنهُ بِهَمسِ

وَقِيامَ النَخيلِ ضَفَّرنَ شِعراً

وَتَجَرَّدنَ غَيرَ طَوقٍ وَسَلسِ

وَكَأَنَّ الأَهرامَ ميزانُ فِرعَو

نَ بِيَومٍ عَلى الجَبابِرِ نَحسِ

أَو قَناطيرُهُ تَأَنَّقَ فيها

أَلفُ جابٍ وَأَلفُ صاحِبِ مَكسِ

رَوعَةٌ في الضُحى مَلاعِبُ جِنٍّ

حينَ يَغشى الدُجى حِماها وَيُغسي

وَرَهينُ الرِمالِ أَفطَسُ إِلّا

أَنَّهُ صُنعُ جِنَّةٍ غَيرُ فُطسِ

تَتَجَلّى حَقيقَةُ الناسِ فيهِ

سَبُعُ الخَلقِ في أَساريرِ إِنسي

لَعِبَ الدَهرُ في ثَراهُ صَبِيّاً

وَاللَيالي كَواعِباً غَيرَ عُنسِ

رَكِبَت صُيَّدُ المَقاديرِ عَينَيهِ

لِنَقدٍ وَمَخلَبَيهِ لِفَرسِ

فَأَصابَت بِهِ المَمالِكَ كِسرى

وَهِرَقلاً وَالعَبقَرِيَّ الفَرَنسي

سلام من صبا بردى أرق

وقال في وصف دمشق والتعبير عن شوقه لها القصيدة الآتية:[٢]

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ

وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي

جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ

وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي

إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ

وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي

جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ

دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ

وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ

وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري

وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ

وَحَولي فِتيَةٌ غُرٌّ صِباحٌ

لَهُم في الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُ

عَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ

وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ

رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ

بِكُلِّ مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ

غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ

أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ

وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ

أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ

لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ

عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ

يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ

وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ

تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها

تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ

وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ

وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ

أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا

وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ

صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ

وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ

وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ

لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ

سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ

وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ

بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا

غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ

لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ

بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ

رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها

أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّ

وَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ

وَهَل لِنَعيمِهِنَّ كَأَمسِ نَسقُ

وَأَينَ دُمى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ

مُهَتَّكَةٍ وَأَستارٍ تُشَقُّ

بَرَزنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ

وَخَلفَ الأَيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ

إِذا رُمنَ السَلامَةَ مِن طَريقٍ

أَتَت مِن دونِهِ لِلمَوتِ طُرقُ

بِلَيلٍ لِلقَذائِفِ وَالمَنايا

وَراءَ سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُ

إنّ الوشاة وإن لم أحصهم عددا

وقال في باب النسيب:[٣]

إن الوُشاة َ ـ وإن لم أَحْصِهم عددا ـ

تعلموا الكيدَ من عينيك والفندا

لا أَخْلفَ الله ظنِّي في نواظرِهم

ماذا رأَتْ بِيَ ممّا يبعثُ الحسدا؟

هم أَغضبوكَ فراح القدُّ مُنْثَنياً

والجفنُ منكسراً ، والخدُّ متقدا

وصادغوا أذُنا صعواءَ لينة ً

فأسمعوها الذي لم يسمعوا أحدا

لولا احتراسيَ من عينَيْك قلتُ: أَلا

فانظر بعينيك، هل أَبقَيْت لي جَلَدَا؟

الله في مهجة ٍ أيتمتَ واحدَها

ظلماً ، وما اتخذتْ غير الهوى ولدا

ورُوحِ صبٍّ أَطالَ الحبُّ غُرْبَتَها

يخافُ إن رجعتْ أن تنكرَ الجسدَ

دع المواعيدَ ؛ إني مِتُّ مِنْ ظمإِ

وللمواعيد ماءٌ لا يَبُلُّ صَدى

تدعو ، ومَنْ لي أن أسعى بلا كبدٍ ؟

فمن معيريَ من هذا الورى كبدا ؟

إلى الله أشكو من عوادي النوى سهماً

وقال يبكي والدته:[٤]

إلى الله أَشكو مِن عَوادِي النَّوَى سهما

أصابَ سويداءَ الفؤادِ وما أصمَى

من الهاتكاتِ القلبَ أوَّلَ وهلة ٍ

ومَا دَخَلَتْ لحماً، ولا لامستْ عظما

تَوَارَدَ والنَّاعِي، فأَوْجَسْتُ رَنَّة ً

كلاماً على سمعي ، وفي كبدي كلما

فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوَى

فيا وَيْحَ جَنْبِي! كم يَسيلُ؟ وكم يَدمَى ؟

طَوَى الشرقَ نحوَ الغربِ، والماءَ للثَّرَى

إليَّ ، ولم يركبْ بساطاً ولا يمَّا

أبانَ ولم ينبسْ ، وأدَّى ولم يفهْ

وأدمى وما داوى ، وأوهى وما رمَّا

إذا طويتْ بالشهبِ والدُّهمِ شقة ٌ

طَوَى الشُّهْبَ، أَو جاب الغُدافِيَّة َ الدُّهْما

ولم أَرَ كالأَحداثِ سهماً إذا جرَتْ

ولا كالليالي رامياً يُبعِدُ المَرْمَى

ولم أَرَ حُكماً كالمقاديرِ نافذاً

ولا كلقاءِ الموتِ من بينهما حتما

إلى حيثُ آباءُ الفتى يذهبُ الفتى

سَبيلٌ يَدينُ العالَمون بها قِدْما

وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ

ولا الموتُ إلا الرُّوحُ فارقَتِ الجِسما

ولا خلْدَ حتى تملأَ الدهرَ حِكْمة ً

على نزلاءِ الدهرِ بعدكَ أو علما

زجرتُ تصاؤيفَ الزمانِ ، فما يقعْ

ليَ اليومَ منها كان بالأمس لي وهما

وقدَّرتُ للنعمانِ يوماً وضدَّهُ

فما اغترَّتِ البوسى ، ولا غرَّتِ النَّعمى

شربتُ الأَسى مصروفة ً لو تعرضتْ

بأَنفاسِها بالفمِّ لم يستفِقْ غَمَّا

فأَتْرِعْ وناوِلْ يا زمانُ؛ فإنما

نديمكَ سقراطُ الذي ابتدعَ السمَّا

قَتلتُكَ، حتى ما أُبالِي: أَدَرْتَ لي

شهيدة ِ حربٍ لم تُقارِفْ لها إثما

مُدَلَّهة ٍ أَزكى مِنَ النارِ زَفْرَة ً

وأنزهِ منْ دمعِ الحيا عبرة سحما

سقاها بَشيرِي وهْيَ تَبكِي صَبابة ً

فلم يَقْوَ مَغناها على صَوْبِهِ رَسْما

أَسَتْ جُرحَها الأَنباءُ غيرَ رَفيقة ٍ

وكم نازعٍ سهماً فكان هو السَّهما!

تغارُ على الحمَّى الفضائلُ والعلا

لما قبَّلتْ منها ، وما ضمَّتْ الحمَّى !

أكانت تمنَّاها وتهوى لقاءها

إذا هي سَمَّاها بذي الأَرض مَنْ سَمّى ؟

أَلَمَّتْ عليها، واتَّقتْ ثمراتِها

فلمَّا وقوا الأسواءَ لم ترها ذمَّا

فيا حسرتا أَلاَّ تراهم أَهِلَّة ً

إذا أَقْصَرَ البدرُ التمامُ مَضوْا قُدْما!

المراجع

  1. “اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2019.
  2. “سلام من صبا بردى أرق”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 26-2-2019.
  3. أحمد شوقي، ديوان الشّوقيّات، صفحة 513.
  4. أحمد شوقي، ديوان الشّوقيّات، صفحة 756.